حول سطحية التفكير التي أدت بالبعض إلى اعتقاد الشيء ونقيضه في آن معا!
كتب الأستاذ باسل أبو جاموس:
تأخرتُ في هذا المنشور بينَ إقدامٍ وإحجامٍ ولكن لا بدّ من الكلام، وهاكم مقدّمة ومضمونا:
المقدمة:
كلامي ليس عن حُكم الإسلام في الترحّم على الميّت غير المسلم ولكن أتكلّم عن العجب من سطحية التفكير والتناقض العميق الذي يجعلني أفكر: هل هؤلاء حقًا يصدِّقونَ ما يقولون؟ هل ما يُمكِنُ معرفتُهُ بوضوحٍ بخطوتين قصيرتين من التفكير صارَ في هذا الغموض؟ وكما قال المحققون: كل من حادَ عن الصواب لا بُدَّ أن يقعَ في تناقض، ولا أدري هل هؤلاء كلهم متصالحون من أنفسهِم وهم يحملون عقائدَ متضادة أم وصلنا إلى مستوىً من التجهيلِ وغسلِ الأدمغة استعصى معهُ فهمُ الواضِحات؟ أم انحدرَ المقموعونَ ثقافيًّا إلى درجةٍ من الاستعمار الفِكري صارُوا معه يُقَدِّسونَ مبادئ المستعمِرِ ويتمسحونَ بأذيالِ أثوابِهِ ويعتذرونَ لهُ عن كلِّ عقيدَةٍ راسخةٍ لنا لا تعجبه ويرفضون ويؤوّلون ويحرِّفون للوصول إلى أنَّه لا تعارُضَ بين الدين وبين الأفكار المضادة للدين؟ ربّما لا أتعجَّبُ ممَّن ينامُ قريرَ العينِ وهو يعتقِدُ العقيدةَ وضِدَّها بشكل صارخ ولا يرى هذا التضادّ إمّا بسبب هوى النفسِ أو شدة السطحية، كيف نعجبُ بعدَ أن عرفنا أنَّ من كفار قريشٍ من رأى المعجزاتِ عِيانًا ولم يؤمن، والله مقسِّمُ العقول (والاهتمامات).
المضمون:
اتبع الخطوات المبسطة جدًا جدًا بهدوء، على وضوحها فما أكثر من يناقضها:
1. هل تقولُ إنَّكَ تشهدُ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله؟ إن قلتَ نعم، انتقل إلى النقطة 2.
2. اعتقادُ أنَّ محمدًا رسولُ الله يتبعهُ اعتقادُ أنَّ الرسالة التي جاءَ بها محمدٌ هي من عند اللهِ حقًا وأنَّ كلَّ ما جاءَ به حق، تابع إلى النقطة 3.
3. إن ثبتَ عندَكَ أنَّ محمدًا نصَّ على شيءٍ فعليكَ اعتقادُ أنَّهُ حقٌّ لا شكَّ فيه سواءٌ كانَ من أخبارِ الماضي أو المستقبل أو اليوم الآخر أو مصائرِ البشر في الآخرة أو التحليل أو التحريم، إن لم تتفق مع هذه البديهية – وحاشاكَ – فأنتَ لا تعتقدُ أنَّ رسالةَ محمدٍ من عند الله ولستَ مؤمنًا به فارجع إلى النقطة 1 أعلاه وتوقّف عندها طويلًا، وإن كانَت هذه البديهية واضحةً لديكَ فانتقل إلى النقطة 4.
4. ماذا إنْ ناقضَتْ رسالة محمدٍ ميثاق الأممِ المتحدة أو العرف الاجتماعي في مجتمعٍ ما أو موضةً فكريَّةً ما؟ ما هوَ مرجعك المطلق الذي ترفض ما يخالفه؟ فكِّر بالنقاط الأربع أعلاه تجد النتيجةَ واضحَةً إنْ كنتَ صادِقًا في إيمانِك بأنَّ محمدًا رسولٌ من عند الله حقًا، إن بدأتَ بمناقضة نفسكَ هنا فتوقّف حتى تراجعَ نفسك، وإلَّا فتابع القراءة.
5. ولكن يا باسل كل ما تقوله صحيح، ولكن سيدنا محمدًا مات قبل أكثر من 1400 سنة فكيف نؤمن بشيء فقط لأنَّ أحدًا ما زعمَ أنَّ سيدنا محمدًا قاله؟ الجواب: أوَّلًا: هل نحنُ متفقون أنَّكَ تؤمنُ به حقًا فإنْ ثبتَ أنَّهُ قال شيئا فلا شكَّ فيه ولو ناقضهُ غيرُهُ؟ أم أنَّكَ لو تعلَّقتَ بفكرةٍ ما (مثلا فكرة هزّ الذَّنَب للاستعمار الفكري) فسوفَ ترفضُ كُلَّ ما يناقضُها وسوفُ ترفضُ ولو بالعنادِ والمكابرة أنْ يكونَ محمدٌ قد قال عكسها؟ إن كنتَ ممن يُخفي رأسه في التراب بهذه الطريقة فراجع نفسك طويلًا ولا سبيلَ للحوار معك أصلا وأتسائل عن صدقك في الإجابة عن النقطة 1، وأمّا إن تقبَّلتَ أنَّ قولَ محمدٍ هو الحق ولو ناقضَه سواه، فتابع.
6. نعود إلى سؤالك: كيف نعرِفُ أنَّ محمدًا قال ذلك حقًا وليس كلام “شيوخ” على راسهم؟ الجوابُ على هذا يكونُ بحسبِ المسألة، مثلا كثيرٌ من أصول العقائد (مثل اعتقاد مصير الإنسان الميّت بحسب عقيدته إجمالًا) ثابتةٌ في ءايات القرءان الصريحة الثابتة الواضحة، فإن أردتَ التفاصيل عن مسألةٍ معيّنة فانتقِل إلى الرسائل الخاصة، ولكن إن خطر ببالك الخاطر الشيطاني القائل: لويش شاغل حالك بهذا الموضوع وتارك المواضيع المهمة؟ فالجواب جزءٌ منه أن تعود إلى النقطة 1 أعلاه، وجزء منه نوضّحه في النقطة 7.
7. المؤمن بالآخرة والجنة والنار وأنهما لا نهاية لهما ولكلٍّ منهما أناسٌ لا بدَّ أنَّه يرى من المهم معرفة واعتقاد وتطبيق ما يؤدي إلى الجنة واجتناب ما يؤدي إلى النار، واضحة؟ واضحة جدا ولا شك، فإن كان عندك شك في هذه فقد انتهى النقاش لانقلاب أولوياتك وعدم اكتراثك إن أدّى طريقك إلى الجنة أو النار، وتذكر قوله تعالى: “قُل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهُمْ يحسبونَ أنهم يحسنون صُنعا”، وإن كانت واضحةً عندك فتابع:
8. إنْ كان دخول الجنة عندك أولوية فكيف تعتبر أنه من غير المهم أن تعرف إن كانَ قولكَ عبارة معينة بسبب العواطف تؤدي إلى الجنة أم إلى النار؟ إن اعتبرت معرفة حكم العبارة غير مهم فارجع إلى النقطة 7 وتوقف عندها طويلًا، وإن اعتبرتَ أنّ معرفة الحكم مهم وأردت المزيد فانتقل إلى الرسائل الخاصة إن أردت، كلامي عن قولك عبارة معينة يكتبها الملَكان لك أو عليك، على كل حال تابع:
9. ولكن يا باسل أنت تذكر آيات وأحاديث ويوجد شيوخ على النت والتلفزيون يقولون أشياء أخرى وكل صفحة على النت تقول شيئا، فكيف أعرفُ ما نصَّ عليه سيدنا محمد حقًا لأؤمن به؟ هنا على الأقل اتفقنا أنّه من المهم اعتقاد صدق سيدنا محمد، ولكن أجيب على السؤال بسؤالين: (1) هل من المقبول أنَّ الدين جاءَ بحيث كلّ من أراد أن يدّعي ادِّعاءً يزعمُ أنّه من الدين ويصير من الدين أم إنّ بعض هؤلاء على صواب وبعضهم على خطأ؟ أفلا يدلُّ جوابك على النقطة 7 أعلاه على أهميَّة البحث لمعرفة المصيب من المخطئ؟ إن أجبتَ بنعم فيمكنك المتابعة على الخاص، وإلَّا فراجع عقلك وتوقّف طويلًا وأعِد القراءة، (2) هل عندكَ فكرة برأسك (خاصة أفكار هزّ الذنب لبعض الأفكار المعاصرة) وعندك قرار مسبق أن ترفض ءاراء “الشيوخ” الذين يقولون عكسها وتعتبرهم متخلفين وأن تقبل ءاراء “الشيوخ” الذين يوافقون مناهج الاستعمار الفكري ولو كانوا شاذين عقديًا ودون محاكمة علمية بين الرأيين؟ هل مرجعك ما زرعه الغرب من أفكار تسمى بالتسامح ولو خالف الدين أو مرجعك الدين؟ بحسب جوابك إما راسلني على الخاص للتفاصيل إن أحببت أو راجع نفسك في صدق جوابك على النقطة 1 في أعماق نفسك. على كل حال تابع القراءة.
10. لو قيل لك: هل أنت تملك الجنة والنار حتى توزّع الناس عليهما وهل أنت تحجر على رحمة الله؟ فالجواب: مالك الجنة والنار هو الله، والله له أن يدخل الجنة من يشاء والنار من يشاء، والله أخبرنا بالنصوص الصريحات الواضحات (التي تقولُ إنك تؤمن بها إن كنت وصلت النقطة 4 أعلاه) بأصناف من الناس أراد لهم بإرادته وفضله دخول الجنة وأصناف من الناس أراد لهم بإرادته وعدله دخول النار، والله مستحيلٌ عليه الكذب في الوعد والوعيد، فمن قال بعد أن ثبت له نص الله فيهم غير ذلك أو شكّ فيه فإنما ينكر أو يشك في صدق الله، المؤمن لا يشك في صدق الله ويقول ما يقوله الله، ليس لأنّ المسلم يملك الجنة والنار بل لأنه يؤمن بصدق الله، ومن يقول: يا أخي خلي الخلق للخالق وما شاكلها من العبارات على معنى أننا ممنوع علينا أن نقول ما قاله الله، فإنما ذلك إما عن شك في صدق الله (فلا يكون جوابه عن النقطة 1 أعلاه مخلصًا) أو عن جهلٍ بما نصّ الله عليه (فليتعلَّم قبل أن يتكلم) أو عن إهمال (فتكون أولوياته ليس كما ذكرنا في النقطة 7 أعلاه).
