كيف خالف أهل الفتنة القواعد الشَّرعيَّة (5)
وبيان معنى أنَّ الصَّحابة كُلَّهُم عُدول
يُصرُّ أهل الفتنة على فتاويهم الباطلة ولو خالفت ألف قاعدة مِن القواعد الشَّرعيَّة المُقرَّرة عند أهل السُّنَّة والجماعة؛ ويحملون بعض عبارات العُلماء على ما يُخالف الشَّرع والدِّين فيُحرِّفون مقاصدهُم ومذاهبهُم، ونحن في هذه السِّلسلة مِن المقالات نرُدُّ شُبُهاتهم في الأُصول والفُروع، ونسأل اللهَ تبارك وتعالى التَّوفيق والهداية إلى حُسن التَّحقيق إنَّه على ما يشاء قدير.
بيان معنى أنَّ الصَّحابة كُلَّهُم عُدول
1
الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله وبعدُ فإنَّ معنى قول العُلماء: <إنَّ الصَّحابة كُلَّهُم عُدول> معناه أنَّهُم يتجنَّبون تعمُّد الكذب في الرِّواية عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وليس المعنى كما توهَّم أهل الفتنة أنَّه لا يقع أحد منهُم في ذنب مُطلَقًا ولا أنَّه لا يجوز ذكر معصية أحد منهُم ولو كان ذلك لضرُورة بيان حُكم الشَّرع أو شرح حديث نبويٍّ صحيح ثابت.
روى أحمدُ وابن حبَّان أنَّ رجُلًا مِن أهل الصُّفَّة أظهر الفاقة ليستكثر مِن عطاء النَّاس فلمَّا مات وجدوا في شملته دينارَين فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: <كَيَّتانِ> أي مِن نار؛ وروى البُخاريُّ أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قال في صحابِيٍّ: <إنَّه في النَّار> لأنَّه غلَّ شَملة مِن الغنيمة؛ وروى البُخاريُّ خبر واحد مِن الصَّحابة حَدَّه النَّبيُّ عليه السَّلام في شُرب الخمر.
2
وهذا قُدامة بن مظعون أبو عمرو الجُمَحيُّ رضي الله عنه بَدريٌّ مِن السَّابقين الَّذين نزل فيهم: {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} ذكر أصحاب السُّنَن النَّسائيُّ وابن سعد والصَّنعانيُّ وأبو نُعَيم الأصبهانيُّ وغيرُهُم أنَّه تأوَّل الآية: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فشرب الخمر في خلافة سيِّدِنا عُمر رضي الله عنه.
3
وذكر العُلماء أنَّ سيِّدَنا عُمر قال لقُدامة رضي الله عنهُما: <أخطأتَ التَّأويل؛ إنَّك إذَا اتَّقَيتَ اللهَ اجتنبتَ ما حرَّم عليك> انتهى وأقام عليه الحدَّ لأنَّه حَكَم بوُقوعه في ذنب مُوجِب للحدِّ المذكور وهذا لا يُناقض كون الصَّحابة عُدولًا لأنَّ ذنب قُدامة لا يُسْقِط عنه العدالة في الرِّواية لكونه صحابيًّا أي لا يجعلُه مُتَّهمًا بالكذب في الرِّواية عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
4
ودلَّ أنَّ الاجتهاد لم يرفع عن قُدامة الذَّنب وإلَّا لَمَا أقام عُمر الحدَّ على قُدامة رضي الله عنهُما؛ لكن ولأنَّه أراد معرفة الحقِّ والوُصول إليه فأخطأ الصَّواب في أمر لا يتعلَّق بالأُصول العقائديَّة القطعيَّة: لم يكفُر قُدامة رضي الله عنه؛ ومع أنَّ قُدامة تاب وعمل صالحًا؛ إلَّا أنَّ ذلك لم يمنع أهل العلم والحديث مِن ذكر خبره لتعلُّقه بمعرفة حُكم الشَّرع في المسألة.
5
وقال اللَّكنويُّ في [ظَفَر الأماني]: <وقد تُطلَق العدالة على التَّجنُّب عن تعمُّد الكذب في الرِّواية وانحراف فيها بارتكاب ما يُوجب عدم قبولها. وهذا المعنى هُو مُراد المُحدِّثين مِن قولهم: الصَّحابة كُلُّهم عُدول. فقد قال السَّخاويُّ في [فتح المُغيث]: قال ابن الأنباريِّ: (ليس المُراد بِعَدالَتِهم ثبوت العصمة لهُم واستحالة المعصية منهُم وإنَّما المُراد قَبول روايتهم مِن غير تكلُّفِ البحث عن أسباب العدالة وطلب التَّزكية)> انتهى كلام اللَّكنويِّ.
يتبع بإذن الله تعالى..
Mar 15, 2021, 1:26 AM
