حُكم النَّظر في التِّلفزيون
بيان عورة المرأة وحُكم النَّظر إلى صورتها الشَّمسيَّة
الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.
مُقدِّمة في بيان عورة المرأة
1
وبعدُ فاعلم أنَّ عورة المرأة أمام الرَّجُل الأجنبيِّ جميع بدنها سوَى وجهها وكفَّيها فيجوز لها أنْ تخرُج مِن بيتها كاشفة وجهها إجماعًا؛ وقد نقل هذا الإجماع غير واحد مِن العُلماء منهُمُ ابن حجر الهيتميُّ في كتابَيه [الفتاوَى الكُبرَى] و[حاشية شرح الإيضاح على مناسك الحجِّ للنَّوويِّ].
2
وعليه فإنَّ النَّظر في عَورة المرأة (حرام) ولو لم يكُن بشهوة، وأمَّا النَّظر إلى وجهها وكفَّيها بغير شهوة فجائز؛ ويُسَنُّ للمرأة تغطية وجهها. روَى التِّرمذيُّ حديث: <المرأة عَورة فإذا خرجت استشرفها الشَّيطان> وزاد البزَّار: <وأقرب ما تكون مِن وجه رَبِّها وهي في قعر بيتها> انتهَى.
حُكم النَّظر في التِّلفزيون
3
وأمَّا النَّظر في التِّلفزيون إلى الأفلام والمُسلسلات العربيَّة وغيرها فإنِ اقترن بمعصية فهُو حرام وإنْ لم يقترن بمعصية فلا يكون حرامًا، وكان بعض مشايخنا يوصي المُريدين بعدم إدخال التِّلفزيون إلى بيوتهم؛ وهذا شيء يستغربه النَّاس اليوم لأنَّهُم اعتادوا خلافه كما لا يخفَى.
4
وحضرتُ في مسجد بطرابُلُس مجلسًا للشَّيخ سمير القاضي سُئِلَ فيه عن التِّلفزيون فقال يحرُم استعمالُه في معصية وإلَّا فلا.. ونصح بتركه؛ فسأله رجُل عاميٌّ إنْ كان في بيته تلفزيون؟ فأجابه الشَّيخ بـ(لا) ثُمَّ دعاه لمُعاينة ذلك بنفسه؛ ورأيتُ أمارات الدَّهشة على وجه الرَّجُل إثر ذلك.
النَّظر إلى التِّلفزيون يُقسِّي القلب
5
وكان الشَّيخ عبدالله الهرريُّ رحمه الله ورضي عنه يوصي بترك النَّظر في التِّلفزيون فقال: <الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنَامُ بَعْدَ العِشَاءِ بَعْدَ بَعْضِ الذِّكْرِ ثُمَّ يَقُومُ لَمَّا يَصْرُخُ الدِّيكُ؛ الدِّيكُ يَصْرُخُ عِنْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ؛ يَقُومُ (الرَّسُولُ) وَيُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ؛ ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي؛ ثُمَّ يُصَلِّي الفَجْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ. اليَوْمَ عَادَةُ المُسْلِمِينَ تَخْتَلِفُ عَن عَادَةِ الرَّسُولِ. النَّظَرُ إلى التّلْفِزيُون يُقَسِّي القَلْبَ. التَّهَجُّدُ أَفْضَلُهُ فِي النِّصْفِ الأَخِيرِ مِن اللَّيْلِ، مَن شَاءَ يَتَهَجَّدُ النِّصْفَ الأَخِيرَ كُلَّهُ ومَن شَاءَ أَوَّلَ اللَّيْلِ يَنَامُ ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ يُصَلِّي وَيُصَلِّي الصُّبْحَ أَوَّلَ الوَقْتِ، هذَا أَحْسَنُ. يَقْرَأُ لِيَسْتَيْقِظَ ءَاخِرَ خَمْسِ ءَاياتٍ مِن سُوْرَةِ الكَهْفِ> انتهَى.
القلب المُتيقِّظ للآخرة لا يلتفت للتِّلفزيون
6
وقال الشَّيخ عبدالله الهرريُّ رحمه الله ورضي عنه موصيًا بترك النَّظر في التِّلفزيون كذلك: <السَّهَرُ إلى مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ بِلَا فَائِدَةٍ لَا خَيْرَ فِيهِ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ يُفَوِّتُ قِيَامَ اللَّيْلِ وَصَلَاةَ الصُّبْحِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، مَا هذِهِ الغَفْلَةُ! أَلَا يُفَكِّرُونَ أنَّهُمْ ذَاهِبُونَ إلى القَبْرِ الَّذِي هُوَ بَيْتُ الدُّودِ وَبَيْتُ الوَحْدَةِ والوَحْشَةِ؟! كَيْفَ يُنَوَّرُ القَبْرُ، القَبْرُ يُنَوَّرُ بِصَلاةِ التَهَجُّدِ. المُتَهَجِّدُونَ عَلَى السُّنَّةِ قُبُورُهُم مُنَوَّرَةٌ. القَلْبُ المُتَيَقِّظُ لِلْآخِرَةِ لَا يَلْتَفِتُ لِلتّلْفِزيُونِ، إِنَّ كَانَ هُنَاكَ أَمْرٌ مُهِمٌّ للاسْتِمَاعِ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الأَوْقَاتِ يَسْتَمِعُونَ وَيُتْرَكُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ> انتهَى.
7
ونحن نقول: لا تنظُروا في تلك الأفلام العربيَّة ولا في غيرها ولو بلا شهوة، ونقول: “قيام اللَّيل وصلاة التَّهجُّد أحسنُ مِن السَّهر على مُشاهدة التِّلفزيون بكُلِّ حال” وقولُنا: (مُشاهدة التِّلفزيون جائزة بشُروط) نقولُه مِن باب ضرورة بيان حُكم الدِّين لا دعوة إلى مُشاهدة التِّلفزيون.
8
فنحن نقول: (الزَّكاة في العُملة الورقيَّة ليس واجبًا عند الشَّافعيِّ) ولا ندعو إلى ترك الزَّكاة فيها.. ونقول: (إنَّ النَّوم في الشَّوارع جائز) ولا يفهم أحد مِن ذلك دعوة النَّاس إلى النَّوم في الشَّوارع.. ونقول: (إنَّ الطَّلاق جائز) ولكنَّنا ندعو إلى ترك الطَّلاق ما لم تدعُ إلى ذلك ضرورة.
9
والخُلاصة أنَّ ما يُبَثُّ على التِّلفزيون مِن أفلام ومُسلسلات عربيَّة اجتماعيَّة وكوميديَّة وتاريخيَّة هي أفلام لا تخلو مِن مشاهد خِلاعيَّة أي تحتوي على تصوير ما يُنافي المُروءة والحياء مِن كشف العورات وشُرب الخُمور وتشجيع النَّاس على اقتراف الذُّنوب والعياذ بالله تعالَى.
10
وعن هذه الأفلام الخِلاعيَّة -لا عن غيرها- سُئِل شيخُنا الهرريُّ؛ فأفتَى بحُرمة مُشاهدتها مع الشَّهوة، ولم يُسأل عن ما يُسمَّى (الأفلام الإباحيَّة)؛ وسُئِلَ عن هذه الأخيرة الشَّيخ (علي جُمعة) مُفتي مصر فأجاب بأنَّها لا تحرُم لذات النَّظر وتحرُم بقيد الفتنة لا مُطلَقًا وسيأتي كلامُه.
11
وأجاب شيخُنا بأنَّ النَّظر في التِّلفزيون له حُكم النَّظر فيما ينعكس في الماء ونحوه فيحرُم مع الشَّهوة، وهُو جواب مُوافق لفتوَى الشَّيخ (عطيَّة صقر) والشَّيخ (علي جُمعة)؛ والأَولَى ترك مُشاهدة التِّلفزيون حتَّى لمَن كان لا تتحرَّك عنده الشَّهوة المُحرَّمة ولا تُحدِّثُه نفسُه بالحرام.
12
وقد أفادني بعض مَن رافق الشَّيخ قديمًا أنَّ الشَّيخ ما كان يعلم شيئًا عمَّا يُسمَّى بالأفلام الإباحيَّة وقتَ سُئل ما تقدَّم بيانُه ثُمَّ بيَّنوا له بعد ذلك؛ ومَن عاشر الشَّيخ عبدالله رحمه الله علم أنَّه كان ينصح النَّاس بترك النَّظر في التِّلفزيون كُلِّه؛ والمُنصف يشهد بما عاينه مِن زُهده وتقواه.
13
ويُناسب التَّنبيه إلى أنَّ شراء تلك الأفلام والمُسلسلات وبذل المال فيها حرام مِن الكبائر كما أفتَى الشَّيخ عبدالله الهرريُّ رحمه الله ورضي عنه لأنَّه بذل للمال فيما لا منفعة ظاهرة فيه؛ وكُلُّ هذا الكلام في الأفلام الَّتي تحتوي مشاهد خِلاعيَّة تحثُّ على ترك الحياء وكشف العورات.
14
وأمَّا عن النَّظر إلى الصُّورة الشَّمسيَّة للمرأة المُعيَّنة أو إلى انعكاس صُورتها في المرآة ونحوها فيرَى الشَّيخ (عطيَّة صقر) رئيس لجنة الإفتاء في الأزهر أنَّه حرام إنْ كان بشهوة باتِّفاق الجميع فإنْ لم يكُن بشهوة فلا يحرُم كما في [فتاوَى دار الإفتاء المصريَّة ج/10 – ص/133].
15
قال الشَّيخ عطيَّة صقر: <أمَّا النَّظر إلى الصُّورة فقد مثَّل لها القُدامَى بالنَّظر إلى صورتها في المرآة أو في المياه؛ واختلفوا في قياس الصُّورة على الأصل وعدم قياسها؛ بناء على تصوُّرهم أنَّ الرُّؤية
1- تحصُل مِن أشعَّة خارجة مِن العَين أو –
2- أشعَّة مُنعكسة مِن المرئيِّ على العَين –
والثَّاني هُو الرَّأي الصَّحيح الَّذي أثبته العلم. ومهما يكُن مِن شيء فإنَّ صورة المرأة لا يجوز النَّظر إليها بشهوة باتِّفاق الجميع كما لا يجوز النَّظر إلى أيِّ شيء يُثير الفتنة لأنَّ حكمة التَّشريع موجودة في الأصل والصُّورة. وتشتدُّ الحُرمة إذا كان النَّظر إليها في الصُّوَر المُتحرِّكة فإنَّها لا تقلُّ فتنة عن النَّظر إلى الأصل إنْ لم تكُن أقوَى وبخاصَّة في الأوضاع الَّتي لا تليق ذوقًا وشرعًا. يقول الشَّيخ طه حبيب عُضو المحكمة العُليَا الشَّرعيَّة سابقًا ما نصُّه: والَّذي تسكُن إليه النُّفوس ويطمئنُّ له القلب هُو أنَّ النَّظر إلى المرأة الأجنبيَّة إنَّما كان مُحرَّمًا بسبب أنَّه داعٍ وذريعة إلى الوُقوع فيما هُو أشدُّ منه حُرمة وهُو الوُقوع في المعصية الكُبرَى وعليه فالنَّظر إلى المرأة الأجنبيَّة المُعيَّنة بواسطة المِرآة بقصد الشَّهوة غير جائز لأنَّه ذريعة إلى مُحرَّم وكُلُّ ما كان كذلك فهُو حرام سواء أكان ذلك مُباشرة أم بواسطة المرآة انتهَى [مجلَّة الأزهر المُجلَّد الثَّالث صفحة 393]> انتهَى كلام الشَّيخ عطيَّة صقر.
جواب ابن حجر الهيتميِّ الفقيه الشَّافعيِّ
16
وقال ابن حجر الهيتميُّ المُتوفَّى 974 للهجرة في [تُحفة المُحتاج]: <فَلَا يَحْرُمُ نَظَرُهُ فِي نَحْوِ مِرْآةٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ “لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِرُؤْيَتِهَا لَمْ يَحْنَثْ بِرُؤْيَةِ خَيَالِهَا فِي نَحْوِ مِرْآةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهَا” وَمَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَخْشَ فِتْنَةً وَلَا شَهْوَةً> انتهَى.
17
والشَّيخ الهرريُّ لم يزد على فتوَى ابن حجر هذه شيئًا ويكفي قول ابن حجر: <كَمَا أَفْتَى بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ> ليدُلَّك على أنَّ هذه الفتوَى عليها جُملة مِن العُلماء؛ وشيخُنا الهرريُّ مُوافق لعُلماء أهل السُّنَّة والجماعة فطعن أهل الفتنة به طعن بكُلِّ مَن نصَّ على هذه المسألة مِن العُلماء.
تنبيه
18
وأخطأ كاتب الموسوعة الكُويتيَّة بقوله: (وعند الشَّافعيَّة لا يحرُم النَّظر ولو بشهوة في الماء أو المرآة قالوا لأنَّ هذا مُجرَّد خيال امرأة وليس امرأة) [1] فنقلُه باطل أخذه ممَّا في حاشيتَي (قليوبي – عمَيرة) ونصُّه: <وخرج به رُؤية الصُّورة في الماء أو في المرآة فلا يحرُم ولو مع شهوة> انتهَى.
19
وهذا الغلط توهَّموه مِن قول بعضهم: “إنَّ نظر الرَّجُل إلى فرج امرأة بشهوة (يُحرِّم) عليه الزِّواج مِن ابنتها وأُمِّها؛ ولو نظر إلى صورته في مرآة أو ماء ولو بشهوة (لا يُحرِّم) لأنَّه رأَى عكسه لا عينه” فبدَّل الغالطون (لا يُحرِّم) إلى (لا يَحرُم) فنشأ الغلط في بعض حواشي المُتأخِّرين.
جواب الشَّيخ (علي جُمعة) مُفتي مصر الأسبق
20
وسُئل الشَّيخ (علي جُمعة) مُفتي مصر عن حُكم النَّظر إلى الصُّورة الشَّمسيَّة للمرأة أو إلى المرآة: هل هُو مُماثل للنَّظر إلى الذَّات؟ فقال: <الأئمَّة الأربعة يقولون لا ليس مُماثلا فهناك فرق بين ما هُو مُنعكس في الماء أو ما هُو مُنعكس في المرآة وبين الذَّات> إلخ..
21
وبيَّن (علي جُمعة) أنَّ جوابه منصوص ابن نُجيم والبُجيرميِّ ومنصوص في [مذاهب] الأئمَّة الأربعة لكنَّه نبَّه إلى أنَّ هذا لا يعني إباحة النَّظر في ما يُسمَّى الأفلام الإباحيَّة مُطلَقًا وبيَّن أنَّ حُرمة مشاهدتها ليس لأجل ذات النَّظر وإنَّما التَّحريم عنده لأجل الفتنة المُلازمة للنَّظر لا مُطلَقًا [2].
جواب الشَّيخ نبيل الشَّريف الحُسينيِّ
22
وقال الشَّيخ نبيل الشَّريف الحُسينيُّ: <الفُقهاء يقولون صورة المرأة في الماء إذا نظر إليها الشَّخص بغير شهوة ليس حرامًا؛ نصُّوا على ذلك؛ ولكن بعض العُلماء يقولون إذا نظر الشَّخص إلى صورتها وهي كاشفة العورة لا يجوز له ذلك.. هذا قول لبعض العُلماء> انتهَى.
أهل الفتنة وما يُسمَّى الأفلام الإباحيَّة
23
وخلط أهل الفتنة فتخيَّلوا أنَّ الأفلام الخِلاعيَّة المُراد بها ما يُسمَّى بالأفلام الإباحيَّة! ولا أدري لماذا ذهبوا إلى ذلك الظَّنِّ إنْ لم تكُن تلك الأفلام البشعة تحوز على اهتمامهم؛ وهُم مُضطربون في المسألة فقد قبلوا فتوَى الشَّيخ (علي جُمعة) وأنكروا فحواها وهذا يدُلُّ أنَّهُم ما فهموها!
24
وأهل الفتنة يزعُمون أنَّ التَّفصيل في مُشاهدة التِّلفزيون دعوة لمُشاهدة الأفلام البشعة ورضًى بأنْ يشاهدها الأهل! وهُم كانوا يعتقدون التَّفصيل المذكور مِن قبلُ فهل يتَّهم أهل الفتنة أنفسهُم وأهاليَهُم بأنَّهُم كانوا يرضون لأبنائهم وبناتهم وزوجاتهم بمثل ما يتَّهمون به الآخرين اليوم!؟
بيان حُكم الشَّرع ليس دعوة إلى مُخالفته
25
ثُمَّ إنَّ بيان حُكم الشَّرع يقف عند تحقيقه وتحريره؛ فإنْ قال عالِم إنَّه يجوز للرَّجُل النَّظر إلى ما ليس بعورة إنْ كان ضامنًا أنَّه لا تُصيبه فتنة ولا تُحدِّثُه نفسه بالحرام؛ فلا يجوز إنكار قوله لمُجرَّد إقبال العُصاة على ذلك الفعل بوجهٍ نصَّ العالِم المذكور نفسُه على كونه ممنوعًا مُحرَّمًا.
26
ونحن نتَّبع الشَّرع ولا نُشرِّع مِن تلقاء أنفسنا وآرائنا؛ ويحرُم أنْ يُنكر العاميُّ على العُلماء المُجتهدين مسألة لمُجرَّد أنَّه لم يفهم تحقيقها شرعًا؛ فهذه الأَمَة المملوكة عورتُها ما بين سُرَّة ورُكبة فهل لو بيَّن أحد حُكم الشَّرع في عورتها يصير داعيًا إلى النَّظر في غير عورتها بشهوة!؟
27
وهذا أبو القاسم الرَّافعيُّ يقول في [المُحرَّر في فقه الشَّافعيِّ]: <والأصحُّ حلُّ النَّظر بلا شهوةٍ إلى الأَمَة إلَّا ما بين سُرَّةٍ ورُكبة> انتهَى ومعلوم أنَّ الإماء كان فيهنَّ حسناوات؛ فلو نظر رجُل إلى سِوَى ما بين سُرَّة أَمَة ورُكبتها (بشهوة) هل يصير الرَّافعيُّ بذلك داعيًا إلى المُجون!؟
28
وخالف النَّوويُّ الرَّافعيَّ فقال [النَّوويُّ]: <والأصحُّ عند المُحقِّقين أنَّ الأَمَة كالحُرَّة> انتهَى وتعقَّبه البُلقينيُّ فقال: <وما ادَّعاه المُصنِّف [النَّوويُّ] أنَّه الأصحُّ عند المُحقِّقين لا يُعرف وهُو شاذٌّ مُخالف لإطلاق نَصِّ الشَّافعيِّ في عَورة الأَمَة ومُخالف لِمَا عليه جُمهور أصحابه> [3] انتهَى.
29
فهل يتَّهم أهلُ الفتنة الإمامَين الرَّافعيَّ والبُلقينيَّ على جلالة قدرَيهما بالدَّعوة إلى المُجون والرَّذيلة والفسق والفجور لأنَّهُما قرَّرا وصحَّحَا حُكم نظر الرَّجُل بلا شهوة إلى ما سوَى ما بين سُرَّة ورُكبة الأَمَة المملوكة أم يُشكَران على ما قدَّماه مِن بيان حُكم الشَّرع في هذه المسألة؟
30
والخُلاصة أنَّ ما ينعكس في الماء والمرايا مِن خيالات صور النِّساء يحرُم النَّظر فيه بشهوة؛ وقال فُقهاء مِن المذاهب الأربعة إنَّ النَّظر فيما ينعكس مِن صُور الذَّات يختلف عن النَّظر في حقيقة الذَّات؛ والخيال ليس حقيقة العورة.. والعبرة بدليل الشَّرع لا بآراء الجَهَلَة المُتصَولحة.
31
وأما إسقاط أهل الفتنة لحُكم هذه المسألة على ما يُسمَّى بالأفلام الإباحيَّة دون قيد ولا شرط فهذا مِن كيسهم وافترائهم ووقاحتهم؛ وهذه أقوال عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة قد بسطناها في هذا المقال لمَن كان له قلب؛ وأمَّا المُجرمون المُفترون فلهُمُ الخزي في الدُّنيا ويوم القيامة.
نهاية المقال.
[1]: الموسوعة الفقهيَّة الكُويتيَّة ج/12 – ص/123.
[2]: رابط فيديو الشَّيخ (علي جُمعة) في المُداخلات على البوست.
[3]: [مُغني المُحتاج] للخطيب الشِّربينيِّ.
Sep 24, 2021, 7:12 AM
