الإمام الماتُريديُّ يُثبت أنَّ أكثر مُفسِّري الصَّحابة والتَّابعين
قالوا بتحقيق وُقوع الأنبياء في ذنب صغير لا خسَّة فيه
والرَّدُّ على أهل الفتنة الَّذين كفَّروا جُمهور العُلماء
الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.
1
وبعدُ فقد أجمع عُلماء أهل السُّنَّة على عصمة الأنبياء فلم يختلفوا إلَّا في صغيرة لا تُوجب الإزراء فقال أكثرُهُم مُوافقةً للنَّصِّ: “إنَّها وقعت” وتأوَّل الأقلُّ فقالوا: “إنَّما وقع منهُم ترك الأَولى” ثُمَّ لم يُكفِّروا بعضهُم ولم يُفسِّقوا مَن قال بأيٍّ مِن القَولَين. ثُمَّ ظهر أهل الفتنة المُبتدعة فكفَّروا مَن قال بالوقوع وجرُّوا العوامَّ إلى تضليل الجُمهور والعياذ بالله تعالى.
2
وقد نقل الإمام الماتُريدي عن عامَّة أهل التَّأويل أي عن عامَّة المُفسِّرين مِن الصَّحابة والتَّابعين القول بوقوع الأنبياء في ذنب صغير لا خسَّة فيه وأورد موارد استدلالهم وتفسيرهم، وهذا يكشف أنَّ أهل الفتنة -بتضليلهم وتكفيرهم لمَن قال بوُقوع الذَّنب الصَّغير مِن الأنبياء- قد ضلَّلوا وكفَّروا جُمهور العُلماء وعامَّة المُفسِّرين مِن الصَّحابة والتَّابعين.
3
ففي كتاب [تأويلات أهل السُّنَّة] للإمام الماتريديِّ قال ما نصُّه: <وقوله تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} يحتمل وجهَين أحدُهُمَا ما قال عامَّة أهل التَّأويل على تحقيق الوزر له والإثم كقوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} وقوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} يقولون: أثبت له الذَّنب والوزر فوَضع ذلك عنه> انتهى.
4
والإمام الماتُريديُّ وإنِ استوحش -في هذا الموضع- قول عامَّة أهل التَّأويل في تفسير الآيات المذكورة آنفًا لقوله بالعصمة المُطلقة؛ إلَّا أنَّه وافقهُم وقال بقولهم في مواضع أُخرى كقوله في تفسيره: <وَلَوْ لَمْ يَكُن للهِ تَعَالَىْ أَنْ يُعَذِّبَ عَلَى الصَّغَائِرِ أَحَدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَىْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضِعُ الِامْتِنَانِ بِمَا غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ> انتهى.
5
وعامَّة أهل التَّأويل الَّذين أرادهُمُ الإمام الماتُريديُّ هُم ابن عبَّاس وغيرُه مِن مُفسِّري الصَّحابة والتَّابعين الَّذين يرجع إليهم في علم التَّفسير كُلُّ مَن جاء بعدهُم، والإمام الماتُريديُّ نفسُه يرجع إليهم ويُكثر النَّقل عنهُم في تفسيره ويُوافقُهُم غالبًا؛ فإنْ خالف بعضهُم في مواضعَ فهذا لا يعني أنَّه يُضلِّلُهُم أو يُكفِّرُهُم كما يفتري أهل الفتنة عليهم مِن الله ما يستحقُّون.
6
وما نقله الماتُريديُّ عن عامَّة المُفسِّرين عين قول شيخنا الهرريِّ: <كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} فَهَذَا فِيهِ إِثْبَاتُ فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ فِي حَقِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَقِّ أُمَّتِهِ فَنَحْنُ نَقُولُ اقْتِدَاءً بِالْجُمْهُورِ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ هِيَ مَعْصِيَةٌ حَقِيقِيَّةٌ صَغِيرَةٌ لَيْسَ فِيهَا خِسَّةٌ وَلا دَنَاءَةٌ فَأُمِرَ الرَّسُولُ بِالِاسْتِغْفَارِ مِنْهَا فَاسْتَغْفَرَ> انتهى.
7
وعامَّة المُفسِّرين قالوا بوُقوع ذنب صغير لا خسَّة فيه لوُورده في القُرآن وهُو مُمكن كما قال الجُمهور؛ وتأويل النَّصِّ بغير ضرورة شرعيَّة عبث تُصان عنه النُّصوص ولهذا قال الآمديُّ في [أبكار الأفكار]: <ولا يخفى أنَّ ترك الظَّاهر مِن غير دليلٍ ممتنِعٌ> انتهى فأمَّا الَّذين تأوَّلوا النَّصَّ فلأنَّه عندهُم غير مُمكن شرعًا وُقوع الأنبياء ولو في صغير غير ذات خسَّة.
8
فأمَّا أهل الفتنة الَّذين كفَّروا عامَّة أهل التَّفسير فينطبق عليهم قول القاضي عياض في [الشِّفا]: <فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَا يَجُوزُ وَمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ، وَمَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ فِيهِ وَالْخِلَافُ، كَيْفَ يُصَمِّمُ فِي الْفُتْيَا فِي ذَلِكَ، وَمِنْ أَيْنَ يَدْرِي هَلْ مَا قَالَهُ فِيهِ نَقْصٌ أَوْ مَدْحٌ؟ فَإِمَّا أَنْ يَجْتَرِئَ عَلَى سَفْكِ دَمِ مُسْلِمٍ حَرَامٍ أَوْ يُسْقِطَ حَقًّا أَوْ يُضَيِّعَ حُرْمَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ> انتهى.
انتهى.
Dec 26, 2020, 6:46 PM
قصيدة
إليك وسيلتي قوم كرام
إلقاء يحيى بصل
Dec 25, 2020, 8:28 PM
