عامَّة أهل التَّأويل يقولون بوُقوع الأنبياء في ذنب صغير لا خسَّة فيه
هل يدخُل ابن عبَّاس في عامَّة أهل التَّأويل عند الماتُريديِّ؟
كيف ردَّ الماتُريديُّ على الخوارج والمُعتزلة؟
الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.
1
وبعد ففي معرض الرَّدِّ علينا قال بعض أهل الفتنة: (ادِّعاء دُخول كابن عبَّاس أو مُجاهد مثلًا في قوله (عامَّة أهل التَّأويل) تحتاج لدليل) انتهى وهذا عجيب فإنَّ المُصنِّف ينُصُّ نصًّا صريحًا على ذكر ابن عبَّاس في عامَّة أهل التَّأويل كما سأنقُل لكُم عن كتابه [تأويلات أهل السُّنَّة].
2
ففي الجُزء السَّابع مِن [تأويلات أهل السُّنَّة] الصَّحيفة 429 ما نصُّه: <قال عامَّة أهل التَّأويل نحو ابن عبَّاس والضَّحَّاك ومُجاهد وهؤُلاء: إنَّها هي الأيَّام الَّتي خلق الله فيها الدُّنيا> إلخ.. وهذا كاف في ردِّ دعوى أهل الفتنة وفي إثبات أنَّ ابن عبَّاس مشمول بقول الماتُريديِّ: (عامَّة أهل التَّأويل).
3
ومِن أسباب إنكار أهل الفتنة أنْ يكون الماتُريديُّ يشمَل ابن عبَّاس بقوله: (عامَّة أهل التَّأويل) أنَّ الماتُريديَّ نقل عن عامَّة أهل التَّأويل حكاية قصَّة الغرانيق وقصَّة تسمية آدم وحوَّاء لبعض أولادهما بعبد (الحارث) وهُو اسم مِن أسماء إبليس بعد أنْ كانت حوَّاء وعدته بذلك فيما يُروى.
4
وغفل المفتون أنَّ القصَّتَين مرويَّتانِ عن ابن عبَّاس؛ بغضِّ النَّظر هل تصحُّ الرِّواية أم لا؛ ففي [معالم التَّنزيل للبغويِّ 5/393]: <قال ابن عبَّاس> فذكر قصَّة الغرانيق وفي [3/313] منه: <ورُوِيَ عن ابن عبَّاس> فذكر قصَّة تسمية آدم وحوَّاء عليهما السَّلام لبعض أولادهما بعبدالحارث.
5
وكيف يُفكِّر أهل الفتنة أنَّ الماتُريديَّ يُخرج ابن عبَّاس رضي الله عنه وهُو تُرجُمان القُرآن مِن قوله: (عامَّة أهل التَّأويل) وقد دعَا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لابن عبَّاس فقال: <اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ> صحَّحه الحافظ العراقيُّ في [تخريج أحاديث إحياء عُلوم الدِّين].
6
وكتاب الماتُريديِّ [تأويلات أهل السُّنَّة] وليس تأويلات المُجسِّمة فإذَا قال: (عامَّة أهل التَّأويل) فلا سبيل إلى ادِّعاء كونه غير شامل لِمَا يُروى عن ابن عبَّاس وثقات المُفسِّرين بغضِّ النَّظر عن صحَّة ما يُروى لأنَّ الماتُريديَّ في تفسيره ما خاض في تصحيح الرِّوايات وتضعيفها.
7
مِن هُنا يُعلم أنَّ قول الماتُريديِّ في تفسير {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ}: <يحتمل وجهَين أحدُهُمَا ما قال عامَّة أهل التَّأويل على تحقيق الوزر له والإثم> انتهى وأنَّهُم: <يقولون: أثبت له الذَّنب والوزر فوَضع ذلك عنه> انتهى فهُو قول أكثر المُفسِّرين كما يدُلُّ عليه قول الماتُريديِّ نفسِه.
8
وقول عامَّة أهل التَّأويل بـ(تحقيق الوزر له والإثم) قول مُعتبر عند الماتُريديِّ بلا شكٍّ بدليل أنَّ الماتُريديَّ جعله صالحًا للرَّدِّ به على الخوارج القائلين بأنَّ مَن ارتكب صغيرة أو كبيرة خرج عن الإيمان؛ وجعله صالحًا للرَّدِّ به على المُعتزلة القائلين بأنَّه ليس لله أنْ يُعذِّب أحدًا على الصَّغيرة.
9
ففي الجُزء الثَّامن مِن [تأويلات أهل السُّنَّة] الصَّحيفة 619 يتكلَّم الماتُريديُّ عن سبب ذكر زلَّات الأنبياء فيقول: <أو أنْ يكون ذَكَرَهَا ليُعلَم أنَّ ارتكاب الصَّغائر لا يُزيل الولاية ولا يُخرجه مِن الإيمان وذلك على الخوارج بقولهم: إنَّ مَن ارتكب صغيرة أو كبيرة خرج مِن الإيمان> إلخ..
10
وفي الصَّحيفة ذاتها يتابع الماتُريديُّ قائلًا: <أو أنْ يكون ذلك ليُعلَم أنَّ الصَّغيرة ليست بمغفورة ولكن له أنْ يُعذِّب عليها وليس على ما قالت المُعتزلة أنْ ليس لله أنْ يُعذِّب أحدًا على الصَّغيرة، والله أعلم> إلخ.. وهُو ردٌّ مُحكم كرَّره الماتُريديُّ في مواضع أُخرى مِن كُتُبه.
11
12
فالإمام الماتُريديُّ استدلَّ بقول عامَّة أهل التَّأويل بـ(تحقيق الوزر له والإثم) وإثباتهم أنَّ الأنبياء وقعوا في ذنب صغير لا خسَّة فيه في ردِّه على الخوارج والمُعتزلة لأنَّ قولهُم مُعتبر عنده؛ فإنكار اختلاف أهل السُّنَّة في مسألة العصمة عن الصَّغائر الَّتي لا خسَّة فيها عبث لا يُلتفت إليه.
انتهى.
Dec 28, 2020, 7:42 AM
