بُطلان الاستدلال بالحديث الضَّعيف في العقائد وأهل الفتنة يحتجُّون بما لا يصحُّ الاحتجاج به

بيان بُطلان الاستدلال بالحديث الضَّعيف في العقائد

الوهَّابية وأهل الفتنة يحتجُّون بما لا يصحُّ الاحتجاج به

الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.

وبعدُ فقد استدلَّ الوهَّابيَّة برواية التِّرمذيُّ في خبر الحُصين ليثبتوا المكان لله تعالَى؛ وقال أهل السُّنَّة: الله مُنزَّه عن المكان. واستدلَّ أهل الفتنة بالرِّواية تلك ليُجوِّزوا الرِّضَى بالكُفر؛ بينما يقول الحافظ الزبيديُّ في [شرح الإحياء]: <ومَن أراد مِن خَلْقِ الله أنْ يكفُروا بالله فهُو لا محالة كافر> انتهَى.

ورواية التِّرمذيِّ في خبر إسلام الحُصين ذكرها المُحدِّث الكوثريُّ رحمه الله في هامش [السَّيف الصَّقيل] فقال: <وبمثل هذا السَّند لا يُستدلُّ في الأعمال فضلًا عن الاستدلال به في المُعتقد> انتهَى. فلو كان الوهَّابيَّة وأهل الفتنة على بصيرة وعلم وهُدًى لَمَا احتجُّوا بخبر ضعيف في العقيدة.

وقال النَّوويُّ المُتوفَّى 676ه في [المجموع]: <فأمَّا الضَّعيف فلا يجوز الاحتجاج به في الأحكام والعقائد> انتهَى ومثلَه في [التَّقريب] وفي [الإرشاد] ومثلُه قال كثير مِن العُلماء كالحافظ ابن الصَّلاح المُتوفَّى 643ه في [مُقدِّمته] والحافظ العراقيُّ المُتوفَّى 806هـ في [التَّبصرة والتَّذكرة].

والرِّواية المذكورة لا حُجَّة فيها للوهَّابيَّة حتَّى لو كانت صحيحة -ولا تصحُّ أبدًا- لأنَّها لا تشتمل على نصٍّ صريح في أنَّ الله تعالَى يتحيَّز في مكان؛ ولا حُجَّة فيها لأهل الفتنة لأنَّها لا تشتمل على أنَّ رسول الله كان يُريد مِن الحُصين أنْ يقول: (إنَّه يعبُد ستَّة في الأرض وواحدًا في السَّماء).

فمَن زعم أنَّ النَّبيَّ كان يُريد مِن الحُصين أنْ ينطِق بذلك الكُفر: فقد فضح جهله بقواعد الدِّين وأتَى بُهتانًا عظيمًا والعياذ بالله.. ففضلًا عن أنَّ الرِّواية ضعيفة جدًّا: فقد سمح أهل الفتنة لأنفُسهم باستنباط الأحكام مِن الحديث الشَّريف وهذه وظيفة المُجتهدين أمَّا أهل الفتنة فجَهَلَة مُتصولحة.

ثُمَّ إنَّ الحُصين مُختلف في إسلامه بين عُلماء أهل السُّنَّة فلا هُم صحَّحوا الرِّواية الضَّعيفة ولا هُم أجمعوا على صحَّة إسلام الرَّجُل. قال الحافظ المِزيُّ في [تهذيب الكمال في أسماء الرِّجال]: <حُصين بن عُبَيد بن خلف الخزاعي، والد عِمران بن حُصين، مُختلف في إسلامه> إلخ..

وزعم أهل الفتنة أنَّ الأمر بالكُفر ليس كُفرًا لأنَّهُم توهَّموا أنَّ الرِّضَى هُنا يشترط استشعار الفرح القلبيَّ ولم يعرفوا أنَّ الرِّضَى في الأُصول هُو الأخذ والقَبول. قال ابن حَجَر الهَيتميُّ الشَّافعيُّ في [الإعلام بقواطع الإسلام]: <فإنَّ طَلَبَ الكُفرِ كُفرٌ> انتهَى وهذا لا خلاف فيه عند العُلماء.

وأهل الفتنة مُكذِّبون للقُرآن الكريم لأنَّهُم بادِّعائهم (عدم كُفر مَن طلب مِن النَّاس التَّلفُّظ بالكُفر إلَّا أنْ ينشرح صدرُه بالكُفر) ساوَوا بين الآمِر بالكُفر ومُريد الكُفر مِن غيره وبين المُكره بالقتل على الكُفر بينما لم يستثنِ القُرآن الكريم مِن الوُقوع في الكُفر {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}.

نهاية المقال.

Jan 25, 2022 10:18:06pm