فائدة في بيان اختلاف العُلماء في كُتُب الغزاليِّ

فائدة في بيان اختلاف العُلماء في كُتُب الغزاليِّ

27

واختلف العُلماء في الغزاليِّ فطعن به القاضي عياض المالكيُّ وغيرُه؛ ومنهُم مَن برَّأه ممَّا في بعض كُتُبه ورأى أنَّ تلك المُخالفات لا تثبُت عنه بل دُسَّت في كُتُبه؛ ومنهُم مَن احتمل عنده أنَّه وضعها أوَّل أمره ثُمَّ رجَع عنها. ووُقوع الدَّسِّ في كُتُب الغزاليِّ مشهور عند عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة.

28

قال مُحمَّد بن الوليد بن مُحمَّد بن خلف القُرشيُّ الفهريُّ الأندلسيُّ أبو بكر الطرطوشيُّ المالكيُّ المُتوفَّى 520هـ: <شحن كتابه بالكذب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم> إلخ.. ونقله الونشريسيُّ في [المعيار المُعرب].

29

وقال القاضي عياض المُتوفَّى 544هـ: <وألَّف فيه تواليفه المشهورة أُخِذَ عليه فيها مواضع وساءت به ظُنون أُمَّة والله أعلم بسرِّه ونفذ أمر السُّلطان عندنا بالمغرب وفتوى الفُقهاء بإحراقها والبُعد عنها فامتُثل ذلك> إلخ..

30

وقال ابن حجر الهيتميُّ المُتوفَّى 974ه: <وعبارتُه الَّتي أشار إليها القاضي [عياض] -على تقدير كونها عبارته- وإلَّا فقد دُسَّ عليه في كُتُبه عبارات حسَدًا لا تُفيد ما فهمه القاضي ولا تقرُب ممَّا ذكره> انتهى.

31

فانظر كيف استعمل ابن حجر عبارة: (على تقدير كونها عبارته) وهي مِن العبارات الَّتي أخذ علينا أهل الفتنة استعمالها حيث لا تثبُت عبارة عن عالِم بالطَّريقة الشَّرعية المُعتبرة! فتأمَّل أخي القارئ يرحمك الله تعالَى.

32

وقال أبو الفرج ابن الجوزيِّ الحنبليُّ المُتوفَّى 597هـ في [منهاج القاصدين]: <فاعلم أنَّ في كتاب [الإحياء] آفات لا يعلمُها إلَّا العُلماء> وقال في كتابه [تلبيس إبليس]: <وملأه بالأحاديث الباطلة وهو لا يعلم بُطلانها> إلخ..

33

وقال أبو علي عمر السَّكونيُّ المالكيُّ الأشعريُّ الإشبيليُّ نزيل تونس المُتوفَّى 717هـ في [لحن العامَّة والخاصَّة في المُعتقدات] عندما ذكر كُتُب الغزاليِّ: <فإنَّها إمَّا مدسوسة عليه أو وضعها أوَّل أمره ثُمَّ رجَع عنها> إلخ..

34

والدَّسُّ على الغزاليِّ بدأ قبل موته ففي [فضائل الأنام]: <هاج حسد الحُسَّاد ولم يجدوا أيَّ طعن مقبول غير أنَّهُم لبَّسوا الحقَّ بالباطل وغيَّروا كلمات مِن [المُنقذ مِن الضَّلال] و[مشكاة الأنوار] وأدخلوا فيها كلماتِ كُفر> إلخ..

35

فكيف يحتجُّ المُنحرفون ببعض عبارات مُشكلة مِن كُتُب الغزاليِّ في مثل هذا الأمر العظيم فيترُكون بسبب ذلك تكفير مَن أطبقت الأُمَّة على تكفيرهم مِن المُجسِّمة والقائلين (بقِدم العالَم) و(أنَّ الله لا يعلم الجُزئيَّات) و(أنَّ مشيئة الله ليست نافذة) ونحو هذا مِن الكُفر القبيح والعياذ بالله تعالَى.

36

فإذا علمتَ ما تقدَّم فقد ثبت عندك أنَّه لا يجوز الأخذ بتلك العبارات الَّتي تُوهم خلاف القُرآن الكريم والحديث الصَّحيح الثَّابت وإجماع الأُمَّة المُحمَّديَّة ولا سيَّما وأنَّك علمتَ أنَّها لا تثبُت بحُروفها عمَّن تُوجد في كُتُبه والأمرُ أكثر خطرًا مِن أنْ يخوض فيه الإنسان بالمُغامرة الخاسرة.

ح) بيان أنَّ تحصيل العلم لا يكون بمُطالعة الكُتُب

37

اعلم أخي القارئ أنَّ الكتاب لا يكون مُعتمَدًا لمُجرَّد شُهرة صاحبه ولا لمُجرَّد نسبته إلى مُصنِّفه بل لا بُدَّ مِن توفُّر نُسخة شهد الثِّقات أنَّها بخطِّ المُصنِّف أو شهدوا أنَّها مُقابلة على نُسخة بخطِّه لأنَّ الكُتُب وقع في نسخها الدَّسُّ والتَّصحيف ولذلك قال التَّاج السُّبكيُّ: <آفة الكُتُب نُسَّاخُها> انتهَى.

38

قال شيخُنا المُحقِّق المُدقِّق الشَّيخ عبدالله الهرريُّ الحبشيُّ رحمه الله ما معناه: <إنَّ النُّسَخ الَّتي لم تكُن مُقابَلة بيد ثقة على نُسخة قابَلها ثقة وهكذا إلى أصل المُؤلِّف الَّذي كتبه بخطِّه أو كتبه ثقة بإملاء المُؤلِّف فقابَله على المُؤلِّف لا تُعتبر نُسَخًا صحيحة بل هي نُسخ سقيمة> انتهَى.

39

فلا يصحُّ الأخذ من نُسخة لا يُعرف حال مَن خطَّها وكذلك إنْ لم تُقابل على نُسخة صحيحة، ولذلك قال النَّوويُّ في [التَّقريب]: <وَمَنْ أَرَادَ الْعَمَلَ مِنْ كِتَابٍ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ قَابَلَهَا هُوَ أَوْ ثِقَةٌ بِأُصُولٍ صَحِيحَةٍ فَإِنْ قَابَلَهَا بِأَصْلٍ مُحَقَّقٍ مُعْتَمَدٍ أَجْزَأَهُ وَاللهُ أَعْلَمُ> إلخ..

40

وكان الطَّلَبَة يكتبون على هامش المخطوط فتتداخل السُّطور فإنِ احتاج الكتاب إلى إعادة نسخ خلط النَّاسخ بين المتن والهامش فيُنسب إلى المُصنِّف ما كان وضعه غيرُه في الهامش ولذلك فإنَّ الأَولَى أنْ نعمل بقول نبيِّنا عليه الصَّلاة والسَّلام: <إنَّما العلم بالتَّعلم> أي بالتَّلقِّي عن الضَّابط الثِّقة.

نهاية المقال.

Jun 25, 2022 12:57:13pm

Source : Muhammad Sabbagh

فكرة واحدة على ”فائدة في بيان اختلاف العُلماء في كُتُب الغزاليِّ

التعليقات مغلقة.