أهل الفتنة لا يعتبرون الإمام الباقلانيَّ سُنِّيًّا
وبيان أنَّ الباقلاني لا يجد مدخلاً للاجتهاد في الحرب على الإمام العادل
وأنَّ أهل السُّنَّة والجماعة مُجمعون على تأثيم البُغاة
الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.
1
وبعدُ فلو كان كُلُّ ما في كُتُب العُلماء صحيح النِّسبة إليهم لدلَّ أنَّ بعضَهُم ما كان يعلم حقيقة ما وقع بين الصَّحابة؛ ففي بعضها أنَّ طلحة والزُّبير رضي الله عنهُما كانَا يظُنَّانِ أنَّ مَن قاتلهُم في وَقعة الجَمَل قاتلهُم بغير رأي وأمر الإمام عليٍّ رضي الله عنه؛ بينما ثبت عنه أنَّه قال: (أُمِرْتُ بقتال النَّاكِثِين والقاسِطِين والمارِقِين) رواه النَّسائيُّ في [الخصائص] والبزَّار والطَّبراني ونقله ابن حَجَر في [التَّلخيص] بعد ذكره كلام الرَّافعيِّ.
2
ففي بعض كُتُب الإمام الباقلانيِّ ما نصُّه: <طلحة والزُّبَير إنَّما سَلِمَا مِن المعصية لأنَّهما قاتلَا على غير عزيمة وقصدٍ لمُنابذة الإمام بل للدَّفع عن أنفسهما ومَن اتَّبعهُما لاعتقادهما فتكَ قَتَلَة عُثمان رضي الله عنه بهمَا وأنَّهُم لا يُطيعون عليًّا رضي الله عنه فيما يُحاولونه وأنَّهم بدروا الحرب مِن غير أمره ورأيه> انتهى فلو صحَّ أنَّ الإمام الباقلانيَّ قال هذا الكلام لثبت أنَّه لم يكُن يعلم حقيقة ما وقع بين الصَّحابة؛ ولكنَّ النَّواصب دسُّوا في كُتُبه.
3
وهذا الكلام بحُروفه يُثبت وُقوع الدَّسِّ في كُتُب الإمام الباقلانيِّ لأنَّه مُخالف لأشياء أُخرَى اشتملت عليها كُتُبُه كالقول بأنَّ البُغاة مأجورون؛ وهُو هُنا برَّأهُم مِن المعصية لأنَّه اعتقد أنَّهُم ما أرادوا قتاله وهذا يعني أنَّهُم لو أرادوا قتاله فهُم عصاة عنده وهذا مُخالف للقول بأنَّهُم مأجورون؛ والإمام الباقلانيُّ لا يرى مدخلًا للاجتهاد في قتال إمام عادل غير مُستحقٍّ للخلع بدليل قوله: <وأنَّ حربَ إمامٍ هذه سبيلُه لا مدخلَ له في مسائل الاجتهاد> انتهى.
4
وهذه العبارة الأخيرة مِن كلام الإمام الباقلانيِّ تُثبت لك -بما لا يدعُ مجالًّا للشَّكِّ- أنَّ ما وُجد في كُتُبه مِن القول بأنَّ البُغاة مأجورون ما هُو إلَّا دسٌّ ناصبيٌّ يُخالف مُقتضَى قول الله تعالى في القُرآن الكريم: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ} الآية.. فمَن أثبت الأجر للبُغاة خالف القُرآن وابتدع في الدِّين ما يُخالف قواعد الفقه؛ ومَن أنكر وُقوع الدَّسِّ في كُتُب الإمام الباقلانيِّ -رغم كُلِّ هذا التَّناقض فيها- فقد أخطأ الطَّريق ولم يرجع بالتَّحقيق.
5
وأمَّا الطَّعن في الصَّحابة فمعناه إنكار كونهم عُدولًا في الرِّواية عن رسول الله وإنكار كونهم مَوثوقين فيما ينقُلونه عنه صلَّى الله عليه وسلَّم؛ أمَّا مَن قال: (إنَّ مُعاوية باغٍ آثمٌ) أو قال: (البُغاة عُصاة) فهذا موافق للشَّرع مُصدِّق للرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم فلا يُعَدُّ طاعنًا في الصَّحابة رضوان الله عليهم ولا يجوز أنْ يُعتبَر مُخالفًا لمذهب أهل السُّنَّة والجماعة كما زعم بعض الجَهَلَة المُتصولحة الَّذين غشيهُم مِن فتنة النَّواصب ما غشيهُم.
6
قال الإمام أبو منصور البغداديُّ في [الفَرْق بَين الفِرَق]: <وكان أهل السُّنَّة والجماعة يقولون بصحَّة إسلام الفريقَين في حرب الجَمَل وقالوا إنَّ عليًّا كان على الحقِّ في قتالهم وأصحاب الجَمَل كانوا عُصاة مُخطِئِين في قتال عليٍّ ولم يكن خطؤهم كُفرًا ولا فسقًا يُسقط شهادتهم> انتهى فمَن زعم أنَّ مَن أثَّم البُغاة لا يكون سُنِّيًّا؛ فقد كذَّب إجماع أهل السُّنَّة والجماعة هذا ويكون إنَّما تمسَّك بما لم يفهمه مِن كلام العُلماء فأنزله في غير محلِّه.
7
وفي بعض كُتُب الإمام الباقلانيِّ ما نصُّه: <غير أنَّه لمَّا طلب الأمر لنفسه وأحبَّ الخير عليه والاستبداد به وانتهز الفُرصة وقتَ نكث عَمرو بنُ العاص بأبي مُوسى عند اتِّفاقهما على خلع الرَّجُلَين وشهر سيفَه ودعا إلى نفسه وقال لعبدالله بن عُمر لا يَغُرَّنَّكَ الحكمانِ فواللهِ لئن لم تُبايع لآخُذنَّ الَّذي فيه عيناك وخرج إلى أمثال هذه الأُمور وآل بذلك إلى غير سبيل طلحة والزُّبَير وعائشة..> انتهى ومعناه أنَّ مُعاوية نازع الإمام عليًّا الخلافة.
8
وكلام الإمام الباقلانيِّ هذا -كما ترى- طعن شديد بمُعاوية؛ فهُو -أي الإمام الباقلانيُّ- لا يُعتبَر سُنِّيًّا عند أهل الفتنة فإنَّهُم زعموا أنَّ مَن حَكَم بعصيان مُعاوية في حربه على الإمام عليٍّ رضي الله عنه لا يكون مِن أهل السُّنَّة والجماعة بعد ذلك! فأهل الفتنة نواصب لأنَّهُم سلَّموا قلوبهُم لدسائس النَّواصب في الكُتُب، وأمَّا عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة فأبرياء بإذن الله تعالى مِن كُلِّ تلك الدَّسائس الَّتي تقتضي تكذيب الدِّين والعياذ بالله.
نهاية المقال.
Apr 10, 2021, 3:44 AM
قصيدة
رمضان الرَّحمة
رَمَضَانُ الرَّحْمَةِ وَافَانَا ~ فَأَضَاءَ الدُّنْيَا أَلْوَانَا
مَوْلَانَا فِيهِ وَفِّقْنَا ~ زِدْنَا يَا رَبِّي إِيمَانَا
يَا صَائِمُ خُذْ بِالأَخْلاقِ ~ إِشْرَاقًا فَوْقَ الإِشْرَاقِ
وَاشْرَبْ إِنْ أَعْطَاكَ السَّاقِي ~ كَاسًا بِالْفَرْحَةِ مَلْآنَا
يَا صَائِمُ أَصْبِحْ بِالْبِشْرِ ~ عَطِّرْ أَيَّامَكَ بِالشُّكْرِ
وَافْرَحْ فِي يَوْمِكَ بِالأَجْرِ ~ وَاقْرَاْ فِي اللَّيْلِ الْقُرْآنَا
رَمَضَانُ لَنَا فِيهِ عِبَرُ ~ وَفَضَائِلُ لَيْسَتْ تَنْحَصِرُ
طُوْبَى لِلنَّاسِ إِذَا صَبَرُوا ~ زَادُوْا بِالطَّاعَةِ إِحْسَانَا
قَدْ هَلَّ هِلالُكَ بِالرَّحْمَةْ ~ يَا شَهْرًا وَافَى بِالنِّعْمَةْ
فَالأُنْسُ رَفِيقٌ فِي الْعَتْمَةْ ~ وَالْفَجْرُ بِنُورِكَ يَلْقَانَا
فَقِيَامُكَ أُنْسُ الْمَطْرُوحِ ~ وَصِيَامُكَ بَلْسَمُ لِلرُّوحِ
رَمَضَانُ شِفَاءَ الْمَجْرُوحِ ~ بِكَ جَادَ عَلَيْنَا مَوْلانَا
نظم: عُمر بن عبدالقادر
Apr 2, 2021, 8:19 PM
حصل خلل تقني عند تغيير واجهة العرض في صفحة السُّنَّة
أدى إلى محو 4 بوستات أعدنا نشرها ولله الحمد وبورك بكم
Mar 29, 2021, 1:42 AM
