الخُروج مِن النَّفق <8>
حول اتِّجاه القِبلة في أميركا الشَّماليَّة
الانتقال بين خُطوط العرض يهدم دعوة المُخالفين
الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.
25) يُصرُّ المُخالفون على تكرار كلامهم عن البلاد الواقعة خلف نُقطة القُطب الشَّماليِّ دون أنْ يتمكَّنوا مِن ردِّ وجه الدَّليل الشَّرعيِّ في أنَّ الجنوب قِبلة أهل الشَّمال ويقفزون فوق كون تلك البلاد أقربَ إلى نُقطة القُطب الشَّماليِّ مِن مكَّة وبالتَّالي فهي بلاد شماليَّة قِبلتُها إلى الجنوب.
26) وهؤُلاء المُخالفون مع إقرارهم بأنَّ الأرض تُشبه الكُرة إلَّا أنَّهم ينظرون إلى صورة الأرض مِن فوق نُقطة القُطب الشَّماليِّ ثُمَّ يأخُذون بالقياس عليها وكأنَّها مُسطَّحة تمامًا وهُو ما عمله بعض الأصدقاء -هداه الله- في فيديو طويل غلبه فيه الكلام عن المسار فغَفَل عن الجهة.
27) فلو نظرنا مِن فوق القُطب الشَّماليِّ على أنَّ الأرض مُسطَّحة فمَا يقوله المُخالفون صحيح لأنَّه في تلك الحال لا يكون القُطب الشَّماليُّ ذَا دلالة في الاتِّجاه شمالًا أو جنوبًا بل ستكون الأرض كُلُّها على سطح مُتساوٍ ولكنَّهُم يُصرِّحون بأنَّها تامَّة التَّكوُّر وهذا كافٍ في هدم فكرتهم.
28) فالأرض مُتكوِّرة والاتِّجاه مِن خطِّ عرض مُونتريال إلى خطِّ عرض القُطب الشَّماليِّ فوق ثُمَّ إلى مكَّة تحت ليس خطًّا مُباشِرًا؛ هذا في المسار لا في الجهة. والله تعالى قال: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي جهته فالمطلوب استقبال القِبلة لا استقبال طريق فيه أكثر مِن جهة.
29) واعتبرنا الخطَّ إلى الجنوب الشَّرقيِّ مُباشِرًا بخلاف الخطِّ إلى الشَّمال الشَّرقيِّ لأنَّ الأوَّل اتِّجاهه واحد إلى الجنوب الشَّرقيِّ مِن أوَّله لآخِره بينما اشتمل الثَّاني على جهتَينِ مُتضادَّتَين إلى الشَّمال الشَّرقيِّ أوَّلًا ثُمَّ إلى الجنوب الشَّرقيِّ أخيرًا وهُما جهتانِ مُتضادَّتانِ والمطلوب جهة واحدة.
30) ولم يُجب المُخالفون على هذه النُّقطة بل تعمَّدوا القفز عنها لأنَّها هادمة لدعوتهم إلى الاتِّجاه إلى الشَّمال الشَّرقيِّ في الصَّلاة في أميركَا الشَّماليَّة ويعتمدون على قول الفلكيِّين والفلكيُّون ليسوا حُجَّة في أحكام دين الله؛ بل غاية عمل الفلكيِّ استخراج الجهات مِن هيئة الفَلَك.
31) وقد أنكر المُخالفون مرجعيَّة الفُقهاء في تعيين القِبلة حتَّى قال بعضُهُم: <ما شأن الفُقهاء في الفَلَك> وهذا عجيب بل ما شأن الفلكيِّين في تعيين أيٍّ مِن هذه الجهات هي الجهة المُعتبَرة شرعًا في استقبال القِبلة!؟ فإنَّ الكلام فيما يتعلَّق بأحكام العبادات في الشَّرع وظيفة الفُقهاء.
32) وقد أبطل الشَّرع العمل بقول أهل الفلك والحساب فيما يُخالف أدلَّة الشَّرع ولذلك فإنَّهُم ولو أجمعوا على ولادة القمر يبقى الصِّيام منوطًا بالرُّؤية فهي دليل الشَّرع؛ فإجماع الفلكيِّين على ولادة القمر لا يلزم منه الشُّروع في الصَّوم وكذلك كلامُهُم في الهيئة لا يلزم منه تعيين جهة القِبلة.
– انظر الرَّسم البيانيَّ التَّقريبيَّ [(2)] في المُرفق.
يتبع –
Jun 26, 2020, 11:20 AM
الخُروج مِن النَّفق <7>
حول اتِّجاه القِبلة في أميركا الشَّماليَّة
إنكار مرجعيَّة الفقه في القِبلة مُشاغبة باطلة
1
وبعدُ فإنَّ أمر معرفة القِبلة مُتعلِّق بالصَّلاة وأحكام الشَّريعة فيُعتمد فيه على أدلَّة الشَّرع لا على أقوال غير المُسلمين ولا على أقوال المُسلمين الخالِين عن علم الدِّين ولو برعوا في الرِّياضة والحساب، والفلكيُّ وإنْ علم الهيئة فإنَّه ليس حُجَّة في تعيين الطَّريقة الشَّرعيَّة في استقبال القِبلة.
2
وقد جاء في [المعيار المُعرب والجامع المُغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمَغرب] لأبي العبَّاس الونشريسيِّ ما نصُّه: <وأمَّا الاستدلال بالآلات فلم يرد عن السَّلف الصَّالح رضي الله عنهُم فلا يلزم الرُّجوع إليها ولا يجوز أنْ تُجعل حاكمة على الأدلَّة الشَّرعيَّة.. إلخ> انتهى.
3
وفيه: <وقوله: (لمَّا أراد الحَكَم بن عبدالرَّحمن تحويل قِبلة المسجد.. إلخ) هُو حُجَّة عليه لأنَّ اتِّفاق أهل الحساب لا عبرة بهم لعدم وُرود الشَّريعة المُحمَّديَّة بطريقتهم في استخراج القِبلة> انتهى وهو كاف في بيان أنَّ الفُقهاء لا يُوافقون على أنْ تُجعَل الآلات حاكمة على الدَّليل الشَّرعيِّ.
4
وذكر المُخالفون كلامًا للإمام الرَّازيِّ يُريدون به إبطال القول بالإجماع على أنَّ (الجنوب) هُو قِبلة أهل الشَّمال؛ فحملوا كلامه على ما لا يدُلُّ عليه إذ لم يكُن في كلام الرَّازيِّ أنَّ للفلكيِّين إجماعًا مُعتبَرًا في الفقه بل فيه ما يرُدُّ أنْ يكون لغير الفُقهاء إجماع مُعتبَر شرعًا في مسائل الفقه.
5
ونحن نُورد فيما يلي كامل كلام الإمام الرَّازيِّ مع شرحه على لسان أحمد بن إدريس الصنهاجيِّ المشهور بالقرافيِّ المُتوفَّى سنة 684هـ ليقف عليه كل قارئ بإذن الله تعالى.
المسألة الرَّابعة
6
قال الرَّازيُّ في [المحصول]: <المُعتبَر بالإجماع في كُلِّ فنٍّ أهل الاجتهاد في ذلك الفنِّ؛ وإنْ لم يكونوا مِن أهل الاجتهاد في غيره.
مثلًا: العبرة بالاجماع في مسائل الكلام بالمُتكلِّمِين؛ وفي مسائل الفقه بالمُتمكِّنِين مِن الاجتهاد في مسائل الفقه؛ فلا عبرة بالمُتكلِّم في الفقه؛ ولا بالفقيه في الكلام؛ بل مَن يتمكَّن مِن الاجتهاد في الفرائض دون المناسك يُعتبَر وفاقُه وخلافُه في الفرائض دون المناسك؛ ولا عبرة أيضًا بالفقيه الحافظ للأحكام والمذاهب إذَا لم يكُن مُتمكِّنًا مِن الاجتهاد.
والدَّليل على هذه المسائل: أنَّ هؤُلاء كالعوامِّ فيما لا يتمكَّنون مِن الاجتهاد فيه فلا يكُون بقولهم عبرة.
أمَّا الأُصوليُّ المُتمكِّن مِن الاجتهاد إذَا لم يكُن حافظًا للأحكام فالحقُّ أنَّ خلافه مُعتبَر خلافًا لقوم؛ والدَّليل عليه: أنَّه مُتمكِّن مِن الاجتهاد الَّذي هُو الطَّريق إلى التَّمييز بين الحقِّ والباطل فوجب أنْ يكون قولُه مُعتبَرًا قياسًا على غيره> انتهى كلام الرَّازيِّ.
7
قال القرافيُّ في [نفائس الأُصول شرح المحصول]: <قُلنا: هذه المسألة والمسألة الَّتي بعدها في أنَّ الفقيه الَّذي لا يعرف الأُصول لا عبرة بقوله؛ ينبغي أنْ يتخرَّج على الخلاف مع القاضي القائل بتوقُّف الإجماع على العوامِّ فإنَّ غاية هؤُلاء أنْ يكونوا كالعوامِّ وقد حكى الشَّيخ في اللُّمَع الخلاف في هذه المسألة وقال: يُشترط الإجماع مع الفُقهاء والمُتكلِّمين والأُصوليِّين.
قوله: (الأُصوليُّ المُتمكِّن مِن الاجتهاد إذَا لم يكُن حافظًا للأحكام يُعتبَر خلافه) قُلنا: حكى الإمام في البُرهان أنَّ اعتبار الأُصوليِّ عن القاضي؛ وحكى الجُمهور خلافه؛ وخالف هُو أيضًا القاضي فيها.
قال الغزاليُّ في المُستصفى: قال قوم: لا عبرة إلَّا بقول أئمَّة المذهب المُشتغِلين بالفتوى كالشَّافعيِّ ومالك ونحوهِما مِن الصَّحابة والتَّابعين ومنهُم مَن ضمَّ إلى الأئمَّة الفُقهاء الحافظين للفروع النَّاهضين بها؛ وأخرج الأُصوليَّ الَّذي لا يعرف تفاصيل الفرع.
قال: والصَّحيح أنَّه أَولى مِن حافظ الفروع وكيف يُتصوَّر أنْ يكون مُتمكِّنًا مِن الاجتهاد وهُو غير حافظ للأحكام؟ مع نصِّ العُلماء على أنَّه مِن شرط المُجتهد أنْ يكون عالمًا بمسائل الوفاق والخلاف لئلَّا يفتِي على خلاف الإجماع؛ فمَن جهل الأحكام فاته هذا الشَّرط فيفوتُه مشروطُه فيتعذَّر عليه الاجتهاد فلا يكون مُتمكِّنًا> انتهى كلام القرافيِّ.
8
وهذا كافٍ في بيان أنَّ كلام الرَّازيِّ لا يعني ما أراد المُخالفون حمله عليه والخُلاصة أنَّ دليل الشَّرع مُقدَّم على ما سواه؛ وأنَّه ليس للفلكيِّين ولا لأحد سوى الفُقهاء إجماع مُعتبَر في مسائل الفقه فإنَّها مُتعلِّقة بالشَّريعة؛ وقد دلَّ الشَّرع أنَّ الجنوب هُو قِبلة أهل الشَّمال فلا يصحُّ الانتقال إلى غيره.
نهاية المقال.
Jun 25, 2020, 1:48 PM
الخُروج مِن النَّفق <6>
حول اتِّجاه القِبلة في أميركا الشَّماليَّة
الإياب يكون بسُلوك جهة مُعاكسة لجهة الذَّهاب
الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.
21) وممَّا يُعرف به فساد مذهب المُخالفين قولُهم: (إنَّ النَّفق مِن مُونتريال إلى مكَّة يتَّجه [شمالًا] وإنَّه مِن مكَّة إلى مُونتريال يتَّجه [شمالًا] كذلك) انتهى فهُو عندهُم مِن الطَّرفَين يتَّجه [شمالًا] ومثل هذا لا يكون في الجهات الأصليَّة الَّتي يعتمدها المُسلم في توجُّهه إلى القِبلة في صلاته.
22) فإنَّ مِن المعلوم بالضَّرورة أنَّك لو ذهبتَ في جهة ثُمَّ أردتَ أنْ تعود منها فلا بُدَّ أنْ تسلُكَ في الإياب جهة عكس الجهة الَّتي سلكتَها في الذِّهاب؛ ومِن هُنا تعرف أنَّ ما قاله المُخالفون ليس مُعتبَرًا في معرفة القِبلة وإنْ كان صحيحًا في الهندسة بالقياس إلى محور الأرض لا إلى الكعبة.
23) ويمكن بيان فساد قولهم بطريقة أُخرى وهي في إقرارهم (أنَّ ميلان النَّفق عند الوُصول إلى الكعبة إلى الجنوب) لأنَّ كُلَّ خطٍّ مُباشر مُستقيم لن يختلف اتِّجاه مَيَلان آخِره عن اتِّجاه مَيَلان أوَّله ضرورة؛ وكان ينبغي أنْ يُنبِّههُم هذا إلى أنَّ عملهُم لا يتعلَّق بمعرفة اتِّجاه القِبلة.
24) وعليه؛ فإنْ ذهبتَ مِن مكَّة إلى مُونتريال في خطٍّ مُباشر مُستقيم بسُلوك جهة الشَّمال فقد استحال أنْ تعود أدراجك إلى نُقطة الانطلاق في خطٍّ مُباشر مُستقيم بسُلوك جهة الشَّمال؛ بل لا بُدَّ مِن سُلوك جهة مُعاكسة للشَّمال ألَا وهي الجنوب.. فظهر فساد ما قاله المُخالفون.
– انظر الرَّسم البيانيَّ التَّقريبيَّ [(6)] في المُرفق.
يتبع –
Jun 23, 2020, 1:53 PM
الخُروج مِن النَّفق <5>
حول اتِّجاه القِبلة في أميركا الشَّماليَّة
الشَّمال والجنوب لا يكونانِ على خطِّ عرض واحد
الفوق والتَّحت لا يكونانِ على ارتفاع واحد
الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.
17) وأخطأ المُخالفون في تحديد الشَّمال في مُونتريال فاعتبروا نصف الأرض تحتها شمالًا لها: انظر الرَّسم البيانيَّ التَّقريبيَّ [(5)] في المُرفق، وهذا فاسد لأنَّه اتِّجاه مِن خطِّ عرض إلى خطِّ تحته؛ ولأنَّه اتِّجاه إلى نُقطة أبعدَ إلى القُطب الشَّماليِّ، بل هُو في الحقيقة اتِّجاه إلى الجنوب.
18) وخَلَص المُخالفون بهذا الخلط إلى أنَّ الشَّمال التَّحتيَّ والجنوب الفوقيَّ على خطُّ عرض واحد، وفي هذا القول مِن الفساد ما لا يحتاج ردُّه إلى ذكاء لأنَّه عُلِم بالضَّرورة أنَّ الشَّمال والجنوب لا يجتمعانِ على خطِّ عرض واحد وأنَّ الفوق والتَّحت لا يكونانِ في ارتفاع واحد. فتأمَّل!
19) ويُمكنك معرفة الجهات بأنْ تستقبل النَّجم الشَّماليَّ فمَا كان أمامَك فهُو الشَّمال ووراءَك فهُو الجنوب وما كان عن يمينِك فهُو الشَّرق وعن يسارك فهُو الغرب فإذَا علمتَ هذا فقد تأكَّد لك أنَّك لو اتَّجهت إلى خطِّ عرض تحت خطِّ عرض مُونتريال فإنَّك مُتَّجه جنوبًا بلا شكٍّ.
– انظر الرَّسم البيانيَّ التَّقريبيَّ [(4)] في المُرفق.
20) وكُلُّ هذا بالقياس إلى الجهات الأصليَّة وهي ثابتة في اعتبارها ولذلك فإنَّك تجد اتِّجاه النَّفق في الرَّسم مُوافقًا لاتِّجاه مَن يُصلِّي في أميركَا الشَّماليَّة إلى الجنوب الشَّرقيِّ بخلاف مَن توجَّه إلى الشَّمال الشَّرقيِّ فإنَّه أبعدُ إلى جهة الشَّمال بكثير فلا حَول ولا قُوَّة إلَّا بالله العليِّ العظيم.
يتبع –
Jun 22, 2020, 6:56 AM
