الصَّاعقة الشَّديدة في الرَّدِّ على ذوي العُقول العنيدة في مسألة الخُروج على الخليفة الرَّاشد والإمام العادل

الصَّاعقة الشَّديدة

في الرَّدِّ على ذوي العُقول العنيدة

في مسألة الخُروج على الخليفة الرَّاشد والإمام العادل

الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

1

وبعدُ فهذا مقال [الصَّاعقة الشَّديدة في الرَّدِّ على ذوي العُقول العنيدة] أحببت فيه الرَّدَّ باختصار على ما يستعملُه بعض المُتمظهرين بالعلم مِن كلام يضعونه في غير محلِّه في مسألة الخُروج على الخليفة الرَّاشد والإمام العادل ويدعون النَّاس إليه غافلين عمَّا فيه مِن تحريف للشَّرع الشَّريف.

[أوَّلًا اعترف الجَهَلَة أنَّ أهل السُّنَّة والجماعة يقولون إنَّ الحقَّ مع عليٍّ وإنَّ مُعاوية كان مُخطئًا].

2

وكان أبلغ لو صرَّحوا أنَّ أهل السَّنَّة والجماعة أجمعوا أنَّ مُعاوية كان على خطإ في خُروجه على الخليفة الرَّاشد والأمير العادل سيِّدنا عليٍّ رضي الله عنه. وكان أبلغ كذلك لو ذكروا أنَّ مُعاوية كان باغيًا تصديقًا للحديث المُتواتر الَّذي فيه: <ويح عمَّار تقتُلُه الفئة الباغية> انتهَى.

[ثانيًا: قال الجَهَلَة: (إنَّ مذهب أهل السُّنَّة الكفُّ عمَّا جرَى بين الصِّحاب) في غير موضعه].

3

ونحن نقول: إنَّ الجَهَلَة لم يفهموا معنَى الكفِّ عمَّا جرَى بين الصَّحابة وذلك لأنَّهُم يرمون بكلام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خلف ظُهورهم ويُقدِّمون عليه بعض عبارات وجدوها في الكُتُب فيها تبرئة لمُعاوية مِن الإثم في قتاله للخليفة الرَّاشد والأمير العادل سيِّدنا عليٍّ رضي الله عنه.

4

العُلماء بيَّنوا حُكم خروج مُعاوية بقصد صيانة الشَّرع لأنَّ بعض الجَهَلَة زعموا أنَّ مُعاوية كان مأجورًا بقتاله لسيِّدنا عليٍّ؛ وهذا ضدُّ قوله تعالَى: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ} وضدُّ قول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: <مَن خلع يدًا من طاعة لقيَ الله يومَ القيامة لا حُجَّة له> انتهَى.

5

فالكفُّ عمَّا جرَى بين الصَّحابة لا يعني تحريف الشَّرع؛ ولا يصحُّ الاجتهاد بما يُخالف ما دلَّت عليه الآية والحديث الثَّابت، وأجمعتِ الأُمَّة على تحريم الخُروج على الإمام العادل. وقال النَّوويُّ في [روضة الطَّالبين]: <وأجمعتِ الصَّحابة رضي الله عنهُم على قتال البُغاة> انتهَى.

6

الكفُّ المذكور لا يعني ترك إرشاد مَن زعم أنَّ مُعاوية مأجور بقتاله للإمام عليٍّ ولا يعني ترك البيان لمَن زعم أنَّ قاتل عمَّار لم يعصِ الله بقتله! بل معنَى الكفِّ عمَّا جرَى بين الصَّحابة أنْ لا يُؤدِّي الخوض في ذلك إلى الطَّعن بمَن كان مُحِقًّا ولا إلى تصويب مَن كان باغيًا مُخطِئًا.

7

وبيَّن ابن حجر الهيتميُّ معنَى الكفِّ المذكور فقال في [فتح الجواد]: <فذلك الزَّمن بلغ مِن الفساد ما أوجب أنْ يُقال: “يجب الإمساك عمَّا شجر بينهُم” أي بأنْ لا يُخاض في أمر وقع فيه يقتضي تخطئة مُحقٍّ كعليٍّ وابنَيه -رضي الله عنهُم وكرَّم وُجوهَهُم- أو عكسَهُ> انتهَى.

[ثالثًا: قال الجَهَلَة: ليس أحد مِن أهل السُّنَّة يقول إنَّ مُعاوية كان حقودًا خبيثًا وهمُّه المُلك والدُّنيا وغيرها مِن عبارات القدح].

8

نقول إنَّ الجَهَلَة اطَّلعوا على بعض كُتُب دسَّ فيها النَّواصب أشياء وتركوا الكثير مِن أقوال عُلماء السَّلَف والخلف في مُعاوية، والصَّواب أنَّ العُلماء قالوا نحو ذلك في مُعاوية مِن باب بيان حُكم الشَّرع في البُغاة وتحذيرًا مِن اعتبار الحرام جائزًا وبيَّن بعضُهُم قديمًا وحديثًا أنَّ مُعاوية أراد المُلك.

9

والجَهَلَة تركوا الحديث المُتواتر فمُعاوية وفريقُه بُغاة أي ظالمون؛ وترك الجَهَلَة قول الإمام عليٍّ فيمَن خرج عليه مِن بني أُميَّة: <إنَّما يُريدون المُلك> انتهَى وقول عمَّار فيما رواه البيهقيُّ بالإسناد المُتَّصل في [السُّنن الكُبرَى]: <لا تقولوا كَفَر أهل الشَّام ولكن قولوا فسقوا أو ظلموا> انتهَى.

10

وهذا التَّابعيُّ أبو مُسلم الخولانيُّ روَى عنه الحافظ في [الفتح] أنَّه قال لمُعاوية: <أنتَ تُنازع عليًّا في الخلافة أوَ أنت مثلُه!> إلخ.. وقال مالك والشَّافعيُّ وأبو حنيفة: <الَّذين قاتلوه -أي قاتلوا عليًّا- بُغاة ظالمون له ولكن لا يجوز تكفيرُهُم ببغيهم> ذكره عبدالقاهر الجُرجانيُّ في [الإمامة].

11

ونقل البَيهقيُّ في [مناقب الشَّافعيِّ] أنَّ الشَّافعيَّ حمل الآية {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللهِ} على قتال مُعاوية وفريقه يعني أنَّ مُعاوية كان خارجًا عن أمر الله؛ وقال إنَّ عليًّا قصد بقتال مُعاوية ومَن معه: <حملهُم على الرُّجوع إلى الطَّاعة> انتهَى يعني كانوا عُصاة.

12

وقال أبو منصور البغداديُّ في [الفَرْق بَين الفِرَق]: <وكان أهل السُّنَّة والجماعة يقولون بصحَّة إسلام الفريقَين في حرب الجَمَل وقالوا إنَّ عليًّا كان على الحقِّ في قتالهم وأصحاب الجَمَل كانوا عُصاة مُخطِئِين في قتال عليٍّ> إلخ.. ولا يخفَى أنَّ أصحاب الجَمَل كان فيهم صحابة.

13

وهذا الباقلانيُّ يطعن في مُعاوية بعد التَّحكيم ويصرِّح أنَّه طلب المُلك فيقول أي الباقلانيُّ: <غير أنَّه لمَّا طلب الأمر لنفسه وأحبَّ الخير عليه والاستبداد به وانتهز الفُرصة وقتَ نكث عَمرو بنُ العاص بأبي مُوسَى عند اتِّفاقهما على خلع الرَّجُلَين وشهر سيفَه ودعا إلى نفسه> إلخ..

14

والباقلانيُّ دُسَّ عليه القول بأنَّ مُعاوية كان مأجورًا ويفضح هذا الدَّسَّ قولُه في بعض كُتُبه عن سيِّدنا عليٍّ: <وأنَّ حربَ إمامٍ هذه سبيلُه لا مدخلَ له في مسائل الاجتهاد> انتهى أي لا يكون مُبتنَى على اجتهاد شرعيٍّ صحيح فلا يكون لمُعاوية -بناء على كلام الباقلانيِّ- أجر ولا أجران.

15

وقال الفقيه مُلَّا عليٌّ القاري في [مرقاة المفاتيح] طاعنًا في مُعاوية: <فَتَبَيَّنَ بِهَذَا [أي الحديث المُتواتر] أَنَّهُ [أي مُعاوية] كَانَ فِي الْبَاطِنِ بَاغِيًا وَفِي الظَّاهِرِ مُتَسَتِّرًا بِدَمِ عُثْمَانَ مُرَاعِيًا مُرَائِيًا، فَجَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَيْهِ نَاعِيًا وَعَنْ عَمَلِهِ نَاهِيًا> إلخ.. فتأمَّلوا كيف وصفه بكُلِّ تلك الصِّفات!

16

وهذا علي جُمعة مُفتي مصر الأسبق يقول: <فسيِّدنا عليّ هُو اللِّي تحرَّك -مُش مُعاوية- تحرَّك باتِّجاه الشَّام عشان يُقنع مُعاوية بالَّتي هي أحسن أو بالتَّهديد شويَّة أو بالضَّغط إنّه هُو يُبايع (ويبطَّل فتنة)> انتهى بحُروفه ولاحظ كيف جعل مِن مُعاوية صاحب فتنة.

17

وهذا شيء قليل ومَن أراد الزِّيادة زدناه بقدر ما يشاء ولكن المفتون لا يعرف إلَّا الطَّعن بالشَّيخ عبدالله الهرريِّ الَّذي بيَّن أنَّه لا يصحُّ الاجتهاد بالخُروج على وليِّ الأمر الأمير العادل مع وُجود النَّصِّ الشَّرعيِّ وهذه قاعدة أجمع عليها عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة لم يأتِ شيخُنا بها مِن نفسه.

[رابعًا: قال الجَهَلَة: الطَّعن بمُعاوية وعَمرو بن العاص مدخل للطَّعن بغيرهما مِن الصَّحابة].

18

نقول إنَّ هذا الكلام باطل إنْ كان الطَّعن بمُعاوية وعَمرو محلُّه بيان حُكم الشَّرع في خُروجهما عن الإمام العادل وترك طاعة وليِّ الأمر وقتل غير واحد مِن صحابة رسول الله -منهُم عمَّار بن ياسر وغيرُه- لأنَّ الغاية بيان أنَّ ما فعلاه لم يُوافق الشَّرع وأنَّه معصية ولا أجر على المعصية.

19

ولماذا يكون الطَّعن في مُعاوية بالخُصوص مدخلًا للطَّعن في غيره مِن الصَّحابة! فهذه كُتُب الحديث -صحيح البُخاريِّ وصحيح مُسلم وغيرُهُما- مُشتمِلة على ذكر ذُنوب بعض الصَّحابة ممَّن هُم أعلم وأفضل مِن مُعاوية في روايات يتدارسُها طَلَبَة العلم وينقُلُها المُحدِّثون عمَّن قبلَهُم.

20

روَى أحمدُ وابن حبَّان أنَّ صحابيًّا أظهر الفاقة ليستكثر مِن عطاء النَّاس فلمَّا مات وجدوا في شملته دينارَين فقال النَّبيُّ: <كَيَّتانِ> أي مِن نار؛ وروَى البُخاريُّ أنَّ النَّبيَّ قال في صحابِيٍّ: <إنَّه في النَّار> لأنَّه غلَّ شَملة مِن الغنيمة؛ وروَى البُخاريُّ خبر صحابيٍّ حَدَّه النَّبيُّ في شُرب الخمر.

21

وهذا قُدامة بن مظعون بَدريٌّ مِن السَّابقين الَّذين نزل فيهم: {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} ذكر أصحاب السُّنَن النَّسائيُّ وابن سعد والصَّنعانيُّ وأبو نُعَيم الأصبهانيُّ وغيرُهُم أنَّه تأوَّل الآية: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فشرب الخمر.

22

وذكر العُلماء أنَّ سيِّدَنا عُمر بن الخطَّاب قال لقُدامة: <أخطأتَ التَّأويل؛ إنَّك إذَا اتَّقَيتَ اللهَ اجتنبتَ ما حرَّم عليك> انتهَى وأقام عليه الحدَّ لأنَّه حَكَم بوُقوعه في ذنب مُوجِب للحدِّ المذكور وهذا لا يُناقض كون الصَّحابة عُدولًا لأنَّ ذنب قُدامة لا يُسْقِط عنه العدالة في الرِّواية لكونه صحابيًّا.

[خامسًا: قال الجَهَلَة: “مَن كان يجد في نفسه شيئًا على مُعاوية أو غيره فأقصَى ما يفعلُه أنْ يكُفَّ لسانه ويعتقد أنَّ الحقَّ مع عليٍّ لا أنْ يخوض” في غير محلِّه].

23

فماذَا لو سمع أحدًا يقول إنَّ مُعاوية كان مأجورًا ببغيه وقتاله لأمير المُؤمنين؟ هل يسكُت عن هذا المُنكر بزعم الجَهَلَة! أم يعمل بما أمره به رسولُ الله صلوات الله عليه وسلامُه مِن إنكار المُنكر بيده فإنْ لم يستطع فبلسانه فإنْ لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان..

24

والخُلاصة أنَّ الجاهل إذَا تكلَّم في دين الله أخطأ وكثُر خطؤه والتَبَسَت عليه المسائل وضيَّعَتْه الكُتُب بما اشتَمَلَت عليه مِن صحيح وسقيم فترَى الجاهلَ يتناقض ويضطرب ويُخالف قواعد الدِّين -الَّتي أجمع عليها عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة- زيادة على مُخالفته لقول الله تعالَى وللحديث الثَّابت.

نهاية المقال.

Jul 8, 2021, 6:33 AM

نعي الحاجة إنعام محمد منيمنة (خالة سماحة الشيخ الدكتور حسام قراقيرة)

بسم الله الرَّحمَن الرَّحِيم

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ

ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً

فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي

بمزيد مِن الرِّضَى بقضاء الله وقدره

ننعي إليكُم

الحاجة إنعام محمد منيمنة

والتي توفاها الله في لبنان

جاء في الحديث: <ما الميِّت في قبره إلَّا شبه الغريق المُتغوِّث ينتظر دعوة مِن أب أو أُمٍّ أو أخ أو صديق ثقة أو ولد صالح فإذا لحقه ذلك كانت أحبَّ إليه مِن الدُّنيا وما فيها وإنَّ الله عزَّ وجلَّ يُدخِل على أهل القُبور مِن دُعاء أهل الدُّور أمثال الجبال وإنَّ هديَّة الأحياء للأموات الاستغفار لهُم> رواه البَيهقيُّ في [شُعب الإيمان].

فلا تبخلوا بالدُّعاء والاستغفار لها وقراءة القُرآن عن رُوحها.

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ Jul 9, 2021, 5:50 AM