إلجام الجَهَلَة المُتصَوْلِحَة وبيان الاختلاف في عصمة الأنبياء عن الصَّغائر الَّتي لا خسَّة فيها

إلجام الجَهَلَة المُتصَوْلِحَة

وبيان الاختلاف في عصمة الأنبياء عن الصَّغائر الَّتي لا خسَّة فيها

الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.

1

وبعدُ فقد ناظرنا أهل الفتنة مِن قبل فألقمناهُمُ الحجر وأكثر؛ وانكشف لكُلِّ طالب عِلم وشهد كُلُّ مُنصف أنَّ أهل الفتنة مثل نبات الكَشُوث فهُو مُجتثٌّ مقطوعٌ يتعلَّق بأغصان الشَّجر مِن غير أنْ يضرب بعرق في الأرض.

2

وقد وقع لنا الزُّهد بمُناظرة أهل الفتنة لأنَّهُم لا يبنون على قواعد العلم وإلَّا فمَا قولُك بمَن ينعت ابن حزم الظَّاهريَّ بالإمام ثُمَّ يستدلُّ بكلامٍ له يُضلِّل فيه الإمامَين الجليلين ابنَ فورك والباقلانيَّ رضي الله عنهُما.

3

وذلك أنَّ أهل الفتنة لم يفهموا أنَّ الأخ الحفيانيَّ إنَّما ذكر ابن حزم لأنَّ كلامه واضح في بيان أنَّ الصَّغيرة الَّتي لا خسَّة فيها معصية حقيقيَّة لا مجازيَّة ولذلك فقد ضلَّل أي ابنُ حزم أعلامَ الأشاعرة والعياذ بالله منه.

4

وقد بلغني أنَّ بعض أهل الفتنة سأل: مَن نقل أنَّ كُلَّ نبيٍّ عصَى؟ فأمَّا نحن فلم ننقُل ذلك فلا يفتري الكذب؛ فإنْ كان يسأل عن قول عُلماء أهل السُّنَّة في شرح حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فنحن نُزوِّده به.

5

قال ابن رشد الجَدُّ الفقيه في [البيان والتَّحصيل]: <وفي قولِهِ: (كُلُّ بَنِي آدَمَ يَأتِي يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَهُ ذَنْبٌ إِلَّا مَا كَانَ مِن يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ) دليلٌ ظاهرٌ على أنَّ الأنبياءَ غيرُ معصومِينَ مِنَ الذُّنوبِ الصَّغائرِ. إذ لا اختلافَ أنَّهم معصومونَ مِنَ الكبائرِ. ويدلُّ على ذلكَ مِنَ القُرآنِ قولُهُ عزَّ وجلَّ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}> إلى آخر كلامه.

6

وتفسير هذا الحديث الَّذي ذكره ابن رُشد قاله غير واحد مِن عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة فقد استدلُّوا بهذا الحديث في جواز الصَّغائر الَّتي لا خسَّة فيها على الأنبياء.. فإنْ كُنتَ تُضلِّلُهُم لأجل ذلك: فالقيامة أمامُك.

7

ثُمَّ بلغني أنَّ أهل الفتنة أنكروا أنْ تكون الصَّغائر الَّتي لا خسَّة فيها حقيقيَّة مع أنَّهُم بُهِتوا عندما كشفنا لهُم قول الماتُريديِّ في تفسيره: <وَلَوْ لَمْ يَكُن للهِ تَعَالَى أَنْ يُعَذِّبَ عَلَى الصَّغَائِرِ أَحَدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضِعُ الِامْتِنَانِ بِمَا غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ> انتهى.

8

فهل يقول سُنِّيٌّ إنَّ الله يُعذِّب على ترك الأَولى؟ هل يقول سُنِّيٌّ إنَّ الله يُعذِّب على التَّواضُع؟ هل يقول سُنِّيٌّ إنَّ الله يُعذِّب على فعل الخير أو إنَّه تعالَى يُعذِّب على معصية مجازيَّة؟ لا واللهِ لا يقول هذا الفساد سُنِّيٌّ أبدًا.

9

ولا زال أهل الفتنة يُكرِّرون قولهُم إنَّنا نسعَى لإثبات أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عصَى؛ وهذا بُهتان عظيم لأنَّ بين ما يفترون وبين إثبات كون المسألة خلافيَّة عند أهل السُّنَّة والجماعة فرق كبير لمَن كان له فهم وعلم.

10

فرق كبير بين السَّعي لإثبات معصية لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وبين السَّعي لبيان أنَّ هذا قول جُمهور عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة في تفسير قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} ونحوه.

11

وقد زعم أهل الفتنة أنَّ مَن قال بوُقوع صغيرة لا خسَّة فيها مِن نبيٍّ يكون يهوديًّا، وحُكمُهُم الفاسد هذا ينطبق على أكابر أئمَّة الإسلام الَّذين لا نرضَى بتكفيرهم وتضليلهم ولذلك نسعَى في بيان كون المسألة خلافيَّة.

12

وقد علمتَ أخي القارئ أنَّ الإمام الطَّبريَّ مُجتهد مُطلق وهُو مِن أكابر المُفسرين وأنَّ مذهبه يقول بوقع الصَّغائر الَّتي لا خسَّة فيها مِن الأنبياء فهل يزعُم الكَذَبة أهل الفتنة أنَّ الإمام الطَّبريَّ يهوديٌّ يكره الأنبياء!

13

وقال الأبياريُّ: <وقوله: (إنَّ الصَّغائر مُختلف فِي وُقوعها مِن الأنبياء) فهُو كذلك؛ ومذهب مالك رحمه الله أنَّها واقعة مِن حيث الجُملة واستدلَّ على ذلك بقول الله عزَّ وجلَّ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}> انتهى فهل يزعُم الكَذَبة أهل الفتنة أنَّ الإمام مالكًا يهوديٌّ يكره الأنبياء!

14

ثُمَّ هل نسي أهل الفتنة أنَّهُم كانوا زعموا أنَّ عامَّة أهل التَّأويل هُمُ الجَهَلَة الَّذين لا يعرفون قواعد العلم وأنَّنا ضربناهُم على ذلك بقول الماتُريديِّ الَّذي فيه أنَّ عامَّة أهل التَّأويل منهُمُ ابن عبَّاس وغيره.. فبُهت أهل الفتنة.

15

ونتيجة ذلك أقرَّ أهل الفتنة أنَّهُم افتروا على الماتُريديِّ وعلى عامَّة أهل التَّأويل فأرادوا خداع النَّاس فزعموا أنَّ عامَّة أهل التَّأويل أرادوا الوزر والإثم (مجازًا) فضربناهُم ثانية بأنَّه لو كان كذلك لَمَا خالف الماتُريديُّ قولهُم.

16

وكُلُّ ما ذكرناه إلى هُنا واحد مِن ألف دليل مِن أدلَّة أهل السُّنَّة والجماعة الَّتي لا يملك أهل الفتنة أنْ يرُدُّوها لأنَّها مُبتناة على قواعد العلم والتَّحقيق الصَّحيح لا على تُرَّهات يظُنُّها الجَهَلَة المُتصولحة شرعًا ودينًا!

17

ومِن آخِر ما أنكره أهل الفتنة امتداح بعض جماعتنا لبعض مَن وقع حُسن ظنِّهم علَيه ثُمَّ تحذيرُهُم منه بعد أنْ كُشِف مِن حاله كونُه دجَّالًا؛ وليس في ما فعله بعض جماعتنا ما ينكر لأنه بنى على حسن الظن ثم على التحقيق.

18

فهذا عبدالله بن أُبَيٍّ رأس المُنافقين حسَّن به الرَّسولُ الظَّنَّ وصلَّى عليه وقَبِل أن يُكفن بشيء مِن ثوبه لأنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم ما عرف أنَّ ابن أُبَيٍّ رجع إلى النِّفاق حتَّى فضحته الآية؛ فهل ينكر أهل الفتنة على رسول الله!

نهاية المقال.

May 29, 2021, 12:14 AM

أهل الفتنة جُنود إبليس

أهل الفتنة والجهل هُم قلَّة قليلة اغترُّوا ببعض الجَهَلَة، ظنُّوهُم لجهلهم عُلماء لمُجرَّد أنَّهُم يقرؤون بعض الكُتُب مِن غير فهم ولا دراية.

وقد قال الشَّاعر:

وما كُلُّ مخضوب البنان بُثينة * ولا كُلُّ مصقول الحديد يماني

وقال الآخر:

ومَن يك ذا فم مُرٍّ مريض * يجد مُرًّا به الماء الزُّلالا

وهُم مع هذا قوم قد اتَّصفوا بصفات الخزي والسُّوء وعدم الأدب وقلَّة الحياء مِن الله، ولم يزل لسانُهُم مُنطلقًا بالطَّعن في كبار أئمَّة الإسلام حتَّى رموهُم بالكُفر والضَّلال وسوء القَول والفعال.

وقد قال الشَّاعر :

مَساو لو قُسمن على الغواني * لَمَا أُمهرن إلَّا بالطَّلاقِ

واحدُهُم لا يدري ولا يدري أنَّه لا يدري، فلا ينجع فيهم كلام ولا تُؤثِّر فيهم سهام الملام، بل هُم كما قال الشَّاعر:

مَن يهن يسهُلُ الهوان عليه * ما لجرح بميِّت إيلامُ

ولم يزل أحدُهُم يُبدي ويُعيد بباطله، ويُكرِّر كلامه الواهي مرَّة بعد مرَّة، ويبتدع أحكامًا ما أنزل الله بها مِن سُلطان، فلا هُم مع جُمهور الُمسلمين ولا الأقلِّين، ولا هُم في العير ولا في النَّفير، ولسان حال أحدهم يقول:

نزلوا بمكَّة في قبائل هاشمٍ * ونزلتُ في البَيداء أبعدَ منزلِ

فانبرى للرَّدِّ إخوان لنا طيِّبون فبيَّنوا سقطات أهل الفتنة وغلطاتهم وكذباتهم وافتراءاتهم وخيانتهم في النَّقل وتحريفهم للكَلِم عن مواضعه، فمزَّقوا بسهام مقالات الحقِّ جميع ما حاك أهل الفتنة مِن نسج الأباطيل وزُخرف الأقاويل بما يُثلج صُدور قَوم مُؤمنين، فجزاهم الله عن المُسلمين خير الجزاء.

وفي مثل أهل الفتنة قال الشَّاعر:

لا يخدعَنْك اللِّحى ولا الصُّوَرُ * تسعة أعشار مَن ترى بَقَرُ

تراهُم كالسَّحاب مُنتشرًا * وليس فيهم لطالب مَطَرُ

في شجر السَّرْوِ منهُمُ شَبَهٌ * له رواء وما له ثَمَرُ

وقد شمَّر أهل الفتنة سواعدهم وأجمعوا معاولهُم لهدم دعوة الإسلام الَّتي أعاد نشرها علَّامة الزَّمان وقُدوة الأنام شيخ الشَّريعة والحقيقة الشَّيخ عبدالله رحمه الله، وما علِموا أنَّ مثلهُم كناموس نفخ على جبل فخرَّ ميتًا مِن شدَّة النَّفخ والجبل شامخ.

أقول لمحرز لمَّا التقينَا * تنكَّب لا يُقطِّرك الزِّحامُ

وقد قيل:

حسدوا الفتَى إذ لم ينالوا سعيه * فالنَّاس أعداء له وخصومُ

كضرائر الحسناء قُلن لوجهها * حَسَدًا وبغيًا إنَّه لدميمُ

فالواحد مِن أهل الفتنة يبتدئ في الضَّلال والزَّيغ شيئًا حتَّى تهوي به قدمُه إلى أسفل سافلين، يتنافسون فيما بينهُم أيُّهُم أكثر ضلالًا وأشدُّ كُفرًا، وقد قيل في أمثالهم:

وكان فتى مِن جُند إبليس فارتقَى * به الحال حتَّى صار إبليسُ مِن جُنْدِهْ

انتهى.

May 27, 2021, 12:38 PM

نعي الفاضل الشَّاب أحمد توفيق فايد

والده: الشيخ توفيق فايد

بسم الله الرَّحمَن الرَّحِيم

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ

ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً

فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي

بمزيد مِن الرِّضَى بقضاء الله وقدره

ننعي إليكُم

الفاضل الشَّاب أحمد فايد

رحمه الله

والَّذي توفَّاه الله في أمريكا

جاء في الحديث: <ما الميِّت في قبره إلَّا شبه الغريق المُتغوِّث ينتظر دعوة مِن أب أو أُمٍّ أو أخ أو صديق ثقة أو ولد صالح فإذا لحقه ذلك كانت أحبَّ إليه مِن الدُّنيا وما فيها وإنَّ الله عزَّ وجلَّ يُدخِل على أهل القُبور مِن دُعاء أهل الدُّور أمثال الجبال وإنَّ هديَّة الأحياء للأموات الاستغفار لهُم> رواه البَيهقيُّ في [شُعب الإيمان].

فلا تبخلوا بالدُّعاء والاستغفار له وقراءة القُرآن عن رُوحه.

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

May 26, 2021, 5:49 AM