الرِّسالة الأشعريَّة في أنَّ الصَّغيرة الَّتي لا خسَّة فيها حقيقيَّة

الرِّسالة الأشعريَّة

في أنَّ الصَّغيرة الَّتي لا خسَّة فيها حقيقيَّة

عشرات الأدلَّة في دحر فتنة الجَهَلَة المُتصولحة في عصمة الأنبياء

في هذا المقال:

أ) جدول بأسماء العُلماء الَّذين نقلنا عنهُم في هذا المقال.

ب) مُقدِّمة في إضافة الذَّنب إلى الأنبياء عليهمُ السَّلام.

ج) تعريف المعصية الحقيقيَّة وما يجوز منها على الأنبياء عند الجُمهور.

د) عشرات الأدلَّة في أنَّ الصَّغيرة الَّتي لا خسَّة فيها حقيقيَّة.

هـ) خاتمة.

و) الهامش: وفيه سائر النُّصُوص المنقولة عن عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة.

أ) جدول بأسماء العُلماء الَّذين نقلنا عنهُم في هذا المقال:

1. أكثر مُفسِّري الصَّحابة والتَّابعين.

2. الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه المُتوفَّى 179هـ.

3. الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالَى عنه المُتوفَّى 241هـ.

4. الإمام الطَّبريُّ رضي الله عنه وهُو مِن المُجتهدين المُتوفَّى 310هـ.

5. الإمام الماتُريديُّ المُتوفَّى 333هـ.

6. ابن بطَّال الأندلُسيُّ المُتوفَّى 449هـ.

7. الإمام أبو إسحاق الشِّيرازيُّ المُتوفَّى 476هـ.

8. الإمام المُتولِّي شيخ الشَّافعيَّة المُتوفَّى 478هـ.

9. إمام الحرمين عبدالملك الجُوينيُّ المُتوفَّى 478هـ.

10. الإمام الغزاليُّ المُتوفَّى 505هـ.

11. الفقيه ابن رُشد الجَدُّ المُتوفَّى 520هـ.

12. الإمام المازريُّ المُتوفَّى 536هـ.

13. القاضي عياض المالكيُّ المُتوفَّى 544هـ.

14. جمال الدِّين الغزنويُّ المُتوفَّى 593هـ.

15. الإمام القُرطبيُّ صاحب التَّفسير المُتوفَّى 671هـ.

16. الإمام النَّوويِّ المُتوفَّى 676هـ.

17. أبو الحَسَن اليفرنيُّ المُتوفَّى 734هـ.

18. ابن الأمير المُتوفَّى 736هـ.

19. تقيُّ الدِّين السُّبكيُّ الكبير المُتوفَّى 756هـ.

20. التَّاج السُّبكيُّ المُتوفَّى 771هـ.

21. السَّعد التَّفتازانيُّ المُتوفَّى 792هـ.

22. ابن المُلقِّن عُمر بن عليٍّ الأنصاريُّ المُتوفَّى 804هـ.

23. الشَّريف الجُرجانيُّ المُتوفَّى 816هـ.

ب) مُقدِّمة في إضافة الذَّنب إلى الأنبياء عليهمُ السَّلام

الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.

1

وبعدُ فاعلم أنَّ الأنبياء عليهمُ السَّلام معصومون مِن الكُفر والكبائر وصغائر الخسَّة قبل النُّبُوَّة وبعدها، واختلف أهل السُّنَّة فيما سوَى ذلك أي في الصَّغائر الَّتي لا خسَّة فيها على ما سَنُبَيِّنُ فيما يلي.

2

فقد جاء في القُرآن والحديث إضافة الذَّنب إلى الأنبياء -عليهمُ السَّلام- كما قال الله تعالَى: {لِيَغفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح/2] وكما في قوله تعالَى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه/121].

3

قال الفقيه ابن بطَّال في [شرح البُخاريِّ]: (وقالَ أهلُ السُّنَّةِ: جائزٌ وُقوعُ الصَّغائرِ مِنَ الأنبياءِ. واحتجُّوا بقولِهِ تعالَى مُخاطبًا لرسولِهِ: {لِيَغفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} فأضافَ إليهِ الذَّنبَ) انتهَى.

4

وهذه الإضافة لا يخلو أن تكُون إمَّا إضافة حقيقيَّة وإمَّا إضافة مجازيَّة، فقال الجُمهور إنَّها إضافة حقيقيَّة بينما قال الأقلُّ مِن العُلماء إنَّها مجازيَّة أي أُطلِقَت على نحو ترك الأولَى مِن باب التَّشبيه بالذَّنب.

5

فمَن قال إنَّها إضافة حقيقيَّة حمل لفظ الذَّنب على الصَّغير الَّذي لا خسَّة فيه ومَن قال إنَّها مجازيَّة حمل لفظ الذَّنب على ما ليس بذنب تشبيهًا لنحو ترك الأولَى بالذَّنب بالنِّسبة إلى كمال طاعة الأنبياء.

6

وقد ادَّعَى أهل الفتنة إجماعًا مكذوبًا بأنَّ إضافة الذَّنب إلى الأنبياء لا تكون إلَّا مجازيَّة فأنكروا بذلك ما اعترفوا به مِن اختلاف عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة في قضيَّة المعصية الصَّغيرة الَّتي لا خسَّة فيها.

7

وذلك أنَّ ما جاء في القُرآن مِن إضافة الذَّنب إلى الأنبياء لو كانت لا تقع إلَّا على سبيل المجاز لاقتضَى أن لا يختلف عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة بعد ذلك في قضيَّة المعصية الصَّغيرة الَّتي لا خسَّة فيها.

8

وكُتُب عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة ترُدُّ دعوَى أهل الفتنة وتشهد بكذبهم وبأنَّهُم حرَّفوا مذاهب العُلماء في عصمة الأنبياء لأنَّها مشحونة بما يدُلُّ على اختلاف أهل السُّنَّة في الصَّغيرة الَّتي لا خسَّة فيها.

ج) تعريف المعصية الحقيقيَّة وما يجوز منها على الأنبياء عند الجُمهور

9

والمعصية الحقيقيَّة هي الَّتي تُسمَّى في حقيقة الشَّرع معصية أو ذنبًا؛ لا مِن باب التَّشبيه بالمعصية أو بالذَّنب. والمعصية الحقيقيَّة لا تُطلَق على ترك الأولَى ولا على ما يقع على وجه السَّهو بغير تعمُّد.

10

قال شيخ الأزهر الشَّيخ حسن العطَّار في حاشيته على [شرح الجلال المحليِّ على جمع الجوامع] في تعريف المعصية حقيقة: <وهي فعل المَنهيِّ عنه مع قيام النَّهي عنه وعدم انقطاعه> انتهَى.

11

والمعاصي الحقيقيَّة بعضُها مِن الكبائر لا يجوز إضافتها إلى نبيٍّ مُطلَقًا. وبعضُها مِن الصَّغائر ولا يجوز أن يُضاف إلى الأنبياء مِن كُلِّ ذلك -في مذهب الجُمهور- إلَّا المعصية الصَّغيرة الَّتي لا خسَّة فيها.

12

وقد رسمنا هذا المقال ردًّا على تُرَّهات الجاهلين وضمَّنَّاه عشرين دليلًا مِن أقوال عُلماء أهل السُّنَّة وتحدَّينا أهل الفتنة أن يُجيبوا ولو على واحد منها فعُقولهم في شكٍّ وقُلوبُهُم تحتار والله يخلُق ما يشاء ويختار.

د) عشرات الأدلَّة في أنَّ الصَّغيرة الَّتي لا خسَّة فيها حقيقيَّة.

1- الأفعال الفاضلة بريئة مِن الخسَّة.

إنَّ ترك الأفضل (عُدول مِن الأفضل إلى فاضل) فيُعلَم أنَّ الصَّغائر الَّتي قسَّمها الجُمهور إلى خسيسة وغير خسيسة: حقيقيَّة، لأنَّ الأفعال الفاضلة بريئة مِن الخسَّة ولأنَّ المعاصي الحقيقيَّة هي الَّتي تنقسم إلى ما فيه خسَّة وإلى ما لا خسَّة فيه.

راجع الهامش مِن [1] [2] [3] [4] [5] نهاية المقال.

2- مُقابلة الكبائر بالصَّغائر.

اعلم أنَّ الذُّنوب الحقيقيَّة منها كبائر ومنها صغائر ثُمَّ إنَّ الجُمهور عندما جوَّزوا الصَّغائر في حقِّ الأنبياء جعلوها في مُقابل الكبائر المُمتنعة عليهم فدلَّ ذلك على أنَّهُم أرادوا الصَّغيرة الحقيقيَّة لأنَّ الصَّغيرة المجازيَّة كترك الأولَى لا تُقابل الكبائر.

راجع الهامش [6] نهاية المقال.

3- وُقوعُ كلام العُلماء في مقام البيان.

اعلم أنَّ أكثر عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة قالوا: (جَائِزٌ وُقُوعُ الصَّغَائِرِ مِنَ الأَنبِيَاءِ) وإنَّما قالوا ذلك في مقام البيان أي بقصد التَّوضيح ومَن أراد التَّوضيح يستعمل كلامًا واضحًا ولا يستعمل كلامًا يحتاج إلى أن نتأوَّله فنخرجه عن سياقه لنفهمه.

راجع الهامش [7] [8] [9] [10] نهاية المقال.

4- عدم سُكوت العُلماء عن الصَّغائر الحقيقيَّة.

اعلم أنَّ الجُمهور نصُّوا على امتناع الكبيرة وجواز الصَّغيرة على الأنبياء، والكبيرةُ لا تشمل الصَّغائر الحقيقيَّة فلو أراد الجُمهور بالصَّغيرةِ المجازيَّةَ وحسب فأين ذهبوا بالكلام عن الصَّغائر الحقيقيَّة وهل تُراهُم سكتُوا عن بيان حُكم الشَّرع فيها!

راجع الهامش [11] نهاية المقال.

5- اتِّفاق العُلماء على جواز وُقوع الصَّغيرة سهوًا.

اتَّفق عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة على جواز وُقوع المعصية الصَّغيرة سهوًا وهذا يعني اتِّفاقهُم على وُقوع صُورة المعصية أي وُقوع المعصية مجازًا. فأين اختلافُهُم؟ الجواب أنَّه لا يبقَى إلَّا أنَّهُم اختلفوا في الحقيقيَّة الصَّغيرة الَّتي لا خسَّة فيها.

راجع الهامش [12] نهاية المقال.

6- أكثر مُفسِّري الصَّحابة والتَّابعين.

اعلم أنَّ أكثر مُفسِّري الصَّحابة والتَّابعين قرنوا بين لفظ الوزر ولفظ الإثم في تفسير قوله تعالَى: {وَوَضَعنَا عَنكَ وِزرَكَ} وقرنوا كذلك بين لفظ الذَّنب وبين لفظ الوزر فدلَّ أنَّهُم حملوا الذَّنب على ظاهره أي على حقيقته الشَّرعيَّة لا على المجاز.

راجع الهامش [13] نهاية المقال.

7- كلام الإمام مالك رضي الله عنه.

وقد نقل المالكيَّة أنَّ الإمام مالكًا قال بوُقُوع الصَّغائر مِن الأنبياء مُستدِلًّا بقوله تعالَى: {لِيَغفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} وهذا معناه أنَّ مالكًا رضي الله عنه أخذ بظاهر لفظ الذَّنب أي حمله على حقيقة الشَّرع ولم يحمله على المجاز.

راجع الهامش [14] نهاية المقال.

8- كلام الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالَى عنه.

نصَّ الإمام أحمد بن حنبل أنَّ المُعتزلة الَّذين يُكفِّرون بالذَّنب مُؤدَّى قولهم تكفير نبيِّ الله آدمَ عليه السَّلام وهذ يدُلُّ أنَّه يعتقد أنَّ الصَّغيرة الَّتي فعلها آدم وتاب عليه السَّلام منها هي صغيرة حقيقيَّة لأنَّ المُعتزلة كفَّروا بالذَّنب الحقيقيِّ لا بالمجازيِّ.

راجع الهامش [15] نهاية المقال.

9- كلام الإمام الطَّبريِّ رضي الله عنه وهُو مِن المُجتهدين.

حمل الإمام الطَّبريُّ الذَّنب الَّذي أُضِيف إلى الأنبياء على الحقيقة بدليل أنَّه رأَى مِن المُحال أن يُقال: (اللَّهُمَّ اغفر لي ذنبًا لم أعمله) لأنَّه لو حمله على المجاز لاقتضَى أن يقبل تأويل ذلك فلمَّا لم يقبل دلَّ أنَّه أراد الذَّنب الحقيقيَّ لا المجازيَّ.

راجع الهامش [16] نهاية المقال.

10- كلام الإمام الماتُريديِّ (أ).

نصَّ الإمام الماتُريديُّ في [كتاب التَّوحيد] أنَّ مما يُرَدُّ به على الخوارج الذين كفَّروا بالذَّنب أنَّ الله تعالَى ابتلَى الأنبياء عليهمُ السَّلام بها. فهذا نصٌّ منه أنَّ الأنبياء ابتُلُوا بالصَّغائر الحقيقيَّة لأنَّ الخوارج لم يُكفِّروا بالصَّغائر المجازيَّة.

راجع الهامش [17] نهاية المقال.

11- كلام الإمام الماتُريديِّ (ب).

ويرَى الإمام الماتُريديُّ في أحد قولَيه جواز وُقُوع الأنبياء في الصَّغائر فقد أشار أنَّ الأنبياء (لَو أُهلِكُوا لَأُهلِكُوا بِالصَّغَائِرِ) هذا كلامُه بحُروفه. والله تعالَى لا يُعذِّب على ترك الأولَى فدلَّ أنَّه ما أراد بالصَّغائر في هذا الموضع إلَّا الحقيقيَّة.

راجع الهامش [18] نهاية المقال.

12- كلام الإمام الماتُريديِّ (ج).

ونصَّ الإمام الماتُريديُّ في [تأويلات أهل السُّنَّة] أنَّ الله تعالَى له على الأنبياء امتنان بأن لم يُعذِّبهُم على الصَّغائر بل غفرها لهُم وقد علم أهل السُّنَّة والجماعة أنَّ الله تعالَى لا يُعذِّب أحدًا على ترك الأولَى فدلَّ أنَّه أراد بالصَّغائر الحقيقيَّة.

راجع الهامش [18] نهاية المقال.

13- كلام الإمام ابن بطَّال الأندلُسيِّ شارح البُخاريِّ.

نصَّ ابن بطَّال أنَّ أهل السُّنَّة جوَّزوا الصَّغائر على الأنبياء، وأنَّ المُعتزلة قالوا: (إنَّ ما يغفرُه الله لأنبيائه هُو ما كان مِن قَبيل السَّهو) ثُمَّ وصف قولَهُم هذا بأنَّه (بعيد عن الصَّواب) فدلَّ أنَّ جُمهور أهل السُّنَّة إنَّما جوَّزوا الصَّغيرة الحقيقيَّة.

راجع الهامش [19] [20] [21] [22] [23] نهاية المقال.

14- كلام الإمام المُتولِّي شيخ الشَّافعيَّة.

اعلم أنَّ المُتولِّي نصَّ على جواز الصَّغائر الَّتي لا خسَّة فيها على الأنبياء وأفاد بأنَّ هذا ما يدُلُّ عليه ظاهر القرآن فتأكَّد زيادة أنَّه يقصد الصَّغيرة الحقيقيَّة لا المجازيَّة لأنَّ ظاهر النُّصوص الشَّرعيَّة إنَّما يُفيد الحقيقة الشَّرعيَّة بلا خلاف.

راجع الهامش [24] نهاية المقال.

15- كلام إمام الحرمين عبدالملك الجُوينيِّ (أ).

نصَّ الإمام الجُوينيُّ على اختلاف العُلماء في عصمة الأنبياء مِن الصَّغائر ثُمَّ أشار إلى أنَّ قول الجُمهور تشهد له آيات القُرآن فدلَّ ذلك أنَّه قصد الصَّغيرة الحقيقيَّة لأنَّ الاستشهاد على المعنَى يكون في ظاهر النَّصِّ لا باطنه.

راجع الهامش [25] نهاية المقال.

16- كلام إمام الحرمين عبدالملك الجُوينيِّ (ب).

سمَّى الإمام الجُوينيُّ الذَّنب الصَّغير الَّذي جوَّزه الجُمهور على الأنبياء بالمُحرَّم وحرَّم الاتِّباع فيه. وهذا دليل أنَّه لم يفهم مِن ذلك إلَّا الذَّنب الصَّغير الحقيقيَّ لأنَّه لا يجوز عند أحد مِن أهل السُّنَّة تحريم الاتِّباع في الأفعال الفاضلة.

راجع الهامش [26] نهاية المقال.

17- كلام الإمام الغزاليِّ.

اعلم أنَّ الإمام الغزاليَّ قال بتقسيم المعاصي إلى كبائر وصغائر. وأفاد أنَّ الصَّغائر مُختلف في جوازها على الأنبياء فدلَّ أنَّه قصد الصَّغائر الحقيقيَّة لأنَّ المعاصي لا تنقسم إلى كبائر وترك الأولَى وإلَّا فأين تكون الصَّغائر الحقيقيَّة!

راجع الهامش [27] نهاية المقال.

18- كلام الفقيه ابن رُشد الجَدِّ.

بيَّن ابن رُشد أنَّه خالف العُلماء الَّذين جوَّزوا على الأنبياء صغائر لا خسَّة فيها وأوضح أنَّه يعتقد أنَّ الأنبياء إنَّما يُعاتبون على ما ليس بكبائر ولا صغائر لعُلُوِّ مكانتهم فدلَّ أنَّ الجُمهور قالوا بجواز الصَّغيرة الحقيقيَّة وإلَّا فكيف يكون خالفهم!

راجع الهامش [28] [29] نهاية المقال.

19- كلام الإمام المازريِّ.

صرَّح الإمام المازِريُّ أنَّ العُلماء الَّذين جوَّزوا الصَّغائر على الأنبياء مرجعُهُم الآيات وأمَّا الآخَرون فتأوَّلوها فدلَّ ذلك أنَّ الجُمهور تركوا تأويل تلك الآيات المذكورة وهذا معناه أنَّهُم حملوا الذَّنب على الحقيقة الشَّرعيَّة لا على المجاز.

راجع الهامش [30] نهاية المقال.

20- كلام القاضي عياض.

نصَّ القاضي عياض على أنَّ الجُمهور قالوا بجواز الصَّغيرة على الأنبياء ثُمَّ بيَّن أنَّها لا تكثُر منهُم لأنَّ ذلك يُلحقُها بالكبائر. وترك الأَولَى لا يلتحق بالكبائر مهما كثُر وتكرَّر وإنَّما الصَّغيرة الحقيقيَّة قد تلتحق بالكبائر إن تكرَّرت وكثُرت.

راجع الهامش [31] [32] [33] نهاية المقال.

21- كلام جمال الدِّين الغزنويِّ.

قال الفقيه الحنفيُّ جمال الدِّين الغزنويُّ في [أُصول الدِّين] إنَّ بعض أهل السُّنَّة قالوا إنَّ ذُنوب الأنبياء ترك الأولَى وقال إنَّ مِن أهل السُّنَّة مَن خالف هؤُلاء فجوَّز الصَّغائر فدلَّ أنَّ المذكورين -أخيرًا- إنَّما جوَّزوا الصَّغائر الحقيقيَّة. راجع الهامش [34] نهاية المقال.

22- كلام الإمام النَّوويِّ.

نصَّ الإمام النَّوويُّ على قول الجُمهور ثُمَّ بيَّن أنَّ دليل الجُمهور في ذلك ظواهر النُّصوص الشَّرعيَّة أي أنَّهُم أخذوا بظواهر تلك الآيات والأحاديث الثَّابتة ولم يتأوَّلُوها فثبت أنَّهُم حملوا لفظ الذَّنب على حقيقته الشَّرعيَّة لا على المجاز.

راجع الهامش [35] نهاية المقال.

23- كلام التَّاج السُّبكيِّ (أ).

نصَّ تاج الدِّين السُّبكيُّ أنَّه يُخالف الجُمهور في عصمة الأنبياء عن الصَّغائر وصرَّح بمُوافقة والده بأنَّهُم معصومون منها كُلِّها وتقيُّ الدِّين يقول بجواز المجازيَّة عليهم فتبيَّن أنَّ الصَّغيرة الَّتي جوَّزها الجُمهور على الأنبياء حقيقيَّة.

راجع الهامش [36] [37] نهاية المقال.

24- كلام التَّاج السُّبكيِّ (ب).

نصَّ التَّاج السُّبكيُّ أنَّ الجُمهور جوَّزوا الصَّغائر على الأنبياء لإثباتهمُ الشَّفاعة وأنَّ المُعتزلة منعوا ذلك لإنكارهمُ الشَّفاعة وأنَّه أي التَّاج يقول بامتناع الصَّغيرة مع إثباته للشَّفاعة ولا يُنكر المجازيَّة فدلَّ أنَّ الجُمهور جوَّزوا الحقيقيَّة.

راجع الهامش [38] نهاية المقال.

هـ) خاتمة:

هذا والمُنصف يكفيه دليل واحد ولكن لمَّا كان خصمُنا كأنَّه مجبول على ترك الإنصاف والخلط بين المسائل رأينا أن نجمع له في هذا المقال الكثير مِن الاستدلالات الَّتي هرب من الجواب عنها ولو تجرَّأ على التَّفكير بالرَّدِّ لصار مثل ناموس نفخ على جبل فخرَّ ميتًا مِن شدَّة النَّفخ والجبل شامخ فكان حالُه كما قال الشَّاعر:

أقول لمحرز لمَّا التقينَا تنكَّب لا يُقطِّرك الزِّحامُ

و) الهامش:

1- قال السَّعد التَّفتازانيُّ في [التَّلويح على التَّوضيح لمتن التنقيح]: <قولُه: (وهُو فعلُه مِن الصَّغائر) ردٌّ لِمَا ذكره بعض المشايخ (مِن أنَّ زلَّة الأنبياء هي الزَّلل مِن الأفضل إلى الفاضل ومِن الأصوب إلى الصَّواب لا عن الحقِّ إلى الباطل وعن الطَّاعة إلى المعصية لكن يُعاتبون لجلالة قدرهم ولأنَّ ترك الأفضل عنهُم بمنزلة ترك الواجب عن الغير)> انتهَى.

2- قال المُفسِّر أبو عبد الله القُرطبيُّ في [الجامع لأحكام القُرآن]: <وقيل: (لذنب نفسك) على مَن يجوِّز الصَّغائر على الأنبياء> إلخ..

3- وقال القُرطبيُّ في [التَّذكرة]: <واختلف العُلماء أيضًا هل وقع مِن الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين بعد النُّبوَّة صغائر مِن الذُّنوب يُؤاخذون بها ويُعاقبون عليها ويُشفقون على أنفسهم منها أم لا> انتهَى.

4- ثُمَّ قال: <فقال الطَّبريُّ وغيرُه مِن الفُقهاء والمُتكلِّمِين والمُحدِّثِين: (تقع الصَّغائر منهم خلافًا للرَّافضة)> انتهَى.

5- وقال أبو الحسن اليفرنيُّ المالكيُّ فِي [المباحث العقليَّة]: <وأمَّا ما ليس بكبيرة فإمَّا أن يكون مِن قبيل ما يُوجب الحُكمَ على فاعله بالخسَّة ودناءة الهِمَّة وسقوط المُروءة فالحُكم فيه كالحُكم فِي الكبيرة. وأمَّا ما ليس مِن هذا القَبيل فهذا ممَّا اتَّفق أكثر أصحابنا وأكثر المُعتزلة على جوازه عمدًا وسهوًا خلافًا للشِّيعة وذهب الجبَّائيُّ إلى أنَّ ذلك لا يجوز إلَّا بطريق السَّهو أو الخطإ فِي التَّأويل> انتهَى مُختصَرًا.

6- في كتاب [الكامل فِي أُصول الدِّين] لابن الأمير فِي اختصار كتاب [الشَّامل فِي أُصول الدِّين لإمام الحرمَين الجُوَينيِّ]: <وكُلُّ ذلك يدُلُّ على صُدور بعض الذُّنوب منهم وليس فِي العقل ما يُحيله. نعم لا يجوز إصرارُهُم على الصَّغائر وتُواطؤُهم عليها وِفاقًا لأنَّه يُلحق بالكبائر> انتهَى.

7- قال الغزاليُّ في [المُستصفى]: <مَسأَلَةٌ إذَا دَارَ اللَّفظُ بَينَ الحَقِيقَةِ وَالمَجَازِ فَاللَّفظُ لِلحَقِيقَةِ إلَى أَن يَدُلَّ الدَّلِيلُ أَنَّهُ أَرَادَ المَجَازَ> انتهَى.

8- وقال الآمديُّ في [أبكار الأفكار]: <والأصل فى الإطلاق الحقيقة> انتهَى.

9- وقال [فيه]: <ولا يخفَى أنَّ ترك الظَّاهر مِن غير دليلٍ ممتنِعٌ> انتهَى.

10- وقال الإمام أبو إسحق الشيرازي في [المعونة في الجدل][ص/55]: <وظاهر بوضع الشَّرع كالأسماء المنقولة مِن اللُّغة إلى الشَّرع، كالصَّلاة في اللُّغة اسم للدُّعاء؛ وفي الشَّرع اسم لهذه الأفعال المعروفة، والحجِّ في اللُّغة اسم للقصد؛ وفي الشَّرع اسم لهذه الأفعال المعروفة، وغير ذلك مِن الأسماء المنقولة مِن اللُّغة إلى الشَّرع. وحكمُه أن يُحمل على ما نُقل إليه في الشَّرع ولا يُحمل على غيره إلَّا بدليل> انتهَى.

وقال ابن المُلقِّن أبو حفص عُمر بن عليٍّ الأنصاريُّ الشَّافعيُّ فِي [التَّوضيح لشرح الجامع الصَّحيح]: <فَذَهَبَ الجُمهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ عَلَيهِمُ الكَبَائِرُ لِوُجُوبِ عِصمَتِهِم. وَتَجُوزُ عَلَيهِمُ الصَّغَائِرُ. وَذَهَبَتِ المُعتَزِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ عَلَيهِمُ الصَّغَائِرُ كَمَا لَا تَجُوزُ عَلَيهِمُ الكَبَائِرُ وَتَأَوَّلُوا قَولَهُ تَعَالَى: {لِيَغفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} فَقَالُوا: (إِنَّمَا غَفَرَ لَهُ تَعَالَى مَا يَقَعُ مِنهُ عَلَيهِ السَّلَامُ مِن سَهوٍ وَغَفلَةٍ؛ وَاجتِهَادٍ فِي فِعلِ خَيرٍ لَا يُوَافِقُ بِهِ حَقِيقَةَ مَا عِندَ رَبِّهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي غَفَرَ لَهُ وَسُمِّيَ ذَنبًا لِأَنَّ صِفَتَهُ صِفَةُ الذَّنبِ المَنهِيِّ عَنهُ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ تَعمُّدٌ وَهَذَا بِغَيرِ قَصدٍ) وَهَذَا تَأوِيلٌ بَعِيدٌ مِنَ الصَّوَابِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَو كَانَ السَّهوُ وَالغَفلَةُ ذُنُوبًا لِلأَنبِيَاءِ يَجِبُ عَلَيهِمُ الِاستِغفَارُ مِنهَا: لَكَانُوا أَسوَأَ حَالًا مِن سَائِرِ النَّاسِ غَيرِهِم لِأَنَّهُ قَد وَرَدَتِ السُّنَّةُ المُجمَعُ عَلَيهَا أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ العِبَادُ بِالخَطَإِ وَالنِّسيَانِ فَلَا يَحتَاجُونَ إِلَى الِاستِغفَارِ مِن ذَلِكَ. وَمَا لَم يُوجِبِ الِاستِغفَارَ فَلَا يُسَمَّى عِندَ العَرَبِ ذَنبًا. فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ هُوَ المُخبِرُ لَنَا بِذَلِكَ عَن رَبِّهِ تَعَالَى أَولَى بِأَن يَدخُلَ مَعَ أُمَّتِهِ فِي مَعنَى ذَلِكَ. وَلَا يَلزَمُهُ حُكمُ السَّهوِ وَالخَطَإِ. وَإِنَّمَا يَقَعُ استِغفَارُهُ عَلَيهِ السَّلَامُ كَفَّارَةً لِلصَّغَائِرِ الجَائِزَةِ عَلَيهِ. وَهِيَ الَّتِي سَأَلَ اللَّه غُفرَانَهَا لَهُ بِقَولِهِ: (اغفِر لِي مَا قَدَّمتُ وَمَا أَخَّرتُ)> انتهَى.

11- قال السَّيِّد الشَّريف عليُّ بن مُحمَّد الجُرجانيُّ فِي [شرح المواقف]: <(ومَن جوَّز الصَّغائر عمدًا فله زيادة فُسحة) في الجواب إذ يزداد له وجه آخَرُ وهُو أن يقول جاز أن يكون الصَّادر عنهم صغيرة عمدًا لا كبيرة> انتهَى.

12- قال التَّفتازانيُّ فِي [شرح العقائد النَّسفيَّة]: <أَمَّا الصَّغَائِرُ فَيَجُوزُ عَمدًا عِندَ الجُمهُورِ خِلَافًا لِلجُبَّائِيِّ وَأَتبَاعِهِ (((وَيَجُوزُ سَهوًا بِالِاتِّفَاقِ))) إِلَّا مَا يَدُلُّ عَلَى الخِسَّةِ كَسَرِقَةِ لُقمَةٍ وَالتَّطفِيفِ بِحَبَّةٍ لَكِنَّ المُحَقِّقِينَ اشتَرَطُوا أَن يُنَبَّهُوا عَلَيهِ فَيَنتَهُوا عَنهُ هَذَا كُلُّهُ بَعدَ الوَحيِ> انتهَى.

13- قال الإمام الماتُريديُّ في [تأويلات أهل السُّنَّة]: <وقولُه تعالَى: {وَوَضَعنَا عَنكَ وِزرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهرَكَ} يحتمل وجهَين أحدُهُمَا ما قال عامَّة أهل التَّأويل على تحقيق الوزر له والإثم كقوله: {لِيَغفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} وقوله: {وَاستَغفِر لِذَنبِكَ وَلِلمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ} يقولون: أثبت له الذَّنب والوزر فوَضع ذلك عنه> انتهَى.

14- قال الفقيه الأُصوليُّ أبو الحَسَن عليُّ بن إسمعيل الأبياريُّ المالكيُّ في [التَّحقيق والبيان فِي شرح البُرهان فِي أصول الفقه]: <وقوله: (إنَّ الصَّغائر مُختلف فِي وقوعها مِن الأنبياء) فهو كذلك ومذهب مالك رحمه الله أنَّها واقعة مِن حيث الجُملة واستدلَّ على ذلك بقول الله عزَّ وجلَّ: {لِيَغفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}> انتهَى.

15- قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: <وَأَمَّا المُعتَزِلَةُ فَقَد أَجمَعَ مَن أَدرَكنَا مِن أَهلِ العِلمِ أَنَّهُم يُكَفِّرُونَ بِالذَّنبِ فَمَن كَانَ مِنهُم كَذَلِكَ فَقَد زَعَمَ أَنَّ آدَمَ كَافِرٌ> رواه ابن الجوزيِّ فِي [مناقب أحمد] ومثله فِي [طبقات الحنابلة].

16- قال الإمام محمد بن جرير الطبري المجتهد والمفسر: <وَلَو كَانَ القَولُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مِن خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ أَنَّهُ قَد غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ عَلَى غَيرِ الوَجهِ الَّذِي ذَكَرنَا. لَم يَكُن لِأَمرِهِ إِيَّاهُ بِالِاستِغفَارِ بَعدَ هَذِهِ الآيَةِ وَلَا لِاستِغفَارِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ مِن ذُنُوبِهِ بَعدَهَا مَعنًى يُعقَلُ. إِذِ الِاستِغفَارُ مَعنَاهُ: طَلَبُ العَبدِ مِن رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ غُفرَانَ ذُنُوبِهِ. فَإِذَا لَم يَكُن ذُنُوبٌ تُغفَرُ لَم يَكُن لِمَسأَلَتِهِ إِيَّاهُ غُفرَانَهَا مَعنًى. لِأَنَّهُ مِنَ المُحَالِ أَن يُقَالَ: اللَّهُمَّ اغفِر لِي ذَنبًا لَم أَعمَلهُ> انتهَى.

17- قال الإمام الماتُريديُّ فِي [كتاب التَّوحيد]: <ثُمَّ الَّذِي يَنقُضُ قَولَ الخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالصَّغَائِرِ مَا بُلِيَ بِهَا الأَنبِيَاءُ وَالأَولِيَاءُ> انتهَى.

18- قال الإمام الماتُريديُّ في [تأويلات أهل السُّنَّة]: <وَفِي قَولِهِ: {قُل أَرَأَيتُم إِن أَهلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَعِيَ أَو رَحِمَنَا} دِلَالَةٌ أَنَّ للهِ تَعَالَى أَن يُعَذِّبَ عَلَى الصَّغَائِرِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَن سَبَقَهُ مِنَ الأَنبِيَاءِ عَلَيهِمُ السَّلَامُ قَد عُصِمُوا عَنِ ارتِكَابِ الكَبَائِرِ فَلَا يَجُوزُ أَن يَرتَكِبُوا الكَبَائِرَ فَيَهلِكُوا لِأَجلِهَا. فَثَبَتَ أَنَّهُم لَو أُهلِكُوا لَأُهلِكُوا بِالصَّغَائِرِ. فَلَو لَم يَكُن للهِ تَعَالَى أَن يُعَذِّبَ أَهلَ الصَّغَائِرِ لَصَارَ هُوَ بِإِهلَاكِهِ إِيَّاهُ بِمَن مَعَهُ جَائِرًا ظَالِمًا وَجَلَّ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الوَصفِ بِالجَورِ. وَقَالَ تَعَالَى: {لِيَغفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} وَلَو لَم يَكُن للهِ تَعَالَى أَن يُعَذِّبَ عَلَى الصَّغَائِرِ أَحَدًا لَم يَكُن لَهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَوضِعُ الِامتِنَانِ بِمَا غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ> انتهَى.

19- قال ابن بَطَّال الأندلُسيُّ -مِن كبار الفُقهاء المالكيَّة فِي زمانه- في [شرحه على البُخارِيِّ]: <وأمَّا ذِكرُ الأنبياءِ عليهمُ السَّلامُ فِي حديثِ الشَّفاعةِ لخطاياهُم فإنَّ النَّاسَ اختلفوا هل يجوزُ وقوعُ الذُّنوبِ منهُم. فأجمعتِ الأُمَّةُ على أنَّهم معصومونَ فِي الرِّسالةِ وأنَّهُ لا تقعُ منهم الكبائرُ واختلفوا في جوازِ الصَّغائر عليهم> انتهَى.

20- وقال في [شرح صحيح البُخاريِّ]: <وقالَ أهلُ السُّنَّةِ: جائزٌ وقوعُ الصَّغائرِ مِنَ الأنبياءِ. واحتجُّوا بقولِهِ تعالَى مُخاطبًا لرسولِهِ: {لِيَغفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} فأضافَ إليهِ الذَّنبَ> انتهَى.

21- وقال: <وفي كتابِ اللهِ تعالَى مِن ذِكرِ خطايَا الأنبياءِ ما لا خفاءَ بِهِ وقد تقدَّم الاحتجاجُ فِي هذه المسألة فِي كتابِ الدُّعاءِ فِي بابِ قولِ النَّبيِّ: (اللَّهُمَّ اغفر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرت) ما لم أذكُرهُ ها هُنا> انتهَى.

22- وقال: <قَالَ غَيرُ الطَّبَرِيِّ: وَقَدِ اختَلَفَ العُلَمَاءُ فِي الذُّنُوبِ هَل تَجُوزُ عَلَى الأَنبِيَاءِ. فَذَهَبَ أَكثَرُ العُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ عَلَيهِمِ الكَبَائِرُ لِعِصمَتِهِم. وَتَجُوزُ عَلَيهِمُ الصَّغَائِرُ. وَذَهَبَتِ المُعتَزِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ عَلَيهِمُ الصَّغَائِرُ كَمَا لَا تَجُوزُ عَلَيهِمُ الكَبَائِرُ وَتَأَوَّلُوا قَولَهُ تَعَالَى: {لِيَغفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} فَقَالُوا: إِنَّمَا غَفَرَ لَهُ تَعَالَى مَا يَقَعُ مِنهُ عَلَيهِ السَّلَامُ مِن سَهوٍ وَغَفلَةٍ.. وَاجتِهَادٍ فِي فِعلِ خَيرٍ لَا يُوَافِقُ بِهِ حَقِيقَةَ مَا عِندَ رَبِّهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي غَفَرَ لَهُ.. وَسَمَّاهُ ذَنبًا لِأَنَّ صِفَتَهُ صِفَةُ الذَّنبِ المَنهِيِّ عَنهُ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ تَعمُّدٌ وَهَذَا بِغَيرِ قَصدٍ: وَهَذَا تَأوِيلٌ بَعِيدٌ مِنَ الصَّوَابِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَو كَانَ السَّهوُ وَالغَفلَةُ ذُنُوبًا لِلأَنبِيَاءِ يَجِبُ عَلَيهِمُ الِاستِغفَارُ مِنهَا: لَكَانُوا أَسوَأَ حَالًا مِن سَائِرِ النَّاسِ غَيرِهِم لِأَنَّهُ قَد وَرَدَتِ السُّنَّةُ المُجمَعُ عَلَيهَا أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ العِبَادُ بِالخَطَإِ وَالنِّسيَانِ فَلَا يَحتَاجُونَ إِلَى الِاستِغفَارِ مِن ذَلِكَ. وَمَا لَم يُوجِبِ الِاستِغفَارَ فَلَا يُسَمَّى عِندَ العَرَبِ ذَنبًا> انتهَى.

23- وقال: <فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ هُوَ المُخبِرُ لَنَا بِذَلِكَ عَن رَبِّهِ تَعَالَى أَولَى بِأَن يَدخُلَ مَعَ أُمَّتِهِ فِي مَعنَى ذَلِكَ. وَلَا يَلزَمُهُ حُكمُ السَّهوِ وَالخَطَإِ. وَإِنَّمَا يَقَعُ استِغفَارُهُ عَلَيهِ السَّلَامُ كَفَّارَةً لِلصَّغَائِرِ الجَائِزَةِ عَلَيهِ وَهِيَ الَّتِي سَأَلَ اللَّهَ غُفرَانَهَا لَهُ بِقَولِهِ: (اغفِر لِي مَا قَدَّمتُ وَمَا أَخَّرتُ)> انتهَى.

24- قال المُتولِّي -شيخ الشَّافعيَّة- فِي [الغُنية]: <وأمَّا الصَّغائرُ فاختلفُوا فِي جوازِها عليهم> انتهَى. وقال: <ومنهم مَن جوَّزها وعليه يدلُّ قَصَصُ الأنبياءِ وهوَ ظاهرٌ فِي القرآنِ> انتهَى.

25- قال إمام الحرمَين عبد الملك الجُوينيُّ فِي كتاب [الإرشاد إلى قواطع الأدلَّة فِي أُصول الاعتقاد]: <ولم يقُم عندي دليلٌ على نفيِها ولا على إثباتِها إذِ القواطعُ نُصوصٌ أو إجماعٌ ولا إجماعَ إذِ العُلماءُ مُختلِفونَ فِي تجويزِ الصَّغائرِ على الأنبياءِ والنُّصوصُ الَّتي تَثبتُ أُصولُها قطعًا ولا يَقبلُ فحواها التَّأويلَ غيرُ مَوجودةٍ فإن قِيلَ إذَا كانتِ المسألةُ مظنونةٌ فمَا الأغلبُ على الظَّنِّ عندَكم؟ قُلنا: الأغلبُ على الظَّنِّ عندَنا جوازُها وقد شَهِدَت أقاصيصُ الأنبياءِ فِي آيٍ مِن كتابِ اللهِ تعالَى على ذلكَ. فاللهُ أعلمُ بالصَّوابِ> انتهَى.

26- قال إمام الحرمَين عبد الملك الجُوينيُّ فِي كتاب [التَّلخيص]: <فأمَّا ما بَدَرَ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مُحَرَّمًا -على المذهب الَّذي يجوز عليه الصَّغائر- فلا يجوز اتِّباعه فيه> انتهَى.

27- قال أبو حامد الغزاليُّ فِي [المنخول مِن تعليقات الأُصول]: <لا يُتوصَّلُ إلى ذلكَ إلَّا بذكرِ مُقدِّمةٍ فِي عصمةِ الأنبياءِ عنِ المعاصِي وهيَ مُنقسمةٌ إلى الصَّغائرِ والكبائرِ وقد تقرَّرَ بمسلَكَ النَّقلِ كونُهم معصومِينَ عنِ الكبائرِ وأمَّا الصَّغائرُ ففيهِ تردُّدُ العُلماءِ والغالبُ على الظَّنِّ وقوعُهُ وإليهِ يُشيرُ بعضُ الآياتِ والحكاياتِ؛ هذا كلامٌ فِي وقوعِهِ> انتهَى.

28- قال ابن رشد الجَدُّ الفقيه فِي [البيان والتَّحصيل]: <وفي قولِهِ: (كُلُّ بَنِي آدَمَ يَأتِي يَومَ القِيَامَةِ وَلَهُ ذَنبٌ إِلَّا مَا كَانَ مِن يَحيَى بنِ زَكَرِيَّاءَ) دليلٌ ظاهرٌ على أنَّ الأنبياءَ غيرُ معصومِينَ مِنَ الذُّنوبِ الصَّغائرِ. إذ لا اختلافَ أنَّهم معصومونَ مِنَ الكبائرِ. ويدلُّ على ذلكَ مِنَ القُرآنِ قولُهُ عزَّ وجلَّ: {لِيَغفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} وقد قيلَ: إِنَّهُم معصومونَ مِنَ الصَّغائرِ والكبائرِ> إلخ..

29- وقال: <والَّذي أقولُ بِهِ: إِنَّ الأنبياءَ معصومونَ مِنَ القصدِ إلى إتيانِ الصَّغائرِ كما أنَّهُم معصومونَ مِنَ القصدِ إلى إتيانِ الكبائرِ إلَّا أنَّهُم يُؤاخَذُونَ لِمكانِهِم ومنزلِهِم بما ليسَ بكبائرَ ولا صغائرَ فِي حَقِّ مَن سِواهُم> إلخ..

30- قال الإمام المازريُّ فِي [إيضاح المحصول مِن بُرهان الأُصول]: <فبَينَ أئمَّتِنا اختلافٌ فِي وُقوعِ الصَّغائرِ فمنهُم مَن منعَها ومنهُم مَن أجازَها. وجنحَ المُجيزونَ لها إلى أن وَرَدَت فِي الشَّرعِ أخبارٌ تُشيرُ إلى أنَّها قد وَقَعَت مِنَ الأنبياءِ كقولِهِ تعالَى: {لِيَغفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} وتأوَّلَ الآخَرونَ على أنَّ المُرادَ بِهِ ما تقدَّمَ وما تأخَّرَ ممَّا أحدثَهُ قبلَ النُّبوَّة أو على أنَّ المُراد بهذا الخطاب أُمَّته صلَّى الله عليه وسلَّم وهكذا يتأوَّلون ما استُدِلَّ به مِن الآيات المُشيرة إلى هذا كقوله: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاستَغفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ فَغَفَرنَا لَهُ ذَٰلِكَ} والمغفرة تقتضي ذنبًا> إلخ..

31- وقال القاضي عياض اليحصبيُّ المالكيُّ فِي [الشِّفا بتعريف حُقوق المُصطفى عليه الصَّلاة والسَّلام]: <وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَجَوَّزَهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَغَيرُهُم عَلَى الأَنبِيَاءِ وَهُوَ مَذهَبُ أَبِي جَعفَرٍ الطَّبَرِيِّ وَغَيرِهِ مِنَ الفُقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِينَ وَالمُتَكَلِّمِينَ> انتهَى.

32- وقال: <مَن جَوَّزَ الصَّغَائِرَ؛ وَمَن نَفَاهَا عَن نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُجمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى مُنكَرٍ..> انتهَى.

33- وقال: <وَلَا يَجِبُ عَلَى القَولَينِ أَن يُختَلَفَ أَنَّهُم مَعصُومُونَ عَن تَكرَارِ الصَّغَائِرِ وَكَثرَتِهَا إِذ يُلحِقُهَا ذَلِكَ بِالكَبَائِرِ. وَلَا فِي صَغِيرَةٍ أَدَّت إِلَى إِزَالَةِ الحِشمَةِ وَأَسقَطَتِ المُرُوءَةَ وَأَوجَبَتِ الإِزرَاءَ وَالخَسَاسَةَ فَهَذَا أَيضًا مِمَّا يُعصَمُ عَنهُ الأَنبِيَاءُ إِجمَاعًا> انتهَى.

34- قال جمال الدِّين أحمدُ بنُ مُحمَّدِ بنِ محمودِ بن سعيدٍ الغزنويُّ الحنفيُّ فِي [أُصول الدِّين]: <وقال بعض أهل السُّنَّة والجماعة بأنَّ الزَّلل لا يكون مِن الأنبياء إلَّا بترك الأفضل وهذا القَول وإن كان حسنًا مِن حيث الصُّورة لكنَّه غير سديد مِن وجه آخَر لأنَّ الأفضل يقتضي فاضلًا فِي مُقابلته فيقتضي أن يكون أكل الشَّجرة مِن آدم عليه السَّلام فاضلًا مع كونه منهيًّا عنه مع قوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}. وقال بعض أهل السُّنَّة هُم معصومون عن الكبائر دون الصَّغائر لأنَّه أثبت لهم مقام الشَّفاعة ولأنَّ مَن لم يُبتلَ بالبليَّة لا يرقُّ على المُبتلى بها> انتهَى.

35- قال أبو زكريا النَّوويُّ فِي [شرح مُسلم]: <وَكَذَلِكَ لَا خِلَافَ أَنَّهُم مَعصُومُونَ مِنَ الصَّغَائِرِ الَّتِي تُزرِي بِفَاعِلِهَا وَتَحُطُّ مَنزِلَتَهُ وَتُسقِطُ مُرُوءَتَهُ. وَاختَلَفُوا فِي وُقُوعِ غَيرِهَا مِنَ الصَّغَائِرِ مِنهُم فَذَهَبَ مُعظَمُ الفُقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِينَ وَالمُتَكَلِّمِينَ مِنَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ إِلَى جَوَازِ وُقُوعِهَا مِنهُم وَحُجَّتُهُم ظَوَاهِرُ القُرآنِ وَالأَخبَارِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِن أَهلِ التَّحقِيقِ وَالنَّظَرِ مِنَ الفُقَهَاءِ وَالمُتَكَلِّمِينَ مِن أَئِمَّتنَا إِلَى عِصمَتِهِم مِنَ الصَّغَائِرِ كَعِصمَتِهِم مِنَ الكَبَائِرِ وَأَنَّ مَنصِبَ النُّبُوَّةِ يَجِلُّ عَن مُوَاقَعَتِهَا وَعَن مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَمدًا> انتهَى وقال النَّوويُّ فِي [روضة الطَّالِبِين وعُمدة المُفتين]: <واختلفوا فِي الصَّغائر فجوَّزها الأكثرون. ومنعها المُحقِّقون وقطعوا بالعصمة منها وتأوَّلوا الظَّواهر الواردة فيها> انتهَى.

36- قال تاج الدِّين السُّبكيُّ في [قصيدته النُّونيَّة]: <والأشعريُّ إمامُنا لكنَّنا ~ فِي ذا نُخالفه بكُلِّ لسانِ> انتهَى.

37- قال تقيُّ الدِّين السُّبكيُّ في [شفاء السِّقام]: (وهذه كُلُّها في حقِّ غيرهم ليست بذُنوب لكنَّهُم أشفقوا منها إذ لم تكُن عن أمر الله تعالَى وعتب على بعضهم فيها لعُلُوِّ منزلتهم مِن معرفة الله تعالَى) انتهَى وهُو دليل أنَّه يقول بجواز المعصية المجازيَّة فلا يبقَى إلَّا أنَّه خالف الإمام الأشعريَّ في جواز الصغيرة الحقيقيَّة.

38- قال تاج الدِّين السُّبكيُّ في [السَّيف المشهور فِي شرح عقيدة أبي منصور]: <قال صاحب هذه العقيدة تَبَعًا لجماهير أئمَّتنا: (ولكن لم يُعصَموا مِن الصَّغائر لئلَّا تضعُف شفاعتُهم لأنَّ مَن لا يُبتلَى لا يَرِقُّ على المُبتلَى) وقالت المُعتزلة: (هُم معصومون عن الكُلِّ) لأنَّهم لا يرَون الشَّفاعة فحيث أنكروا الشَّفاعة لم يُجوِّزوا الصَّغائر إذ فائدتها -كما ذكرنا- الرِّقَّة. وأنا أقول: هُم معصومون عن الكبائر والصَّغائر مع قولي بثُبوت الشَّفاعة وهذا ما اختاره الأستاذ أبو إسحق والإمام أبو الفتح الشَّهرستانيُّ والقاضي عياض وأبي رحمهم الله> انتهَى.

نهاية المقال. Jan 07, 2023 7:58:27pm

فكرة واحدة على ”الرِّسالة الأشعريَّة في أنَّ الصَّغيرة الَّتي لا خسَّة فيها حقيقيَّة

التعليقات مغلقة.