الله تعالَى يسمع بلا جارحة بلا أُذُن بيان أنَّ الأَذَن -بفتح الذَّال- يعني الاستماع وبه فُسِّر الحديث

الله تعالَى يسمع بلا جارحة بلا أُذُن

بيان أنَّ الأَذَن -بفتح الذَّال- يعني الاستماع وبه فُسِّر الحديث

الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.

وبعدُ فقد جاء في الحديث الشَّريف: <لَلَّهُ أَشَدُّ أَذَنًا لِقَارِئٍ حَسَنِ الصَّوْتِ مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنَةِ إِلَى قَيْنَتِهِ> رواه أحمد والبيهقيُّ والحاكم والطَّبرانيُّ وابن ماجه وابن حبَّان، ومعناه الَّذي يقرأ القرآن بصَوت حَسَن يكون محبوبًا عند الله، هذا أحسن مِن الَّذي له مُغَنِّيَة تُغَنِّي لهُ، في الـماضي كان يكونُ لهُم جَوارٍ يُغَنِّين.

فالأَذَن يعني الاستماع وهذا معنَى الحديث؛ أمَّا الأُذُن فلم تَرِد مُضافة إلى الله تعالَى أبدًا لأنَّها لا تكون إلَّا لِذِي جسم؛ وعقيدة أهل السُّنَّة أنَّ الله يسمع بلا أُذُن بلا جارحة؛ وقد ضلَّ بعض المفتونين فنسب إلى الله الأُذُن وهذا مِن أفحش الكذب على الله تعالَى ولم يقُل به أحد مِن المُشبِّهة قبل زماننا فيما نعلم.

وقد عجبتُ لأهل الفتنة كيف يزعُمون أنَّ مَن نسب الأُذُن إلى الله تعالَى يكون مِن أكابر عُلماء المُسلمين في هذا الزَّمان مع أنَّ الأُذُن أداة لا تكون إلَّا للمخلوق الَّذي هُو جسم؛ فأهل الفتنة لا يرَون في التَّشبيه بأسًا ولا مُشكلة والعياذ بالله مِن عمَى قُلوبهم فاحذروهُم فإنَّ مَن استجاب لهُم قذفوه في جهنَّم.

Sep 23, 2021, 9:38 PM

بيان أنَّ تسفيه الأنبياء كُفر بالإجماع

أهل الفتنة زعموا أنَّ ما أضافه الله إلى المُجرمين أهون ممَّا أضافه إلى الأنبياء!

الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.

1

وبعدُ فقد تساهل أهل الفتنة في الحُكم على مَن قال لنبيٍّ مِن الأنبياء: (إنَّك في ضلال مُبين) حتَّى جعلوا قول هذا -على قُبحه- أهون مِن أنْ ينسُب أحد إلى نبيٍّ ذنبًا صغيرًا لا خسَّة فيه ولا دناءة؛ وقول أهل الفتنة هذا: دليل على تخبُّطهم وشدَّة جهلهم فيما يخوضون فيه بلا علم ولا هُدًى.

2

وغفَل المغرورون أنَّ القُرآن الكريم اشتمل على ما فيه إضافة الذَّنب للأنبياء صلوات الله عليهم وسلامُه أي الذَّنب الصَّغير الَّذي لا خسَّة فيه؛ قال الله تعالَى مُخاطبًا نبيَّه مُحمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} وقال تعالَى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}.

3

ومعلوم مِن الدِّين بالضَّرورة أنَّ القُرآن الكريم لم يأتِ بما فيه شَتم أو طعن أو قدح بالأنبياء صلوات الله عليهم وسلامُه؛ فعُلِمَ مِن طريق ذلك أنَّ مُجرَّد إضافة الذَّنب الصَّغير الَّذي لا خسَّة فيه ولا دناءة إلى نبيٍّ مِن الأنبياء لا يقتضي أنْ يكون شتمًا له أو إزراء به أو قدحًا بمنصب نُبُوَّته.

4

فإذًا.. القُرآن الكريم اشتمل على إضافة الذَّنب إلى الأنبياء ولكنَّه لم يشتمل على إضافة (الضَّلال المُبين) إلى الأنبياء وإنَّما أضاف هذه الأخيرة إلى المُجرمين والظَّالمين الكافرين فقال تعالَى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ} الآية.. وقال تعالَى: {بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِين} صدق الله العظيم.

5

وأضافها الله سُبحانه وتعالَى إلى الظَّالمين الَّذين جَفَت قلوبُهُم ونأت عن ذكر الله وأعرضَت عن القُرآن -الَّذي أنـزله تعالَى مُذكِّرًا به عبادَه- فلم تُؤمن قُلوبُهُم به ولم تُصدِّق بما جاء فيه مِن البيِّنات فقال عزَّ وجلَّ: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِين} صدق الله العظيم.

6

فكيف جعل أهل الفتنة ما أضافه الله تعالَى إلى المُجرمين الظَّالمين الكافرين أهون ممَّا أضافه تعالَى إلى الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامُه! لو كان أهل الفتنة مُعظِّمين للأنبياء لَمَا زعموا أنَّ وصفَهُم أنَّهُم في ضلال مُبين أهون وأخفُّ مِن نسبة الذَّنب الصَّغير الَّذي لا خسَّة فيه إليهم.

7

وأمَّا قول إخوة يوسُف: {إنَّ أبانَا لفي ضَلال مُبين} فقد فسره القُشَيريُّ فقال في [لطائف الإشارات]: <بسطوا في أبيهم لسان الوقيعة فوصفوه بلفظ الضَّلال> انتهَى والوقيعة يعني الشَّتم كما في [لسان العرب]؛ فعلَى تفسير القُشَيريِّ يكون قولُهُم كُفرًا لأنَّه لا خلاف في كُفر شاتم الأنبياء.

8

وقال القُرطبيُّ في [تفسيره]: <وقيل: ولو كُنَّا صادقين أي ولو كُنَّا عندك مِن أهل الثِّقة والصِّدق ما صدَّقتَنا ولاتَّهمتَنا في هذه القضيَّة لشدَّة محبَّتك في يوسُف؛ قال معناه الطَّبريُّ والزَّجاج وغيرُهُما> انتهَى وعلى هذا التَّفسير كذلك يكون قولُهُم كُفرًا لأنَّه لا خلاف في كُفر مَن سفَّه الأنبياء.

9

نعم؛ المُفسِّرون لم يحملوا قول إخوة يوسُف المذكور آنفًا على الضَّلال في الدِّين ولكنَّهُم لم يُجمِعوا أنَّه ليس كُفرًا بل بعضُهُم اعتبره كُفرًا كما بيَّنَّا مِن تفسير القُشَيريِّ وكما نقل القُرطبيُّ عن الطَّبريِّ والزَّجاج؛ فقول أهل الفتنة إنَّ المُفسِّرين أجمعوا أنَّ إخوة يوسُف لم يكفُروا بقولهم باطل مردود.

10

وقيل إنَّ قول إخوة يوسُف: {إنَّ أبانَا لفي ضَلال مُبين} معناه في محبَّة بيِّنة دون تسفيه وهذا لا يُؤدِّي إلى ضلال؛ وإنَّما الَّذي يؤدِّي إلى ضلال هُو أنْ يفهم أحد أنَّ قولهُم جاء في سياق التَّسفيه ومع ذلك يتأوَّلُها بحيث لا يحكُم بكُفرهم، وهذا المعنَى الَّذي أراده الشَّيخ جميل حليم حفظه الله.

11

هذا ما يتعلَّق بقول إخوة يوسُف لأبيهم؛ وأمَّا القول بنُبُوَّتهم فهذا ضدُّ القُرآن الكريم قولًا واحدًا فمَن كان يُؤمن بالقُرآن الكريم فيعلم أنَّ القُرآن الكريم أثبت الكذب في حقِّ إخوة يوسُف؛ والكاذب لا يكون نبيًّا بإجماع المُسلمين ولكنَّهُم رجَعوا وتبرَّأوا ممَّا كانوا وقعوا به وتابوا وحسُن إسلامُهُم بعد ذلك.

12

ولم يقُم دليل واحد على نُبُوَّة إخوة يوسُف عليه السَّلام بل قام الدَّليل على عدم نُبُوَّتهم لأنَّ القُرآن الكريم كُلُّه صدق والقُرآنُ أثبتَ في حقِّهمُ الكذب والكبائر وقد أجمعتِ الأُمَّة على عصمة الأنبياء مِنَ الكذب والكبائر قبل النُّبُوَّة وبعدها لأنَّه لا ثقة في الكاذب إذا زعم أنَّه مُرسَل مِن عند الله.

نهاية المقال.

Sep 24, 2021, 3:06 AM