مِن البليَّة خصم لا يفهم وجه الدَّليل
أنْ يُعطى النَّبيُّ خزائن الأرض لا يعني أنَّه المُدبِّر لجميع المخلوقين
الحمدلله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
1
وبعد فإنَّ مِن أشدِّ البليَّة خصمًا لا يفهم وجه الدَّليل إذَا خاطبته بحُجَّة وبُرهان في مسألة ما: تنطَّع ورَدَّ عليك بما لا يتعلَّق بالمسألة؛ مُتوهِّمًا أنَّه مُصيب وما هُو في الحقيقة إلَّا مُصيبة نستجير بكرم الله تبارك وتعالى منها.
2
وأهل الفتنة خصوم لا يفهمون وجه الدليل فإنه لمَّا رسمنا بكُفر مَن زعم أنَّ نبيَّنا عليه السَّلام شريك لله في المُلك أو أنَّه المُدبِّر لجميع المخلوقات رَدَّ علينا الجَهَلَة المُتصولحة بما لا يرُدُّ قولنا وحُكْمَنا في هذه المسألة.
3
فاحتجَّ أهل الفتنة بحديث فيه أنَّ النَّبيَّ عليه السَّلام قال: <وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ> رواه الشَّيخان فما دخل هذا الحديث بما أنكرناه مِن قول الجَهَلَة: إنَّ مُحمَّدًا يملك الكَون كُلَّه ويتصرَّف فيه كما يشاء!
4
فهذا الاحتجاج الفاسد يكشف سُوء فهم الخصم لوجه الدَّليل وكُنَّا قدَّمنا له أنَّ العقيدة الَّتي نصَّ العُلماء أنَّه ليس فيها ما يُنكره سُنِّيٌّ؛ فيها عن الله تبارك وتعالى: <لَيْسَ مَعَهُ مُدَبِّرٌ فِي الْخَلْقِ وَلَا شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ> إلخ..
5
وكذلك استدلينا بقول القرافيِّ -الفقيه المالكيُّ- فيمَن سأل اللهَ أنْ يُفوِّض إليه مِن أُمُور العالَم ما هُو مُختصٌّ بالقُدرة القديمة والإرادة الرَّبَّانيَّة: <فيكُون طلبُ ذلك طلبًا لِلشَّرِكَةِ مع الله تعالى في المُلك وهُو كُفر> إلخ..
6
فلم يفهم الخصم لبلادة في ذهنه وخانه أصحابُه مِن أهل الفتنة فسكتوا عن الإنكار عليه والتَّحذير منه؛ فهُم كما قال الله تعالى في بعض مَن سبقهُم: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} الآية..
7
ثُمَّ زاد الجاهل خلطًا وتنطُّعًا فاستدلَّ بحديث: <وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ> إلخ.. على صحَّة بيتِ شعر فاسد المعنى يقول ناظمُه: (فإنَّ مِن جُودك الدُّنيا وضرَّتَها * ومِن عُلومك علم اللَّوح والقلمِ) انتهى.
8
والحديث ذَكَر خزائن الدُّنيَا ولم يذكُر خزائن الآخرة ولا أنَّ علم اللَّوح المحفوظ جُزء مِن عُلوم النَّبيِّ وليس في الحديث أنَّ النَّبيَّ يملك كُلَّ الكون يتصرَّف به كيف شاء وليس في الحديث أنَّ النَّبيَّ هُو المُدبِّر لجميع المخلوقين.
9
أمَّا بيت الشِّعر المذكور آنفًا ففيه زيادة تُخالف آيات القُرآن المحكمة وتُخالف الحديث الصَّحيح الثَّابت عن الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم؛ وهي قولُه: (وضرَّتَها * ومِن عُلومِكَ علمُ اللَّوْحِ والقلمِ) ففي البيت تكذيب للشَّرع.
10
فهذه الزِّيادة غُلُوٌّ مردود لأنَّها تُخالف قول الله: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ} الآية.. ولكن ماذَا نقول في أهل الفتنة الَّذين يُدافعون عمَّا يُخالف كتاب ربِّنا الكريم!؟
11
وفي القُرآن أنَّ نبيَّ الله يُوسُف عليه السَّلام قال: {اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ} ولم يقُل أحد إنَّه امتلك الدُّنيَا والآخرة وصار الكَون كُلُّه مُلْكَه وحدَه يتصرَّف به كيف شاء وإنَّ علم اللَّوح والقلم بعض عُلومه ومعارفه.
12
وقد بيَّنَّا أنَّ اعتقادنا في النَّاظم وهُو البوصيريُّ رحمه الله أنَّه بريء ولا نستبعد أنْ يكون قد حصل تصحيف في نسخ بعض ألفاظ البيت لأنَّ في [البُردة] بعض الأبيات قال العُلماء إنَّهُم غير واثقين مِن كونها في الأصل.
13
وهذا الجاهل المُتصولح البليد الَّذي لا يفهم الخطاب ولا يعرف رَدَّ الجواب ولا رسم الكلمات العربيَّة؛ رأيتُ أهل الفتنة يُنادونه بالشَّيخ سامر! وهذا يدُلُّ على أنَّهُم يُعظِّمونه مع كونه جاهلًا مُتعالِمًا يُفتي بلا علم في كُلِّ باب.
14
فهذا الجاهل يُدافع عمَّا فيه تكذيب للشَّرع؛ وقد تعلمون أنَّ تكذيب الشَّرع مع العلم بكونه كذلك كُفر باتِّفاق العُلماء ولو في مسألة صغيرة لأنَّ في ذلك نسبة النَّقص إلى الله سُبحانه وتعالى عمَّا يقول الظَّالمون عُلُوًّا كبيرًا.
15
فمع كونه داعية إلى الكُفر لا زال أهل الفتنة يحتضنونه ويُقدِّمونه عليهم فهُو ينوب عنهُم وهُم عنه ساكتون وهُو بالرَّغم مِن كونه شديد الجهل لكنَّه استطاع جرَّ بعضهم إلى الكُفر والضَّلال فأهلكهُم.. والعياذ بالله.
16
فإنْ كُنتَ يا أخي القارئ مِن القلَّة القليلة الَّتي لم تعرف أهلَ الفتنة على حقيقتهم بعدُ؛ فسارع إلى التَّبرُّؤ منهُم وتحذير المُسلمين منهُم وممَّا يفترون في دين الله مِن فتاوى باطلة فاسدة ما أنزل الله بها مِن سُلطان.
انتهى.
موقع لطائف التنبيهات 