تحريف أهل الفتنة لمعنى كلام التفتازاني والرد عليهم صريح أقوال علماء أهل السنة والجماعة

تحريف أهل الفتنة لمعنى كلام التفتازاني

والرد عليهم صريح أقوال علماء أهل السنة والجماعة

مقال نشر في صفحة خليل العلي

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد فقد قال التفتازاني في [شرح المقاصد؛ له]: <وبالجملة فمسألة جواز الصغيرة عمدا على الأنبياء في معرض الاجتهاد لا قاطع فيها؛ لا نفيًا ولا اثباتًا> انتهَى فزعم أهل الفتنة أن قوله: (في معرض الاجتهاد) راجع إلى فعل النبي وليس إلى اختلاف المجتهدين! وهذا من أهل الفتنة افتراء عظيم وجهل شديد.

ونحن نفهم من كلام التفتازاني أن المسألة (مسألة عصمة الأنبياء من صغائر غير منفرة) هي التي في معرض الاجتهاد أي هي التي نظر فيها المجتهدون فاختلفت فيها آراؤهم؛ وليس المعنى أن النبي يخطئ في التشريع الذي ينقله عن الوحي كما فهم أهل الفتنة؛ وسترى أخي القارئ كيف أن فهمنا لكلام التفتازاني موافق لأفهام من شرحه من العلماء.

ففي [شرح المقاصد] لأبي العبَّاس أحمد بن مُحمَّد بن مُحمَّد بن يعقوب المغربيِّ المالكيِّ المُتوفَّى 1128 للهجرة قال: <فمسألة جواز عمد الصَّغيرة على الأنبياء؛ لمَّا كانت ليست ممَّا يُنَفِّر عنِ الاتِّباع ولا ممَّا يُوجب عقوبة الأنبياء ولا قاطع بنفيها عنهُم ولا مصحِّح لثُبوتها: كانت كما قال في الشَّرح: مُعَرَّضة للاجتهاد فاختلفت فيها الآراء؛ والله الهادي بمَنِّه> انتهَى.

فهل سيعلن أهل الفتنة تراجعهم عما كذبوه وافتروه على الإمام التفتازاني أم سيلزمون الصمت كعادتهم القديمة؟ وماذا ستقول وجوههم لوجوههم -إذا التقوا- وهم يعلمون أنهم لا يتناهون عن حرام يدخلونه وأنهم لا يستحون من أخطائهم مهما تكررت ومهما كثرت؟ وأنهم لا يتراجعون عن خطإ يواقعونه مهما كان ذلك الخطأ واضحا جليا لكل ذي نظر؟

وفي حاشية الفاروقي على [شرح المقاصد] قال: <قولُه: (فمسألة جواز الصَّغيرة إلخ..) يعني أنَّ مسألة جواز صُدور الصَّغيرة عمدًا عنهُم بعد البعثة مُختلف فيها لا قاطع في جوازها ولا في امتناعها> إلخ.. فهل أكثر من هذا النص الصريح الموافق لما كتبناه ونكتبه منذ أكثر من أربع سنوات فكيف لا يستحي أهل الفتنة من تحريف معاني كلام التفتازاني!؟

وما تكلم عنه التفتازاني سبقه إليه غير واحد من علماء المسلمين وكلهم يوافقون على فهمنا أنها مسألة خلافية فهذا إمام الحرمَين عبد الملك الجُوينيُّ يقول في [الإرشاد إلى قواطع الأدلَّة فِي أُصول الاعتقاد]: <ولم يقُمْ عندي دليلٌ على نفيِها ولا على إثباتِها إذِ القواطعُ نُصوصٌ أو إجماعٌ ولا إجماعَ إذِ العُلماءُ مُختلِفونَ فِي تجويزِ الصَّغائرِ على الأنبياءِ> انتهَى.

وهذا الشَّريف الجُرجانيُّ يقول في [شرح المواقف]: <(وتعمُّدهُمُ الصَّغائرَ لا قاطعَ فيهِ نفيًا) كما نبَّهَ عليهِ بقولِهِ سابقًا؛ وأنتَ تعلمُ أنَّ دلالتَها في محلِّ النِّزاعِ وهي عصمتُهُم عنِ الكبيرةِ سهوًا والصَّغيرة عمدًا ليست بالقويَّةِ> إلى آخر كلامه الذي يفيد أنه لا قاطع في نص أو إجماع يمنع وقوع الخلاف بين العلماء في هذه جواز الصغائر التي لا خسة فيها على الأنبياء.

وقال الشَّيخ مُحمَّد الطَّاهر بن عاشور في [تحقيقات وأنظار]: <قال إمام الحرمَين فِي [الإرشاد]: (وأمَّا الذُّنوب المعدودة مِن الصَّغائر فلم يقُم عندي قاطع سمعيٌّ على نفيها) أي: عدمِ وُقوعِها (ولا على إثباتها) أي: جوازِ وُقوعِها> إلخ.. وهكذا فهم سائر العلماء كلام الجويني وكلام التفتازاني أن المسألة في معرض الاجتهاد ومن هنا اختلف فيها المجتهدون.

وهكذا قال العلماء (إن محل الاجتهاد ما لا قاطع فيه) وهذه عبارة معروفة عند العلماء يكررونها في مصنفاتهم في معرض الكلام عن اجتهاد الأئمة وهذا عين ما أراده التفتازاني عندما قال: <وبالجملة فمسألة جواز الصغيرة عمدا على الأنبياء في معرض الاجتهاد لا قاطع فيها؛ لا نفيًا ولا اثباتًا> انتهَى ومثل هذا يخفى على الجهلة المتصولحة أمثال أهل الفتنة.

وهذا المقال الذي لا طاقة لأهل الفتنة برده لن يكون كافيا لمنعهم من الافتراء وتحريف مذاهب الفقهاء فقد جاء في الحديث الشريف: <إنَّ ممَّا أدرك النَّاس مِن كلام النُّبوَّة الأُولى: إذَا لم تستحِ فَاصْنَعْ ما شئتَ> انتهَى وأهل الفتنة لا يستحون من الفضائح مهما كثرت فوق رؤوسهم ولكن يكفيهم ذلا وهوانا أنهم صغار في عيوننا وصغار في عيون بعضهم.