ماذَا نقول فيمَن خرج على سيِّدنا عليٍّ رضي الله عنه؟
الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.
1
وبعدُ فإنَّنا نقول في مُعاوية كما قال إمامُنا الأشعريُّ في [المُجرَّد]: <وكذلك كان يقول في حرب مُعاوية: إنَّه كان باجتهاد منه؛ وإنَّ ذلك كان خطأً وباطلًا ومُنكرًا وبغيًا على معنى أنَّه خُروج على إمام عادل> انتهى.
2
ونقول في طلحة والزُّبَير رضي الله عنهُما كما قال إمامُنا الأشعريُّ فيهما فيما نقله عنه ابن فورك في [المُجرَّد]: <وإنَّهما رَجَعَا عن ذلك وندمَا (وأظهرَا التَّوبة) وماتَا تائبَيْنِ> انتهى والتَّوبة لا تكون ممَّا فيه أجر وثواب.
3
ونقول في أصحاب الجَمَل كما قال البغداديُّ في [الفَرْق بَين الفِرَق]: <وأصحاب الجَمَل كانوا عُصاة مُخطِئِين في قتال عليٍّ ولم يكُن خطؤُهُم كُفرًا ولا فسقًا يُسقط شهادتهُم> انتهى وهذا النَّقل مِنه يُفيد الإجماع.
4
ونقول في أصحاب الجَمَل كما قال فيهم فُقهاء الحجاز والعراق ومالك والشَّافعيُّ وأبو حنيفة: <الَّذين قاتلوه -أي قاتلوا عليًّا- بُغاة ظالمون له ولكن لا يجوز تكفيرُهُم ببغيهم> ذكره عبدالقاهر الجُرجانيُّ في [الإمامة].
5
ونقول في أهل الجَمَل وصفِّين والنَّهروان كما قال الإمام الرَّافعيُّ -مِن كبار فُقهاء الشَّافعيَّة في زمانه-: <ثبت أنَّ أهل الجَمَل وصِفِّين والنَّهروان بُغاة> انتهى وذكره الحافظ ابن حَجَر العسقلانيُّ في [التَّلخيص الحبير].
6
ونقول في هذه الفِرق الثَّلاثة كما قال ابن حجر العسقلانيُّ في [التَّلخيص الحبير]: <ويدلُّ عليه حديث عليٍّ: (أُمِرْتُ بقتال النَّاكِثِين والقاسِطِين والمارِقِين) رواه النَّسائيُّ في الخصائص والبزَّار والطَّبراني> إلخ..
7
ونقول كما قال مُعاوية عند موته: <ذنبي كالتُّراب> ذكره القُرطبيُّ في [التَّذكرة] وكما اعترف بما اعترى خلافته: <أَنَا أَوَّلُ الْمُلُوكِ> رواه ابن عساكر [تاريخ دمشق] وابن كثير [البداية والنهاية] وابن ابي شيبة [المُصنَّف].
8
ونقول إنَّ ما نُسب لعبدالله بن المُبارك مِن تفضيل غُبار حافر فرس مُعاوية على عُمر بن عبدالعزيز كُلُّه كذب فنبيُّنا عليه الصَّلاة والسَّلام يقول في الكعبة: <لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ> رواه ابن ماجه.
9
ونقول في مُعاوية كما قال عبدالله بن المُبارك فيه: <ها هُنا قَوم يسألون عن فضائل مُعاوية وبحسب مُعاوية أنْ يُترك كفافًا> انتهى ومعناه: يكفيه أنْ يُسكت عنه، ذكره الحافظ البلاذريُّ في [أنساب الأشراف].
10
ونقول في مُعاوية كما قال فيه الإمام النَّسائيُّ في آخر عُمره لمَّا خرج مِن مصر إلى دمشق فسُئل عن مُعاوية وما جاء فيه مِن الفضائل: <لَا يَرْضَى رَأْسًا بِرَأْسٍ حَتَّى يُفَضَّلَ؟> إلخ.. رواه الذَّهبيُّ في [سير أعلام النُّبلاء].
11
ونقول في تفسير البغي بالطَّلب كما نقل عليٌّ القاري عن ابن ملَك: <وَهَذَا كَمَا تَرَى تَحْرِيفٌ إِذْ مَعْنَى طَلَبِ الدَّمِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي إِظْهَارِ فَضِيلَةِ عَمَّارٍ وَذَمِّ قَاتِلِهِ> إلخ..
12
ونقول في تفسير البغي بالطَّلب كما قال الفقيه الحنفيُّ مُلَّا عليٌّ القاري بعد ذلك في [مرقاة المفاتيح]: <فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ طَلَبُ دَمِ خَلِيفَةِ الزَّمَانِ وَهُوَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ تَأْوِيلٌ أَقْبَحُ..> إلخ..
13
ونقول في مُعاوية كما قال فيه الفقيه مُلَّا علي القاري في [مرقاة المفاتيح]: <فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ كَانَ فِي الْبَاطِنِ بَاغِيًا وَفِي الظَّاهِرِ مُتَسَتِّرًا بِدَمِ عُثْمَانَ مُرَاعِيًا مُرَائِيًا، فَجَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَيْهِ نَاعِيًا وَعَنْ عَمَلِهِ نَاهِيًا> إلخ..
14
ونقول في أهل صفِّين كما قال فيهم الإمام البغداديُّ في [أُصول الدِّين]: <وأمَّا أصحاب مُعاويةَ فإنَّهم بَغَوا، وسمَّاهم النَّبيُّ صلَّى الله علَيه وسلَّم بُغاةً في قوله لعمَّار: (تقتلك الفئة الباغية) ولم يكفُروا بهذا البغي> انتهى.
15
ونقول في أهل الشَّام الَّذين خرجوا مع مُعاوية كما قال فيهم عمَّار بن ياسر رضي الله عنه فيما رواه عنه البيهقيُّ بالإسناد المُتَّصل في [السُّنن الكُبرَى]: <لا تقولوا كَفَر أهل الشَّام ولكن قولوا فسقوا أو ظلموا> انتهى.
16
ونقول إنَّ ما وراه مُسلم مِن قول نبيِّنا عليه الصَّلاة والسَّلام في مُعاوية: <لا أشبع الله بطنه> ليس منقبة له ففي مُسند أحمد عن ابن عبَّاس قال: <فسعَيتُ فأتَيتُ مُعاوية فقلتُ: أجب نبيَّ الله فإنَّه على حاجة> انتهى.
17
ونقول إنَّ مُعاوية أمر بسبِّ عليٍّ رضي الله عنه كما في صحيح مُسلم بلفظ الأمر ولفظه عن عامر بن سعد بن أبي وقَّاص عن أبيه قال: <أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا التُّرَابِ؟> إلخ..
18
ويشهد لهذا ما رواه ابن ماجه في سُننه قال: <قدم مُعاوية في بعض حجَّاته فدخل عليه سعد فذكروا عليًّا فنال منه؛ فغضب سعد وقال: تقول هذا لرجُل سمعت رسول الله يقول مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه> إلخ..
19
فنقول إنَّ مُعاوية واقع تحت حديث النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: <لا تسبُّوا أصحابي> إلخ.. وتحت حديث: <مَنْ سبَّ عليًّا فقد سبَّني> إلخ.. وتحت حديث: <اللَّهُمَّ والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه> إلخ..
20
ونقول كما قال الإمام البَيهقيُّ في [مناقب الشَّافعيِّ]: <وفي كُلِّ هذا دلالة على أنَّ الشَّافعيَّ رحمه الله كان يعتقد في عليٍّ رضي الله عنه أنَّه كان مُحقًّا في قتال مَن خرج عليه، وأنَّ مُعاوية ومَن قاتله لم يخرُجوا بالبغي مِن الإيمان لأنَّ الله تعالى سمَّى الطَّائفتَين جميعًا مُؤمنِين (والآية عامَّة) وجرى عليٌّ رضي الله عنه في قتالهم مجرى قتال الإمام العادل مَن خرج مِن طاعته مِن المُؤمنين وسار بسيرته في قتالهم وقصد به حملهُم على الرُّجوع إلى الطَّاعة كما قال الله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللهِ}> انتهى.
21
ونقول إنَّ مُعاوية كان باغيًا مُوافقةً للحديث المُتواتر عن نبيِّنا عليه الصَّلاة والسَّلام وفيه: <ويح عمَّار تقتُلُه الفئة الباغية> وله تتمَّة صحيحة أخرجها البُخاريُّ وغيرُه فيها: <يدعوهُم إلى الجنَّة ويدعونه إلى النَّار> انتهى.
22
ونقول كما قال مُلَّا عليٌّ القاري في [شرح المشكاة] ونصُّه: <والحاصل أنَّ هذا الحديث فيه مُعجزات ثلاث: إحداها أنَّه [أي عمَّار] سيُقتل؛ وثانيها أنَّه مظلوم؛ وثالثُها أنَّ قاتله باغ مِن البُغاة، والكُلُّ صدق وحقٌّ> انتهى.
23
ونقول إنَّ مُعاوية نازع أمير المُؤمنين سيَّدنا عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه الخلافة وولاية الأمر فقد روى الحافظ في [الفتح] أنَّ أبا مُسلم الخولانيَّ قال لمُعاوية: <أنتَ تُنازع عليًّا في الخلافة أوَ أنت مثلُه!؟> إلخ..
24
ونقول كما قال ابن المَلك: <اِعْلَمْ أَنَّ عَمَّارًا قَتَلَهُ مُعَاوِيَةُ وَفِئَتُهُ فَكَانُوا طَاغِينَ بَاغِينَ بِهَذَا الْحَدِيثِ> انتهى.
25
وأمَّا قول الحافظ الشَّيخ أحمد الغُماريِّ رحمه الله في مُعاوية فشديد؛ ولا زلت إلى اليوم أجد مِن تلاميذ مدرسته مَن يقول بتكفير مُعاوية؛ أمَّا نحن فنقول فيه كما قال الإمام البغداديُّ في [أُصول الدِّين] وقد ذكرناه آنفًا.
26
ونقول كما قال اللَّكنويُّ في [ظَفَر الأماني]: <وقد تُطلَق العدالة على التَّجنُّب عن تعمُّد الكذب في الرِّواية وانحراف فيها بارتكاب ما يُوجب عدم قبولها. وهذا المعنى هُو مُراد المُحدِّثين مِن قولهم: الصَّحابة كُلُّهم عُدول> انتهى.
27
ونقول كما قال السَّخاويُّ في [فتح المُغيث]: <قال ابن الأنباريِّ: ليس المُراد بِعَدالَتِهم ثبوت العصمة لهم واستحالة المعصية منهم وإنَّما المُراد قبول روايتهم مِن غير تكلُّفِ البحث عن أسباب العدالة وطلب التَّزكية> إلخ..
28
ونقول إنَّ عبارة (رضي الله عنهُم) خبر خاصٌّ بالأتقياء لا بمَن بغَى وفسق فالرِّضى غير العفو عمَّن لم يتُب. قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} الآية..
29
ونحن لا نُنكر لمَن ثبتت عنده توبة مُعاوية لو قال فيه هذه العبارة فبعض العُلماء اعتقدوا أنَّه تاب لقوله عند موته: <ذنبي كالتُّراب> ذكره القُرطبيُّ في [التَّذكرة].. ظنُّوا أنَّه قالها توبة ممَّا كان قد اقترفه قبل ذلك.
30
وقد أدركنا مِن أهل العلم في زماننا المُحدِّثَ الشَّيخَ عبدالله الغُماريَّ وكذلك المُحدِّث الشَّيخ عبدَالله الهرريَّ رحمهُما الله وهُمَا على ما نقلنا مِن أقوال العُلماء ولم يجرُؤ أهل الفتنة على مُخالفة أيٍّ منهُمَا في حياته.
31
وهذا الشَّيخ علي جُمعة في مصر وهُو مُعاصر يقول إنَّ مُعاوية صاحب فتنة وكلامه بحُروفه: <فسيِّدنا عليّ هُو اللِّي تحرَّك مُش مُعاوية تحرَّك باتِّجاه الشَّام عشان يُقنع مُعاوية بالَّتي هي أحسن أو بالتَّهديد شويَّة أو بالضَّغط إنّه هُو يُبايع (ويبطَّل فتنة) وكمان لو مافيش مانع ياخُد بعضُه ويمشي> انتهى.
32
وحدَّث علي جُمعة أنَّ بعض مشايخه لا يصفون مُعاوية بسيِّدنا؛ وحدَّث عن واحد منهُم لم يكُن يرضَى أنْ يخطب في مسجد عَمرو بن العاص فإذَا سُئل عن السَّبب قال لأنَّه مِن جماعة مُعاوية حتَّى رآه في منام وحكاه.
نهاية المقال.
Mar 29, 2021, 1:33 AM
نعي الحاجَّة نبيلة مُحمَّد دقاق (أم وليد دبوس)
بسم الله الرَّحمَن الرَّحِيم
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ
ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي
بمزيد مِن الرِّضَى بقضاء الله وقدره
ننعي إليكُم
الحاجَّة نبيلة مُحمَّد دقاق (أم وليد دبوس)
والَّتي توفَّاها الله في لبنان
جاء في الحديث: <ما الميِّت في قبره إلَّا شبه الغريق المُتغوِّث ينتظر دعوة مِن أب أو أُمٍّ أو أخ أو صديق ثقة أو ولد صالح فإذا لحقه ذلك كانت أحبَّ إليه مِن الدُّنيا وما فيها وإنَّ الله عزَّ وجلَّ يُدخِل على أهل القُبور مِن دُعاء أهل الدُّور أمثال الجبال وإنَّ هديَّة الأحياء للأموات الاستغفار لهُم> رواه البَيهقيُّ في [شُعب الإيمان].
فلا تبخلوا بالدُّعاء والاستغفار لها وقراءة القُرآن عن رُوحها.
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
Mar 29, 2021, 1:33 AM
نعي الفاضل السَّيِّد الحاج أحمد إدريس تشاغني في اثيوببا إثر حادث سير
بسم الله الرَّحمَن الرَّحِيم
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ
ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي
بمزيد مِن الرِّضَى بقضاء الله وقدره
ننعي إليكُم
الفاضل السَّيِّد الحاج أحمد إدريس تشاغني في أثيوبيا إثر حادث سير رحمه الله
والَّذي توفَّاه الله في أثيوبيا
جاء في الحديث: <ما الميِّت في قبره إلَّا شبه الغريق المُتغوِّث ينتظر دعوة مِن أب أو أُمٍّ أو أخ أو صديق ثقة أو ولد صالح فإذا لحقه ذلك كانت أحبَّ إليه مِن الدُّنيا وما فيها وإنَّ الله عزَّ وجلَّ يُدخِل على أهل القُبور مِن دُعاء أهل الدُّور أمثال الجبال وإنَّ هديَّة الأحياء للأموات الاستغفار لهُم> رواه البَيهقيُّ في [شُعب الإيمان].
فلا تبخلوا بالدُّعاء والاستغفار له وقراءة القُرآن عن رُوحه.
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
Mar 22, 2021, 11:42 AM
