بيان أنَّه لا يصحُّ الدُّخول في الإسلام إلَّا بالشَّهادتين
لا بمُجرَّد الصَّلاة أو الأذان أو الإقامة
الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.
1
وبعدُ فاعلم أنَّه لا يصحُّ دُخول الكافر في الإسلام إلَّا بالنُّطق بالشَّهادتَين بنيَّة الدُّخول في الإسلام؛ أمَّا لو صلَّى أو أذَّن للصَّلاة أو أقام الصَّلاة فنطق بالشَّهادتَين في ذلك بدُون نيَّة الدُّخول في الإسلام فلا يكون بمُجرَّد ذلك مُسلمًا؛ وهذا في سائر المذاهب المُعتبرة عند أهل السُّنَّة والجماعة.
2
ثُمَّ إنَّ بعض الجَهَلَة قرأُوا شيئًا في الكُتُب فتوهَّموا أنَّ الحنفيَّة يُصحِّحون دُخول الكافر في الإسلام بمُجرَّد الصَّلاة أو الأذان أو الإقامة ولو لم ينطِق بالشَّهادتَين بنيَّة الدُّخول في الإسلام -والعياذ بالله- وهذا فَهمٌ سقيم جرَّهُم إليه الجُرأة على الفتوَى بغير علم مُؤدَّاه جهنَّم وبئس المصير.
3
والصَّواب أنَّ الحنفيَّة لا يُصحِّحون دُخول الكافر في الإسلام بمُجرَّد الصَّلاة أو الأذان أو الإقامة، وإنَّما -لأنَّ الصَّلاة بجماعة عندهُم فِعلٌ لا يصدُر إلَّا مِن مُسلم- فهُم يُقدِّرون أنَّه أسلم بالنُّطق بالشَّهادتَين بنيَّة الدُّخول في الإسلام، ثُمَّ يجعلون مِن صلاته هذه دليلًا على ما قدَّروه مِن إسلامه.
4
قال الفقيه الحنفيُّ ابن عابدين في [حاشيته]: <قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ أَذَّنَ فِي الْوَقْتِ)> إلخ.. فانظُر كيف قيَّدوا الحُكم عليه بالإسلام أنْ يُؤذِّن في الوقت لأنَّ الأذان في الوقت عندهُم شُروع في عبادة لا تصدُر إلَّا مِن مُسلم، فدلَّهُم هذا الأمر على أنَّه سبق له الإسلام ثُمَّ شرع في تلك العبادة.
5
أمَّا لو أذَّن في غير الوقت فإنَّ ذلك عندهُم لا يُعتبر شُروعًا في عبادة لا تصدُر إلَّا مِن مُسلم؛ فمع كونه مُشتمِلًا كذلك على النُّطق بالشَّهادتَين إلَّا أنَّ أولئك الحنفيَّة لم يجعلوه دليلًا على الإسلام أي لم يدُلَّهُم ذلك على أنَّ الرَّجُل قد سبق وأنْ نطق بالشَّهادتين بنيَّة الدُّخول في الإسلام.
6
فمُجرَّد النُّطق بالشَّهادتَين في أذان أو إقامة أو صلاة بدون نيَّة الدُّخول في الإسلام؛ لو كان هذا طريقة صحيحة للدُّخول في الإسلام عند أُولئك الحنفيَّة فلماذا ميَّزوا وفرَّقوا بين الأذان في وقته وبين الأذان في غير وقته مع أنَّ الكُلَّ مُشتمِل على النُّطق بالشَّهادتين! فتأمَّل يرحمك الله.
7
ولذلك قال ابن عابدين في [حاشيته]: <وَالمُرَادُ أَنَّهُ دَلِيلُ الإِسلَامِ فَيُحكَمُ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ بِهِ> إلخ.. فقولُه: (دليل الإسلام) معناه دلَّهُم على أنَّ الرَّجُل أسلم قبلُ وإلَّا لم يكُن ليشرَع في تلك العبادة الَّتي لا تصدُر إلَّا مِن مُسلم. فمحلُّ كلامهم الحُكم عليه بالإسلام لا تصحيح دُخوله فيه بداية.
8
وفرق بين الكلام عمَّا يصحُّ به دُخول الكافر في الإسلام وبين الكلام عن الحُكم عليه بالإسلام عندنا؛ فلو تشهَّد كافر بنيَّة الدُّخول في الإسلام -وكان مُنفردًا- صحَّ دُخوله في الإسلام وصار مُؤمنًا عند الله؛ ولكن هذا لا يكفي لأنْ نحكُم نحن عليه بالإسلام ما لم نسمع منه الشَّهادتَين.
9
وهذا ما فهمه العُلماء مِن كلام الحنفيَّة ولذلك قال الماورديُّ الشَّافعيُّ أثناء كلامه عن مذهبهم ما نصُّه: <يُستَدلُّ بها على إسلامه عندهُم> إلخ.. إذًا هُو لا يدخُل بمُجرَّد الصَّلاة بجماعة في الإسلام وإنَّما هي دلَّت على كونه مُسلمًا وبين الأمرَين فرق لا يخفَى على صاحب العقل الرَّشيد.
10
وقال الماورديُّ بعد أنْ ذكر كلام أبي حنيفة: <فجعل عمارة المسجد دلالة على الإيمان، وليست عمارة المسجد بُنيانه، وإنَّما عمارتُه بإقامة الصَّلاة فيه> إلخ.. إذًا؛ إقامتُه الصَّلاة دلَّت عند أبي حنيفة على كون الرَّجُل مُسلمًا مِن قبلُ ولم يُصحِّح دُخوله في الإسلام بداية بها.
11
وقال الماورديُّ: <ويستدلُّون به على تقدُّم إسلامه، وكذا الصَّلاة يستدلُّون بها على تقدُّم إسلامه> إلخ.. وهذا بيان خُلاصة ما قاله أُولئك الفُقهاء الحنفيَّة، فأين منه ما ذهب إليه أهل الفتنة مِن الجَهَلَة المُتصولحة مِن تصحيح إيمان مَن لم ينطِق بالشَّهادتَين بنيَّة الدُّخول في الإسلام!
Jul 02, 2022 9:51:25am
