تأكيد الإجماع على كُفر المُجسِّم مِن أقوال أكابر الشَّافعيَّة

التَّعقيب الثَّاني في الرَّدِّ على جَهَلَة المُتمشعرة

وتأكيد الإجماع على كُفر المُجسِّم مِن أقوال أكابر الشَّافعيَّة

الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.

1

وبعدُ فقد عجز جَهَلَة المُتمشعرة الَّذين عابوا مذهب الأشاعرة عن الرَّدِّ على مقالنا الَّذي خصمناهُم فيه في مسألة (تكفير المُجسِّم) وعمد الجَهَلَة تحت وطأة البراهين القاهرة إلى الهرب مِن خلال الافتراء في مسائل أُخرَى.

2

وقال المُفتري: (فأكاد أجزم بأنَّك إنْ وجدتَ هنديًّا أو تُركيًّا أو شيشانيًّا أو ماليزيًّا أو تشاديًّا إلخ.. يُصلِّي بالنَّاس فلن تُصلِّي وراءه وتبحث عن أي طريقة لتُصلِّي بنفسك أو تختبر دين ذلك الشَّخص) انتهَى مُختصَرًا.

والجواب أنَّ هذا مِن الافتراء القبيح وإنَّما قال به المُفتري بناء على ما لقَّنه إيَّاه بعض السَّاقطين الكَذَبة، والحقيقة أنَّنا لا نمنع صلاة الجماعة خلف إمام ما لم يتبيَّن أنَّه يُخالف أُصول عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة.

3

وقال المُفتري: (راجع نفسك.. فإنَّك في حقيقة الحال تشكُّ في إسلام جميع المُسلمين إلَّا جماعتك. فإنْ كُنتَ تلتزم الشَّكَّ في جميع المُسلمين في تلك البلاد إلَّا مَن كان مِن جماعتك فعلَى الإسلام السَّلام) انتهَى كلامُه.

والجواب أنَّ كلامه هذا تُكذِّبُه كُتُبُنا ودُروس مشايخنا الَّتي لا يصعب عليه الاطِّلاع عليها ولكنَّه أبَى إلَّا أنْ يكون صاحب بُهتان! والحقيقة أنَّنا نقول إنَّ السَّواد الأعظم مِن الأُمَّة على العقيدة الصَّحيحة مُسلمون مُؤمنون.

4

وزعم المُفتري أنَّ مشايخنا (“ضُعفاء” في الكلام والمنطق وأُصول الفقه) وهذه منه شهادة جاهل مُفتر مُتكبِّر عجَز عن الرَّدِّ على مقال العبد الفقير فكيف لو نهض في الرَّدِّ عليه بعض المشايخ الَّذين يطعن بهم!

5

وقال المُفتري: (راجع نفسك في كونك صرتَ مُوسوسًا في التَّلفُّظ بأيِّ لفظ في أنَّه كُفر أو لا) إلخ.. انظُروا كيف يُلقي التُّهم بمُجرَّد التَّظنِّي فما أسخفه! وإنَّما هُو كلام مَن لم يعرف تحسين الظَّنِّ ولا تحرَّى الصِّدق فيما يقول.

6

وإنْ كان المُفتري يريد إنكار أنَّنا نحكُم بكُفر مَن عاب الشَّرع فقال: “إنَّ مِن الظُّلم أنْ ترث المرأة نصف ما يرث الرَّجُل” انتهَى فتكون إهانة الشَّرع عند هذا الجاهل ليست كُفرًا كما أنَّ شتم الله ليس كُفرًا عنده والعياذ بالله!

7

وقال المُفتري: راجع كلام شيخك جميل حليم في أنَّ مَن لا يُطيق التَّلفُّظ بالحاء مِن الاسم الشَّريف “مُحمَّد” أو القاف مِن كنية سيِّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم “أبو القاسم” في الشَّهادتين فهُو غير مُسلم انتهَى.

والجواب أنَّ هذا الكلام -زيادة عن كونه افتراء- فهو مُوهم أنَّ محلَّ الكلام في المُسلم، والصَّواب أنَّه في الكافر الأصليِّ إذا أراد الدُّخول في الإسلام، فلا أدري هل المُفتري خانه التَّعبير أم أنَّه أخذ بكلام مَن دلَّس عليه.

وقد افترَى الفَسَقَة على الشَّيخ جميل حليم حفظه الله فزعموا أنَّه لا يُصحِّح إسلام مَن نطق بالشَّهادتين وكان عاجزًا عن إخراج حرف الهاء في اسم نبيِّنا مُحمَّد عليه الصَّلاة والسَّلام ولم يكُن مُتوصِّلًا إلى مَن يُعلِّمُه.

وهذا كذب وافتراء وبُهتان عظيم وإنَّما تكلَّم الشَّيخ جميل في أصل المسألة وفي الحُكم العامِّ فيها؛ يعني أنَّ كلامه كان في القادر على النُّطق الصَّحيح المُتوصِّل إلى مَن يُعلِّمُه ومع ذلك قال (مُهمَّدًا) ولم يقُل (مُحمَّدًا).

فرق بين أصل المسألة جريًا على قواعد مُقرَّرة في الشَّرع وبين العاجز عن النُّطق باللَّفظ الصَّحيح ولا يجد مَن يُعلِّمُه؛ فالأخير حكمُه خاصٌّ به يختلف عن الحال المذكورة في أصل المسألة فلا يُحمل عليه الحُكم العامُّ.

فالَّذي أنكر على الشَّيخ جميل حليم حفظه الله في هذه المسألة كان حالُه كمَن سمع شخصًا يقول: (أكل المَيتة حرام) فاعترض عليه ثُمَّ احتجَّ لاعتراضه بأنَّه يجوز للمُضطرِّ أنْ يأكُلها! فلا حول ولا قُوَّة إلَّا بالله.

وهذا المُفتري الَّذي نرُدُّ عليه لم يكتفِ بزيغه حيث صحَّح إيمان مَن أضاف إلى الله تعالَى ما لا يليق به! بل زاد عليه حيث استمع إلى كلام بعض شياطين الإنس وعاذ بهم فزادوه إثمًا ورَهَقًا والعياذ بالله تعالَى.

8

وقال المُفتري: (راجع موقف جماعتك مِن حزب الله اللُّبنانيِّ الرَّافضيِّ؛ والرَّافضة مُعتزلة في الأُصول فهُم كُفَّار عندك فهل تُكفِّرونهُم كما تُكفِّرون التَّيميَّة الوهَّابيَّة؟ لا) انتهَى وهُنا ردَّ المُفتري على نفسه بنفسه!

فإنْ كان المُفتري يسأل عن قولنا في الحُكم الشَّرعيِّ في الرَّافضة فقد أجاب بنفسه حيث أكَّد أنَّ الرَّافضة على أُصول الاعتزال وأثبت أنَّنا نحكُم بتكفير المُعتزلة بينما يقول هُو بصحَّة إيمانهم وإسلامهم والعياذ بالله تعالَى.

ونحن نقول إنَّنا لا نحكُم بكُفر العامِّيِّ مِن أهل الأهواء ما لم يصل ببدعته إلى مُخالفة أصل معنَى الشَّهادتين وأمَّا مَن زعم أنَّ الله لم يخلُق أعمال العباد أو أنَّه تعالَى لا يعلم تفاصيل الغيب فهذا كافر عندنا قولًا واحدًا.

وأمَّا إنْ كان المُفتري يسأل عن الموقف السِّياسيِّ فما الَّذي يُريد إنكاره هُنا بالضَّبط؟ هل يُريد أنْ يُنكر موقف أهل السُّنَّة والجماعة في لبنان مِن تأييد المُقاومة الوطنيَّة ضدَّ مُمارسات الاحتلال الإسرائيليِّ في الجنوب!؟

9

وقال المُفتري: (إنْ راجعتَ نفسك في كُلِّ هذه الأُمور ثُمَّ بعد المُراجعة رأيتَ أنَّ الحقَّ مع جماعتك في هذه الأمور كُلِّها ففي الحقيقة أنتَ مُتَّبع لدين آخَرَ غير الإسلام الَّذي جاء به سيِّدُنا رسولُ الله فأنتَ كافر) انتهَى.

فانظُروا كيف أنكر علينا تكفير مَن أضاف إلى الله تعالَى ما لا يليق به! ثُمَّ كيف هجم على الكلام وتجرَّأ على تكفيرنا لأنَّنا نرَى الحقَّ حقًّا وندعو إليه ونرَى الباطل باطلًا وندعو إلى اجتنابه؛ لتتبيَّنوا كيده وجهله.

10

وقال المُفتري: (أمَّا أنا فمُتَّبع لمشايخي بالإسناد المُتَّصل إلى الأئمَّة المُعتبَرين) انتهَى والأئمَّة المُعتبَرون هُمُ المُجتهدون ومَن أخذ بكلامهم فلم يخرُج عنه ولم يُخالفه، وليس للمُفتري في زيغه سند إلى عالِم مُعتبَر.

فأين سنده في ترك تكفير من نسب إلى الله الجسم عالمًا بمعناه وفي ترك تكفير من أضاف لله وجهًا زائدًا على الذَّات وعينَين وفمًا ولهوات وأضراسًا وأضواء ويدين وأصابع وكفًّا وإبهامًا وصدرًا وفخذًا وساقين ورِجلين!

11

وهذا المُفتري يا إخواني مع أنَّه يزعُم أنَّنا دون مستوَى النِّقاش العلميِّ وأنَّنا لا نستحقُّ أنْ يُضيِّع وقته معنا؛ مع ذلك فقد توسَّع في المسائل كما رأيتُم في مواضيع مُختلفة مُتناثرة لكنَّه أحجم عن الكلام في موضوع الرَّدِّ.

فقد أوردنا في ردِّنا أقوالًا تُفيد الإجماع على تكفير المُجسِّم فلمَّا ردَّ المُفتري تكلَّم في كثير وسكتَ عمَّا قُمنا بالرَّدِّ عليه فيه ولم يشتمل ردُّه على آية أو حديث أو قول عالِم مُعتبَر فمَن الَّذي هُو دون مُستوَى النِّقاش العلميِّ!

12

وحتَّى لا يُشبه ردُّنا ردَّ المُفتري في أيِّ شيء نختم هذا المقال بإيراد كلام الإمام الحليميِّ أبي عبدالله المُتوفَّى سنة 403 للهجرة وكان مِن أصحاب الوُجوه في المذهب الشَّافعيِّ وهي الطَّبقة الَّتي تلي إمام المذهب.

قال الحليميُّ في [المنهاج في شعب الإيمان]: <وإذا قال الكافر لا إله إلَّا ساكن السَّماء لم يكُن مُؤمنًا لأنَّ سُكَّان السَّماء هُمُ الملائكة وإنْ قال لا إله إلَّا الله ساكن السَّماء كان هذا زيادة كُفر منه لأنَّ السَّكن غير جائز على الله تعالَى واحتضار الأمكنة ليس مِن صفاته> إلخ.. وفي المطبوع (احتظار) ولعلَّه تصحيف.

وقال الحليميُّ رحمه الله ورضي عنه: <ومنهُم مَن قال إنَّه جسم؛ ومنهُم مَن أجاز أنْ يكون على العرش كما يكون المَلِك على سريره؛ وكان ذلك في وُجوب اسم الكُفر لقائله كالتَّعطيل والتَّشريك> انتهَى بحُروفه.

13

وأُحبُّ أنْ تشتمل خاتمة هذا المقال على دُعاء لجَهَلَة المُتمشعرة؛ فأسأل اللهَ أنْ يهديهم سواء السَّبيل وأنْ يُنير بصائرهُم وأنْ يُوفِّقهُم إلى التَّخلِّي عمَّا علق بهم مِن الزَّيغ والضَّلال إنَّ الله سميع مُجيب وآخِرُ الكلام الحمدلله.

نهاية التَّعقيب. Aug 11, 2022 9:15:10am