أهل الفتنة والنَّظَّارة الطِّبِّيَّة!
مُراهق أميركي ترك نظَّارته الطِّبِّيَّة على أرضيَّة أحد المتاحف الفنيَّة وبدأ يُراقب رُدود أفعال الزَّائرين الَّذين تعاملوا معها على أنَّها قطعة فنية رفيعة وبدأوا بتصويرها بحماسة وحاولوا فهم ما توهَّمُوا أنَّه عمل فنيٌّ راقٍ..
قبل أنْ يرجع المُراهق إلى نظَّارته ليلتقطها ويرتديها أمام أعيُن الزَّائرين الَّذين شعروا بحرج شديد للغاية. فمُجرَّد وُجود النَّظَّارة في غير مكانها التَّقليديِّ أعجب الكثيرين ولم يكُن ينبغي أنْ يُعجبهُم ولكنَّها العُقول الخفيفة.
والصَّواب أنْ ليس كُلُّ مُختلِف مُتفوِّقًا ولا كُلُّ شاذٍّ ذَا قيمة عن غيره بل غالبًا الأمر بخلاف هذا. وأهل الفتنة مثل هذه النَّظَّارة عندما كانت على الأرض.. مُختلفون نعم.. شاذُّون نعم.. ولكن لا معنى لهُم ولا فائدة منهُم تُرتجَى.
دُمتُم بخير.
Jan 17, 2021, 7:15 AM
قراءة الجَهَلَة في كُتُب العُلماء تُورثُهُمُ الزَّندقة
سُوء الظَّنِّ بالعُلماء الرَّبَّانيِّين آفة الجَهَلَة
إنكار الجاهلين على العُلماء ضرب مِن التَّظنِّي فيما لا يستيقنون
الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.
1
وبعدُ فإنَّ مِن الجَهَلَة مَن أعطى نفسه الحُكم على العُلماء الرَّبَّانيِّين فصار يقول: (فُلان العالِم الرَّبَّانيُّ جاهل بمذهب أبي حنيفة وإنَّه يسهُل عليه التَّكفير وإنَه يرى في التَّكفير السَّلامة وإنَّه يُخطئ في الجواب على المسائل الشَّرعيَّة) وما الجاهل إلَّا هُو وأصحابه أهل الفتنة ولكنَّهُم لا يشعُرون.
2
وأنكر أحد هؤُلاء الجَهَلَة أنْ يُجيب المُفتي بـ(لا يكفُر) في مسألة خلافيَّة بين المذاهب المُعتبرة غافلًا أنَّ المُفتي أعلم بحال السَّائل ومُراده، وليس مِن شأن الجاهل معرفة كيف قدَّر المُفتي الجواب الصَّالح. وأمَّا إنكار الجاهل فهُو عبث مِن باب العمل بما لا يعلمُه والتَّظنِّي فيما لا يستيقنُه.
3
وهذا الجاهل الَّذي نذر حياته للإنكار على العالِم العامل لا يُحسن بابًا واحدًا مِن أبواب العلم الشَّرعيِّ ومع ذلك فقد استقلَّ عمَّا كان أخذه بالتَّلقِّي عن العارف الثِّقة وخالفه اعتمادًا على رأي نفسه وبنى على تصوُّراته الفاسدة وكان أولى أنْ يتَّبع لا أنْ يبتدع؛ وأنْ يمتثل لقول العالِم العامل.
4
نقل النَّابُلُسيُّ عن [مصابيح الفُهوم]: <السَّادس أنْ يقرأ على شيخ مُرشد أمين ناصح ولا يستبدَّ بنفسه اتِّكالًا على صفاء ذهنه فالعلم في الصُّدور لا في السُّطور وكم مِن ذي فهم ثاقب وبصيرة وقَّادة وفكرة نافذة اتَّكل على نفسه وُثوقًا بذهنه ورُكونًا إلى فهمه فلم يَسلَم مِن الوهم> انتهى.
5
والكلام أعلاه هُو فيمَن صفتُه الفهم الثَّاقب والبصيرة الوقَّادة والفكرة النَّافذة؛ أمَّا مَن لم يكُن صاحب فكر ونظر وبصيرة بل كان قليل العلم سقيم الفهم ثُمَّ تجرَّأ فخاض فيما لا يعلم وهُو لا يُحسن التَّمييز بين الصَّحيح وبين الفاسد فهذا مآلُه أنْ يُوقع نفسه في المهالك والعياذ بالله تعالى.
6
ويَخلُص الجاهل أنَّ الشَّيخ جاهل بفقه الحنفيَّة لأنَّه أجاب بـ(لا يكفُر) في مسألة خلافيَّة! ولم يفطُن الجاهل أنْ لو كان الشَّيخ مُتوهِّمًا أنَّ المسألة إجماعيَّة لَمَا أجاب بـ(لا يكفُر) بل كان فصَّل في الجواب لأنَّ إنكار المُجمع عليه -إنْ كان معلومًا مِن الدِّين بالضَّرورة- كُفر غالبًا.
7
وهذا الجاهل في تقديره المذكور كالأعمى وإنَّما أدَّاه إليه التَّنطُّع وسُوء الأدب والظَّنِّ بالعُلماء الرَّبَّانيِّين؛ وقد رأينا كيف ساق أهلُ الفتنة هذا الجاهل إلى المُوافقة على قولهم: (إنَّ المُرتدَّ يصير مُؤمنًا بدون تشهُّد) وقولهم: (إنَّه لا يجوز تكفير سابِّ الله تعالى) فنعوذ بالله مِن الكُفر القبيح.
8
وأُنبِّه أنَّ الجاهل المذكور ينقُل مسائلَ عنَّا فلا يُحسن ضبطها بل يذكُرُها بصورة مُنكرة تنفيرًا للقُرَّاء وتدليسًا منه على النَّاس فمِن ذلك قولُه إنَّنا نُكفِّر مَن يقول: (إنَّ تعلُّم السِّباحة سُنَّة) دون تفصيل مُطلقًا وإنَّما نقول: يكفُر مَن يُنكر كونها فرض كفاية مع علمه بأنَّ هذا حُكم الدِّين فيها.
9
وله نُقول أُخرى يُحرِّف بها أقوالنا في تلك المسائل فَلْيُحْذَرْ مِن تدليسه فإنَّه إمَّا ينقُلُها كذلك لسُوء فهمه للمسائل وهذا مُحتمَل لِمَا عرفنا مِن فهمه السَّقيم وإمَّا أنَّه يفعل ذلك بقصد الافتراء عامدًا مُتعمِّدًا والعياذ بالله وهذا كذلك مُحتمَل فإنَّ أهل الزَّيغ لا ينبغي أنْ يكونوا محلَّ تحسين الظَّنِّ.
10
وعمَد جاهل آخَرُ إلى الاستهزاء بما اشتملت عليه كُرَّاسة بعض أهل العلم لبُعده عن مجالس العُلماء وجهله بأدب تلقِّي العلم عنهُم غافلًا أنَّ الشَّيخ المُربِّي في مُخاطبته لجاهل يُخاطبُه بما يفهم ويُجيبُه عمَّا سأل دون توسُّع ومُباحثة للعلم؛ لمصلحة شرعيَّة وحكمة تقتضي ذلك.
11
فإنْ كان السَّائل مُهتمًّا بمعرفة هل الحُكم التَّكفير أم لا؛ ولم يزدِ المُفتي عن: (لا يكفُر) وقيَّد الحاضرون ذلك بحُروفه فأين العَيب! وكذلك لا عيب لو أكثر المُفتي مُراجعة السَّائل وإنَّ له في ذلك غاية ومُرادًا لا يحضُر في بال العامِّيِّ. يعرف هذا مَن حضر مجالس العُلماء وتأدَّب فيها.
12
جاء في كتاب [الفقيه والمُتفقِّه] ج2 ص403 للحافظ أبي بكر الخطيب البغداديِّ ما نصُّه: <فإنْ سُئل عمَّن قال كذا وكذا ممَّا يحتمل أُمورًا لا يكون ببعضها كافرًا فينبغي للمُفتي أنْ يقول: يُسأل هذا القائل عمَّا أراد بما قال؛ فإنْ أراد كذا فالجواب كذا وإنْ أراد كذا فالجواب كذا> انتهى.
13
فتحقَّق كون أهل الفتنة جَهَلَة مُفلسين مِن أدب مُجالسة العُلماء فينبغي أنْ يُنهَوا عنِ الفتوى في الصَّغير والكبير لأنَّهُم قاصروا الأفهام عن إدراك وُجوه المسائل الشَّرعيَّة. ولو أنَّهُم اكتفَوا بجهلهم لكان أمرًا مذمومًا فكيف وقد زادوا فأساءُوا الأدب بحقِّ العُلماء العاملين الرَّبَّانيِّين والعياذ بالله تعالى!
14
قال ابن سُليمان الكُرديُّ في [الفوائد المدنيَّة]: <وقد ظهر لك أنَّ مَن لم يكُن فيه أهليَّة الإفتاء لا يجوز له تعاطِيهِ وقد رأيتُ في بعض تصانيف فتاوى العلَّامة ابن قاسم العبَّاديِّ ما نصُّه: ومنصب الإفتاء انحطَّت مرتبتُه وتسوَّره كُلُّ مَن أراد بل تجرَّأ عوامُّ الطَّلبة على التَّكلُّم فيما شاءُوا وأيِّما شاءُوا وعلى إساءة الأدب في حقِّ عُلماء الدِّين وسادات العارفين> إلخ..
15
فمَن رأى استهزاء أهل الفتنة بأحد العُلماء المُعاصرين لأنَّه رسم في كُرَّاسته سُؤال عامِّيٍّ بحُروفه أو لأنَّه يُحذِّر الجَهَلَة المُتصولحة مِن مُطالعة الكُتُب؛ عَرَف أنَّ أهل الفتنة يستهزئون بكافَّة عُلماء الأُمَّة المُتقدِّمين مِن عُلماء السَّلف الصَّالح والمُتأخِّرين الَّذين نقلوا لنا الدِّين عمَّن سبقهُم.
16
وذلك لأنَّ العُلماء شأنُهُم ضبط العلم عن العارف الثِّقة بحُروفه وكانوا يُحذِّرون مِن القراءة في الكُتُب والأخذ عنها كيفما اتَّفق لأنَّهُم كانوا يخشَون على العوامِّ مِن الضَّلال والكُفر إذَا ركنوا إلى أفهامهم القاصرة وفهموا ما يقرأون على غير وجهه.. وأهل الفتنة يرُدُّون ذلك بالاستهزاء!
17
قال الإمام عبدالله الحدَّاد في [المعاونة]: <ونحن إنَّما نخشى عليك ممَّا تفهمُه أنْ تفهمَه على غير وجهه فتضلَّ عن سواء السَّبيل كما وقع ذلك لأقوام عكفوا على مُطالعة هذه الكُتُب فصاروا في زندقة وإلحاد وقالوا بالحُلول والاتِّحاد فلا حَول ولا قُوَّة إلَّا بالله العليِّ العظيم> انتهى.
18
والخُلاصة أنَّ الواحد مِن أهل الفتنة لم يستفد علمًا ولا رُزق فَهمًا ولا اقتبس أدبًا ودراية؛ وأنَّه قَنَعَ بترك التَّحقيق في فهم المسائل الشَّرعيَّة على وُجوهها الصَّحيحة؛ وتمظهر بالعلم وما ينطوي إلَّا على جهل؛ ورضي بادِّعاء الفهم دون بلوغ حقيقة ذلك فقصَّر عن كُلِّ غاية وشرف، وقد قيل:
إذَا مَا عَلا المَرءُ رَامَ العُلا * وَيَقنَعُ بالدُّونِ مَن كانَ دُونَا
انتهى
Jan 16, 2021, 8:21 PM
أوَّل العُشَّاق
حُبُّ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى تِرْيَاقِي
~ يَا لَيْتَ قَلْبِي أَوَّلُ الْعُشَّاقِ
وَأَنَا الْفَتَى الْمُشْتَاقُ أَرْجُو نَظْرَةً
~ فَانْظُرْ بِعَطْفٍ لِلْفَتَى الْمُشْتَاقِ
مَا لِي فِرَاقٌ عَنْ غَرَامِكَ مَرَّةً
~ أَنَا فِي هَوَاكَ تَلَهَّبَتْ أَشْوَاقِي
عَهْدًا أُحِبُّكَ مَا حَيِيتُ وَإِنَّنِي
~ أَحْيَا بِهَذَا الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ
فَإِذَا نَطَقْتَ فَأَنْتَ أَنْتَ مُحَمَّدٌ
~ وَإِذَا ضَحِكْتَ تَبَلْسَمَتْ أَعْمَاقِي
وَإِذَا طَلَعْتَ فَأَلْفُ بَدْرٍ فِي السَّمَا
~ وَإِذَا وُصِفْتَ تَطَيَّبَتْ أَوْرَاقِي
وَالشَّمْسُ تُشْرِقُ غَيْرَ أَنَّ الْمُصْطَفَى
~ أَحْلَى وَأَجْلَى لَحْظَةَ الْإِشْرَاقِ
مَا فِي الْحَيَاةِ كَمِثْلِ نُورِ نَبِيِّنَا
~ يَهْدِي الْأَنَامَ لِطَاعَةِ الْخَلَّاقِ
قَدْ قَيَّدَتْنِي بِالْمَكَارِهِ زَلَّتِي
~ فَاشْفَعْ حَبِيبَ اللهِ فِي إِطْلَاقِي
مَا لِي سِوَاكَ وَسِيلَةٌ أَنْجُو بِهَا
~ وَلَأَنْتَ أَهْلُ الْغَوْثِ وَالْإِشْفَاقِ
وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم
نظم عُمر الشَّادي
Jan 15, 2021, 12:37 PM
