بيان أنَّ السَّلف إنَّما ذمُّوا كلام أهل الأهواء وأنَّ علم الكلام عند أهل السُّنَّة والجماعة ممدوح

بيان أنَّ السَّلف إنَّما ذمُّوا كلام أهل الأهواء

وأنَّ علم الكلام عند أهل السُّنَّة والجماعة ممدوح

لأنَّه علم يُتَوَصَّل به إلى معرفة الله ومعرفة رُسُله

وبيان أنَّ الأشاعرة والماتُريديَّة ليسوا مُخالفين للسَّلف

الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.

وبعدُ فإنَّ الكلام كان يُطلَق ويُراد به كلام أهل الأهواء كالمُعتزلة والخوارج وغيرهم وكان كلامُهُم غير مبنيٍّ على مُوافقة الكتاب والسُّنَّة الصَّحيحة الثَّابتة ولذلك فهُو مذموم لكونه يُؤدِّي إلى تكذيب الدِّين؛ وكان عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة قلَّما يخوضون في علم الكلام لانتفاء حاجة النَّاس إليه.

ثُمَّ لمَّا كثُر كلام أهل البدع والأهواء اضطرَّ عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة إلى الخوض في الكلام بُغية الرَّدِّ على شُبُهات أهل الأهواء ولكنَّ كلام أهل السُّنَّة كان مبنيًّا على مُوافقة الكتاب والسُّنَّة والانتصار لهُما ولذلك فهُو علم ممدوح يُتوصَّل به إلى معرفة الخالق سُبحانه وإلى معرفة رُسُله.

قال الزَّبيدي في [شرح الإحياء]: <هذه المسائل الَّتي تلقَّاها الإمامان الأشعريُّ والماتُريديُّ هي أُصول الأئمَّة رحمهُمُ الله تعالَى فالأشعريُّ بنَى كُتُبَه على مسائل مِن مذهب الإمامَين مالك والشَّافعيُّ أخذ ذلك بوسائطَ فأيَّدها وهذَّبها والماتُريديُّ كذلك أخذها مِن نُصوص الإمام أبي حنيفة> انتهَى.

فالأشاعرة والماتُريديَّة ليسوا مُخالفين للسَّلف في الأُصول ولا في الفُروع وإنَّما هُمُ انتصروا لمذاهب السَّلف بطريقة الكلام المبنيِّ على مُوافقة كتاب الله ومُوافقة السُّنَّة الصَّحيحة الثَّابتة فأثبت الأشاعرة والماتُريديَّة أنَّ عقائد أئمَّة السَّلف أهل السُّنَّة والجماعة مُوافِقة للعُقول السَّليمة ليست مُناقضة لها.

قال الزَّبيدي في [شرح الإحياء] كذلك: <وليُعلم أنَّ كُلَّا مِن الإمامَين أبي الحسَن وأبي منصور رضي الله عنهُما وجزاهُما عن الإسلام خيرًا لم يبتدعَا مِن عندهما رأيًا ولم يشتقَّا مذهبًا وإنَّما هُما مُقرِّران لمذاهب السَّلف مُناضلان عمَّا كان عليه أصحاب رسول الله فأحدُهُما قام بنُصرة نُصوص مذهب الشَّافعيِّ وما دلَّت عليه والثَّاني قام بنُصرة مذهب أبي حنيفة وما دلَّت عليه وناظر كُلٌّ منهُما ذوي البِدع والضَّلالات حتَّى انقطعوا وولَّوا مُنهزمين> إلى قوله: <فالانتساب إليهما إنَّما هُو باعتبار أنَّ كُلَّا منهُما عقد على طريق السَّلف نطاقًا وتمسَّك به وأقام الحُجج والبراهين عليه فصار المُقتدِي به في تلك المسائل والدَّلائل يُسمَّى أشعريًّا أو ماتُريديًّا> انتهَى.

فإذا عُلم ما تقدَّم تبيَّن لك أخي القارئ أنَّ ما يُنسب إلى السَّلف الصَّالح مِن ذمِّ الكلام فالمُراد به كلام أهل الأهواء، فالأشاعرة والماتُريديَّة ليسوا مُخالفين للسَّلف وعلم الكلام عندهم غير مذموم لكن ورد أنَّ بعضَهُم نهَى عنه لانتفاء حاجة الأُمَّة إليه في أيَّامهم وحماية لمَن لا يُحسنه مِن الخطإ فيه.

قال الحافظ البَيهقيُّ في [شُعب الإيمان] [مكتبة الرُّشد ناشرون 1/181] في باب [القول في إيمان المُقلِّد والمُرتاب]: <أخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو بكر مُحمَّد بن الحُسين القطَّان أخبرنا أحمد بن يوسُف السُّلَميِّ حدَّثنا مُحمَّد بن يوسُف الفريابيُّ حدَّثنا سُفيان عن جعفر بن برقان عن عُمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنَّه سأله رجُل عن شيء مِن الأهواء فقال: “عليك بدين الأعرابيِّ والغُلام في الكُتَّاب وَالْهُ عمَّن سواه”. وهذا الَّذي قاله عُمر بن عبدالعزيز وقاله غيرُه مِن السَّلف في النَّهي عن الخوض في مسائل الكلام فإنَّما هُو لأنَّهُم رأَوا أنَّه لا يُحتاج إليه لتبيين صحَّة الدِّين في أصله إذ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إنَّما بُعِثَ مُؤَيَّدًا بالحُجج فكانت مُشاهدتُها للَّذين شاهَدوها وبلاغُها المُستفيض لمَن بَلَغَه كافيًا في إثبات التَّوحيد والنُّبُوَّة معًا عن غيرها ولم يَأمَنوا إنْ توسَّع النَّاس في علم الكلام أنْ يكون فيهم مَن لا يكمُل عقلُه ويضعُف رأيُه فيرتبك في بعض ضلالة الضَّالِّين وشُبَهِ المُلحدين ولا يستطيع منها مَخرَجًا كالرَّجُل الضَّعيف غير الماهر بالسِّباحة إذا وقع في ماء غامر قويٍّ لم يُؤمَن أنْ يَغرق فيه ولا يقدر على التَّخلُّص منه، ولم يَنْهَوا عن علم الكلام لأنَّ عينه مذموم أو غير مُفيد وكيف يكون العلم الَّذي يُتَوصَّل به إلى معرفة الله عزَّ وجلَّ وعلم صفاته ومعرفة رُسُلِه والفَرق بين النَّبيِّ الصَّادق وبين المُتَنَبِّئ الكاذب عليه مذمومًا أو مرغوبًا عنه؟ ولكنَّهُم لإشفاقهم على الضُّعَفاء لِئَلَّا يبلُغوا ما يُريدون منه فيضِلُّوا نَهَوْا عنِ الاِشتغال به. ثُمَّ بسط الحليميُّ رحمه الله تعالَى الكلام في التَّحريض على تعلُّمه إعدادًا لأعداء الله عزَّ وجلَّ، وقال غيرهُ في نهيهم عن ذلك: إنَّما هُو لأنَّ السَّلف مِن أهل السُّنَّة والجماعة كانوا يكتفون بمُعجزات الرُّسُل صلوات الله عليهم على الوجه الَّذي بيَّنَّا وإنَّما يَشتغِل في زمانهم بعلم الكلام أهلُ الأهواء؛ فكانوا يَنْهَون عنِ الاشتغال بكلام أهل الأهواء، ثُمَّ إنَّ أهل الأهواء كانوا يدَّعون على أهل السُّنَّة أنَّ مذاهبهُم في الأُصول تُخالف المعقول؛ فقيَّض اللهُ تعالَى جماعة منهُم للاشتغال بالنَّظر والاستدلال حتَّى تَبحَّروا فيه وبيَّنوا بالدَّلائل النَّيِّرة والحُجج الباهرة أنَّ مذاهب أهل السُّنَّة تُوافق المعقول كما هي مُوافِقة لظاهر الكتاب والسُّنَّة إلَّا أنَّ الإيجاب يكون بالكتاب والسُّنَّة فيما يجوز في العقل أنْ يكون غير واجب دون العقل> إلخ..

نهاية المقال.

Aug 24, 2021, 1:40 AM

يا مَن تُحِبُّ مُحمَّدًا

صلَّى الله عليه وسلَّم

يَا مَنْ تُحِبُّ مُحَمَّدَا ~ وَالْعِشْقُ فِيكَ تَوَقَّدَا

أَبْشِرْ بِعَطْفِ مُحَمَّدٍ ~ وَبِجُودِ كَفَّيْهِ غَدَا

لَوْ كَانَ لِلْمَاضِينَ أَنْ ~ يَتَكَلَّمُوا قَالُوا هُدَى

يَا سَعْدَ عَبْدٍ رُوحُهُ ~ لِنَبِيِّنَا كَانَتْ فِدَا

قَلْبِي وَلُوهٌ عَاشِقٌ ~ حُبَّ النَّبِيِّ تَعَوَّدَا

فَعَسَى بِهِ يَومَ الْقِيَامَةِ أَنْ أَفُوزَ وَأَسْعَدَا

هَذِي رِيَاضُكَ يَا رَسُولَ اللهِ تَضْحَكُ فِي الْمَدَى

وَنَدَاكَ أَكْثَرُ فِي رِحَابِ الْجُودِ مِنْ قَطْرِ النَّدَى

صَلَّى عَلَيْهِ اللهُ مَا ~ بَدْرٌ عَلَى الدُّنْيَا بَدَا

مَا غُصْنُ بَانٍ فَوْقَهُ ~ غَنَّى هَزَارٌ أَوْ شَدَا

Aug 25, 2021, 9:19 AM

نعي الفاضل مُحمَّد أحمد عوَّاد رحمه الله

بسم الله الرَّحمَن الرَّحِيم

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ

ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً

فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي

بمزيد مِن الرِّضَى بقضاء الله وقدره

ننعي إليكُم

الفاضل مُحمَّد أحمد عوَّاد رحمه الله

والَّذي توفَّاه الله في لُبنان

جاء في الحديث: <ما الميِّت في قبره إلَّا شبه الغريق المُتغوِّث ينتظر دعوة مِن أب أو أُمٍّ أو أخ أو صديق ثقة أو ولد صالح فإذا لحقه ذلك كانت أحبَّ إليه مِن الدُّنيا وما فيها وإنَّ الله عزَّ وجلَّ يُدخِل على أهل القُبور مِن دُعاء أهل الدُّور أمثال الجبال وإنَّ هديَّة الأحياء للأموات الاستغفار لهُم> رواه البَيهقيُّ في [شُعب الإيمان].

فلا تبخلوا بالدُّعاء والاستغفار له وقراءة القُرآن عن رُوحه.

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

Aug 28, 2021, 10:46 PM