كيف خالف أهل الفتنة القواعد الشَّرعيَّة (4) وبيان أنَّه لا يجوز قتال أحد لأنَّه اجتهد اجتهادًا مُعتبَرًا

كيف خالف أهل الفتنة القواعد الشَّرعيَّة (4)

وبيان أنَّه لا يجوز قتال أحد لأنَّه اجتهد اجتهادًا مُعتبَرًا

يُصرُّ أهل الفتنة على فتاويهم الباطلة ولو خالفت ألف قاعدة مِن القواعد الشَّرعيَّة المُقرَّرة عند أهل السُّنَّة والجماعة؛ ويحملون بعض عبارات العُلماء على ما يُخالف الشَّرع والدِّين فيُحرِّفون مقاصدهُم ومذاهبهُم، ونحن في هذه السِّلسلة مِن المقالات نرُدُّ شُبُهاتهم في الأُصول والفُروع، ونسأل اللهَ تبارك وتعالى التَّوفيق والهداية إلى حُسن التَّحقيق إنَّه على ما يشاء قدير.

بيان أنَّه لا يجوز قتال أحد لأنَّه اجتهد اجتهادًا مُعتبَرًا

الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله وبعدُ فإنَّ أهل الفتنة يعترفون أنَّ قتال البُغاة واجب بالإجماع بحسب الشَّرع، وهُم يزعُمون أنَّ اجتهاد مُعاوية بالخُروج على الإمام عليٍّ اجتهاد مُعتبَر؛ فيكون الشَّرع بزعمهم قد أوجب قتال مَن اجتهد اجتهادًا شرعيًّا مُعتبَرًا يعني أنَّ الشَّرع عندهُم يُثيب مَن فعل فعلًا يُوجب أنْ يُقاتَل بسببه؛ ونسبة ذلك إلى الشَّرع ضلال مُبين.

ولو بحث النَّواصب أهل الفتنة في بُطون الكُتُب مائة سَنَة فإنَّهُم لن يجدوا عالِمًا مُعتبَرًا واحدًا مِن عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة يزعُم أنَّ الشَّرع أوجب قتال أحد لأنَّه اجتهد اجتهادًا شرعيًّا مُعتبَرًا، كُلُّ العُلماء يقولون إنَّ مَن اجتهد اجتهادًا شرعيًّا مُعتبَرًا يكون له ثواب سواء أصاب أو أخطأ بخلاف مَنِ اجتهد فقصَّر وترك ما يجب عليه مِن بذل الوُسع في الاجتهاد.

قال التَّاج السُّبكيُّ في [جمع الجوامع]: <وَمَتَى قَصَّرَ مُجْتَهِدٌ أَثِمَ وِفَاقًا> انتهى أي بالإجماع وفي [البدر اللَّامع] للمحليِّ: <(وَمَتَى قَصَّرَ مُجْتَهِدٌ) في اجتهاده (أَثِمَ وِفَاقًا) لتركه الواجبَ عليه مِن بذل وُسعِه فيه> انتهى وفي [حاشية الشربينيِّ]: <قول المُصنِّف (أَثِمَ وِفًاقًا) أي وإنْ أصاب الحقَّ – قاله المُصنِّف في [شرح المُختصر] أي لتقصيره فيما وجب عليه> انتهى.

مِن هُنا يُعلم أنَّ الأجر الَّذي ذكره النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: <إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ> انتهى مشروط بعدم تقصير المُجتهد وببذل وُسعه في الاجتهاد وإلَّا يكون آثمًا عاصيًا كما قال عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة فيما ذكرناه آنفًا فمَن اجتهد فقصَّر ولم يبذُل الوُسع في الاجتهاد فاجتهادُه غير مُعتبَر.

وقال النَّوويُّ في [روضة الطَّالبين]: <قال العُلماء ويجب قتال البُغاة ولا يكفُرون بالبغي وإذَا رجع الباغي إلى الطَّاعة قُبِلَت توبتُه وتُرِك قتالُه؛ وأجمعتِ الصَّحابة رضي الله عنهُم على قتال البُغاة> انتهى فإذَا علمتَ أخي القارئ أنَّ قتال مُعاوية كان واجبًا في الشَّرع اتِّفاقًا علمتَ أنَّه لا ثواب له على قتاله للإمام عليٍّ وقتله لعمَّار بن ياسر رضي الله عنهُم.

يتبع بإذن الله تعالى..

Mar 13, 2021, 10:03 AM