وما أحد من ألسن الناس سالما

الحمدلله وصلى الله وسلم على رسول الله.

وبعدُ فقد ودِدتُ تحرير رسم هذه الأبيات وحلَّ ألفاظها لكثرة ما رأيت النَّاس يُخطئون في رسم كلماتها لجهلهم بمعانيها. والأبيات لابن دُريد الأزديِّ، وقيل: “للشَّافعيِّ” وأحسبُه خطأ.

وَمَا أَحَدٌ مِنْ أَلْسُنِ النَّاسِ سَالِمًا

* وَلَوْ أَنَّهُ ذَاكَ النَّبِيُّ الْمُطَهَّرُ

فَإِنْ كَانَ مِقْدَامًا يَقُولُونَ أَهْوَجٌ

* وَإِنْ كَانَ مِفْضَالًا لَقَالُوا مُبَذِّرُ

وَإِنْ كَانَ سِكِّيتًا يَقُولُونَ أَبْكَمٌ

* وَإِنْ كَانَ مِنْطِيقًا يَقُولُونَ مِهْذَرُ

وَإِنْ كَانَ صَوَّامًا وَبِاللَّيْلِ قَائِمًا

* يَقُولُونَ زَرَّاقٌ يُرَائِي وَيَمْكُرُ

فَلَا تَحْتَفِلْ بِالنَّاسِ فِي الْمَدْحِ وَالثَّنَا

* وَلَا تَخْشَ غَيْرَ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ

ابن دُريد الأزدي

حلُّ ألفاظ الأبيات وفوائدُ أُخرى:

قال في البيت الأوَّل: (سالمًا) لأنَّه استعمل (ما الحجازيَّة) في أوَّل البيت وهي تعمل عمل (ليس).

ومِقدام أي مُقْدِم كثير الإقدام على العَدُوِّ جريء في الحرب.

وأهوجُ أي أحمق، وفي البيت بالتَّنوين لضرورة الشِّعر.

ومِفضال أي كثير الفضل والخير والمعروف.

ومُبذِّر أي مُسرف في النَّفقة. وبعضُهُم يُخفِّفون الشَّدَّة مِن على الذَّال ولا يصحُّ؛ ولا يستقيم البيت بحسب رسمهم له إلَّا لو غيَّروا (يقولون) إلى (لقالوا) كما فعلنا.

ورجل سِكِّيت أي كثير السُّكُوت.

ومِنطيق أي بليغ.

ومِهْذَر أي كثير الهذَر؛ والهَذَر الكلام الَّذي لا يُعبأ به. قال في [القاموس]: (ورجُلٌ هَذِرٌ وهَذُرٌ وهُذَرَةٌ وهُذُرَّةٌ وهَذَّارٌ وهَيْذَارٌ وهَيْذَارَةٌ وهِذْرِيانٌ ومِهْذَارٌ ومِهْذارَةٌ ومِهْذَرٌ) انتهى. وبعضُهُم يرسُمُها بالحاء وهُو خطأ.

وزرَّاق أي خدَّاع. وبعضُهُم يرسُمُها (زوَّار) ولا معنى له في البيت!

ويُرائي أي يطلُب مَحمدة النَّاس.

ويمكُر أي يحتال في خُفية.

ولا تحتفل بالنَّاس مِن الحَفْل الَّذي هُو المُبالاة فيُقال: ما أحفِل بفُلان أي ما أُبالي به. فالمعنى: لا تفرح بمدح النَّاس وثنائهم عليك فيُؤدِّي بك إلى الاغترار. وبعضُهُم يرسُم: (ولا تكترث بالنَّاس) وهُو صحيح بمعنى ما رسمناه. وبعضُهُم يُثبت الهمزة آخِرَ كلمة (الثَّنا) وهُو خطأ في رسم البيت.

ولا تخشَ أي لا تخف. وبعضُهُم يُثبت الألف الَّتي على رسم الياء في آخِر (تخشَ) وهُو خطأ.

انتهى. Jan 28, 2021, 12:49 AM