ما لم يُجب عليه المُخالفون في مسألة اتِّجاه القِبلة في أميركَا الشَّماليَّة
الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.
وبعدُ ففيما يلي تعداد للنُّقاط الَّتي لم يُجب عليها المُخالفون في مسألة اتِّجاه القِبلة في أميركَا الشَّماليَّة:
1) في أنَّ مطلوب الشَّرع الجهة لا أقصر الطُّرُق
في قول الله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي جهته كما قال المُفسِّرون، فالمطلوب في استقبال القِبلة الجهة لا أقصر الطُّرُق في المسير إليها، ولم يجد المُخالفون نصًّا واحدًا فيه أنَّ العبرة بأقصر الطُّرُق. فهذا المُستند كان أوَّل ما عجز المُخالفون عن الجواب عليه.
ونقل ابنُ نُجَيم مِن الحنفيَّة الإجماع على أنَّ <الواجب في حقِّ الغائب هُو الجهة> انتهى. وقال أبو حيَّان في [البحر المُحيط]: <القِبلة الجهة الَّتي يستقبلها الإنسان> انتهى. وقال أبو إسحق الشِّيرازيُّ الشَّافعيُّ في [المُهذَّب]: <فإنْ كان غائبًا عن مكَّة اجتهد في طلب القِبلة> إلخ.
وقال ابنُ قُدامةَ في [المُغني]: <وأوثق أدلَّتها النُّجوم> وقال: <وآكَدُها القُطب الشَّماليُّ> اهـ. ومثلُه ذكرَ البُهوتيُّ الحنبليُّ في [كشَّاف القناع]. وقال ابن ميارة المالكيُّ عمَّن ليس في الحجاز: <عليه أنْ يستدلَّ على القِبلة بالنُّجوم وما يجري بمجراها> وقال: <ولا خلاف في ذلك> أي إجماع.
2) في أنَّ المُعتبر هُو الدِّلالات الَّتي جعلها الله لنا
وفي قوله تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}. وقال الشَّافعيُّ: <كان معقولًا عن الله عزَّ وجلَّ أنَّه يأمُرُهُم بتولية وُجوههم شطره بطلب الدَّلائل عليه لا بما استحسنوا ولا بما سنح في قلوبهم ولا خطر على أوهامهم بلا دلالة جعلها الله لهُم لأنَّه قضى أنْ لا يترُكَهُم سدًى> انتهى.
وكلام الإمام الشَّافعيِّ صريح في أنَّ المُعتبَر ما جعله الله دلالة لنا؛ فلم يستطع المُخالفون نقل نصٍّ واحد فيه أنَّ الهندسة والحساب مُعتبرانِ في الدِّلالة لمَن أراد الاجتهاد في معرفة القِبلة لمَن أراد الصَّلاة، فلماذَا التَّمسُّك بما خالف دلالات الشَّرع وقد جعلها الله تعالى لنا!؟
3) في أنَّ الاجتهاد يكون على الأدلَّة المنصوبة لمعرفة القِبلة
فقد ورد في الحديث النَّبويِّ الشَّريف ما نصُّه: <إنَّ خِيارَ عباد الله الَّذين يُراعون الشَّمسَ والقمرَ والنُّجومَ والأظلَّةَ لذكرِ الله> رواه الطَّبرانيُّ فمَا تعلَّق بذكر الله وبالصَّلاة فإنَّ الدِّلالة الموضوعة له في الشَّرع الشَّمس والقمر والنُّجوم والأظلَّة وليس علم الفلك والحسابات الهندسيَّة.
وقال شهاب الدِّين القرافيُّ في [الذَّخيرة] في باب الاجتهاد في القِبلة: <لَيْسَ الِاجْتِهَادُ بَذْلَ الْجُهْدِ كَيْفَ كَانَ بَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ الْأَدِلَّةِ الْمَنْصُوبَةِ عَلَى الْكَعْبَةِ فَمَنِ اجْتَهَدَ فِي غَيْرِهَا فَلَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ كَمَا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِغَيْرِ أَدِلَّتِهَا الْمَنْصُوبَةِ عَلَيْهَا لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ> انتهى.
4) في أنَّه لا يصحُّ الاجتهاد إلَّا بأدلَّة القِبلة
وهذه هي أدلَّة القِبلة في الشَّرع فلا يجوز الاجتهاد بغيرها ولهذا قال النَّوويُّ في [المجموع]: <ولا يصحُّ الاجتهاد إلَّا بأدلَّة القِبلة وهي كثيرة وفيها كُتُب مُصنَّفة وأضعفها الرِّياح لاختلافها وأقواها القُطب وهُو نجم صغير في بنات نعش الصُّغرى بين الفرقدَين والجَدي> ومثله قال الحصنيُّ.
وفي [حاشية] ابن عابدين الحنفيِّ تعليقًا على قول المتن: (فُتبصَرُ وتُعرَف بالدَّليل، وهُو في القُرى والأمصار محاريب الصَّحابة والتَّابعين وفي المفاوز والبحار النُّجوم كالقُطب) ما نصُّه: <قوله: (كالقُطب) هُو أقوى الأدلَّة> انتهى وفي [الحاشية]: <ولا يخفى أنَّ أقوى الأدلَّة النُّجوم> انتهى.
5) في الإجماع على أنَّ الجنوب قِبلة أهل الشَّمال
ولم يستطع المُخالفون الجواب على الإجماع الفعليِّ عند المُسلمين في أنَّ الجنوب قِبلة أهل الشَّمال فحاولوا إنكار الإجماع المذكور بنقل كلام للرَّازيِّ مِن [المحصول] فنقلنا كامل كلام الرَّازيِّ وشرحَه للقرافيِّ فتبيَّن أنَّه لا يتحمَّل المعنى المغلوط الَّذي حاول المُخالفون حمله عليه.
قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: <المشرق قِبلة أهل المغرب، والمغرب قِبلة أهل المشرق، والشَّمال قبلة أهل الجنوب، والجنوب قِبلة أهل الشَّمال> انتهى. ونقله الزَّيلعيُّ في [تبيين الحقائق] وذكر مثله في [الفتاوى الخيريَّة]؛ فتبيَّن فساد قول مَن قال إنَّ قِبلة أهل الشَّمال إلى الشَّمال.
وليت شعري كيف يستقيم في عقول المُخالفين أنْ يكون الشَّمال قِبلة أهل الشَّمال! وكيف استقام في أذهانهم أنْ يستقبلوا شمالهُم في التَّوجُّه إلى ما هُو في جنوبهم! وقد حاروا في ردِّ هذا المُستند الشَّرعيِّ ولم يجدوا إلى ذلك سبيلًا وكان يجب عليهم الوقوف عند إجماع المُسلمين.
6) في أنَّ العبرة بإجماع الفُقهاء لا بقول أهل الفلك
وقد ألزمنا المُخالفين كذلك بأنَّ العبرة بالإجماع في هذه المسألة إجماع الفُقهاء لأنَّ الاتِّجاه إلى القِبلة مُتعلِّق بالشَّرع فيُعتمد فيه على أدلَّة الشَّرع؛ أمَّا الفلكيُّ فغاية أمره معرفة اتِّجاه الطُّرُق والمسارات ولكنَّه ليس حُجَّة في تعيين الطَّريقة الشَّرعيَّة المُعتبرة بينها في استقبال القِبلة.
7) في تحريم أنْ تُجعل الآلة حاكمة على الأدلَّة الشَّرعيَّة
وعجز المُخالفون عن ردِّ قول الفُقهاء في تحريم أنْ تُجعل الآلة حاكمة على الأدلَّة الشَّرعيَّة في معرفة القِبلة ونقلنا لهُم ما جاء في [المعيار المُعرب والجامع المُغرب] للونشريسيِّ ونصُّه التَّالي: <ولا يجوز أنْ تُجعل حاكمة على الأدلَّة الشَّرعيَّة> انتهى؛ فعجزوا عن الجواب على كلامه.
8) في عدم اعتبار الفُقهاء لعمل أهل الحساب
وعجزوا كذلك عن ردِّ قول الفُقهاء في عدم اعتبار عمل أهل الحساب إذَا تعلَّق الأمر بحُكم شرعيٍّ ونقلنا لهُم قول الونشريسيِّ: <لأنَّ اتِّفاق أهل الحساب لا عبرة بهم لعدم وُرود الشَّريعة المُحمَّديَّة بطريقتهم في استخراج القِبلة> انتهى؛ فلم يستطيعوا الجواب على هذا المُستند.
9) في منع القول بتضارُب أدلَّة القِبلة
وقد ألزمنا المُخالفين بأنَّ قولهم مُؤدَّاه القول بتضارُب أدلَّة القِبلة وهُو مردود عند الفُقهاء ومنهُمُ القرافيُّ حيث قال في [الذَّخيرة] في باب [الاجتهاد في القِبلة]: <وَأَمَّا أَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهَا فَمَنْ عَلِمَ جُمْلَتَهَا كَمَنْ عَلِمَ وَاحِدًا مِنْهَا> انتهى فعجز المُخالفون كذلك عن الجواب.
10) في أنَّ النَّجم القطبيَّ هُو أقوى الأدلَّة
وعجز المُخالفون كذلك عن ردِّ قول الفُقهاء في أنَّ النَّجم القُطبيَّ هُو أقوى الأدلَّة الشَّرعيَّة في معرفة اتِّجاه القِبلة وذلك لأنَّه يُلازم مكانه مِن كُلِّ بلد في كُلِّ وقت مع كونه كافيًا في هدم دعوتهم إلى التَّوجُّه إلى الشَّمال الشَّرقيِّ في البلاد الَّتي تقع إلى الشَّمال الغربيِّ مِن مكَّة المُكرَّمة.
ففي [حاشيتَي قليوبي وعميرة]: <وَهُوَ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ وَأَعَمُّهَا لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ لِمُلَازَمَتِهِ مَكَانَهُ، فَيُجْعَلُ فِي الْيَمَنِ قُبَالَةَ الْوَجْهِ، وَفِي نَحْوِ الشَّامِ خَلْفَ الظَّهْرِ، وَفِي نَحْوِ الْعِرَاقِ خَلْفَ الْأُذُنِ الْيُمْنَى، وَفِي نَحْوِ مِصْرَ خَلْفَ الْأُذُنِ الْيُسْرَى> انتهى ولم يستطيعوا الجواب عليه.
وقال الإمام الغزاليُّ في [الإحياء]: <فعليه أنْ يُراعي موضع القُطب وهُو الكوكب الَّذي يُقال له الجدي فإنَّه كوكب كالثَّابت لا تظهر حركتُه عن موضعه وذلك إمَّا أنْ يكون على قفَا المُستقبِل أو على منكِبه الأيمن مِن ظهره أو منكِبه الأيسر في البلاد الشَّماليَّة مِن مكَّة> انتهى.
وقال رحمه الله: <فينبغي أنْ يسأل أهل البصيرة أو يُراقب هذه الكواكب وهُو مُستقبلٌ محرابَ جامع البلد حتَّى يتَّضح له ذلك فمهمَا تعلَّم هذه الأدلَّة فله أنْ يُعوِّل عليها فإنْ بان له أنَّه أخطأ مِن جهة القِبلة إلى جهة أُخرى مِن الجهات الأربع فينبغي أنْ يقضي> انتهى وهُو بَيِّنٌ واضح.
11) في أنَّ تعامد الشَّمس لا يُعتبَر في البلاد البعيدة عن مكَّة
وعجز المُخالفون كذلك عن نصٍّ واحد فيه أنَّ تعامُد الشَّمس فوق الكعبة المُشرَّفة يصلُح للقياس عليه في معرفة اتِّجاه القِبلة في البلاد البعيدة عن مكَّة وأنَّ لازم قولهم بالتَّعامُد في تلك البلاد تضارُب الأدلَّة وهذا التَّضارب في الأدلَّة مردود على لسان فُقهاء أهل السُّنَّة كما سبق بيانه.
12) في أنَّ تكليف العامَّة بالهندسة فيه حرج ليس في ديننا
وقال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} فالهندسة فضلًا عن كونها لا تُثبت جهة دون أُخرى فإنَّه لا يُطيقها كُلُّ أحد وتجب الصَّلاة على كُلِّ مُسلم بالغ عاقل طاهر وتكليف العامِّيِّ بتلك الحسابات الهندسيَّة حرج؛ والآية صريحة في أنَّ الله تعالى لم يجعل ذلك في دينِنا.
13) في أنَّه لا يجب اتِّباع الإسطرلاب ولا الطُّرُق الهندسيَّة
قال القرافيُّ: <وَلَا يَجِبُ اتِّبَاعُ الإِسْطِرْلَابِ وَلَا الطُّرُقِ الهندسيَّة بل إِنْ حصلت فَهِيَ حسن لِأَنَّهَا مُؤَكِّدَة للحقِّ لَا مُبطلة لَهُ> انتهى.
وقال: <يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَام: (مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) خَاصًّا بِبَعْضِ الأَقْطَارِ فَإِنَّ اتِّبَاعَ ظَاهِرِهِ يُوجِبُ كَوْنَ الجَنُوبِ وَالشَّمَالِ قِبْلَةً لِكُلِّ أحد وَهُوَ خلاف الإِجْمَاع وَبِأَن المَشْرِقَ وَالمَغْرِبَ لَيْسَا قِبْلَةً لِأَحَدٍ وَهُوَ خِلَافُ الإِجْمَاعِ> انتهى ولاحظ قوله: <وَهُوَ خلاف الإِجْمَاع> انتهى.
وقال القرافيُّ: <بَلْ هُوَ [أي الحديث المذكور آنفًا] مَحْمُولٌ عَلَى المَدِينَةِ وَالشَّامِ وَنَحْوِهِمَا فِي جِهَةِ الجَنُوبِ وَعَلَى اليَمَنِ وَنَحْوِهِ فِي جِهَة الشمَال فَإِنَّ هَذِه الأقطار البَيْتُ مِنْهُمْ فِي هَاتَيْنِ الْجِهَتَيْنِ> انتهى، فلا تُبالِ بمَن أنكر الإجماع لتقديمه -العمل بالحساب ولو خالف دليل الشَّرع-.
14) في موافقتنا لفتاوى شَيخ الأزهر وجامعة الأزهر ومجمع البُحوث الإسلاميَّة
قال شيخ الأزهر في 1414هـ عن اتِّجاه القِبلة في أميركا الشَّماليَّة: <الاتِّجاه الصَّحيح للقِبلة في هذا الموضوع هُو اتِّجاه الجنوب الشَّرقيِّ فإنَّه الامتداد الصَّحيح لخطِّ القِبلة مِن الموقع الَّذي فيه المسجد؛ فأمَّا قصر خطِّ الشَّمال الشَّرقيِّ فذلك يُستخدم في السَّير إليها لا في اتِّخاذه قِبلة> إلخ..
وأصدرت جامعة الأزهر بيانًا جاء فيه: <وعلى ذلك يكون اتِّجاه القِبلة في مدينة مُونتريال هُو بزاوية قدرُها 180 يُطرح منها 58 أي 122 مِن اتِّجاه الشَّمال وهُو الجنوب الشَّرقيُّ. وتفضَّلوا بقَبول وافر التَّحيَّة والسَّلام عليكُم> إلخ.. بتوقيع رئيس جامعة الأزهر أ. د. عبدالفتَّاح حُسيني الشَّيخ.
وفي فتوى مجمع البُحوث الإسلاميَّة – لجنة الفتوى مُؤرَّخة بـ2/7/2015ر جاء التَّالي: <وجهة الكعبة المُعتبَرة هي أقرب طريق مُوصل مِن مكانِ وُقوف المُصلِّي إلى البيت الحرام على اعتبار عدم الموانع الجُغرافيَّة والطَّبيعيَّة وهُو في مسألتنا هذه هُو اتِّجاه الجنوب الشَّرقيِّ> إلخ.
15) في أنَّ كُلَّ بلد عرضه أكثر مِن مكَّة هُو إلى الشَّمال منها
قال العُلماء: المُعتمَد أنَّ البلد إنْ كان طوله أكثر مِن مكَّة فهُو إلى الشَّرق منها وقِبلتُه الغرب؛ وإنْ كان طوله أقلَّ منها فهُو إلى الغرب وقِبلتُه الشَّرق؛ وإنْ كان عرضه أكثر مِن عرض مكَّة فهُو إلى الشَّمال منها وقِبلتُه الجنوب؛ وإنْ كان عرضُه أقلَّ منها فهُو إلى الجنوب وقِبلتُه الشَّمال.
وهذا بإقرار أهل الفلك فإنَّ كُلَّ بلد عرضُه أكثرُ مِن عرض مكَّة فهُو إلى الشَّمال منها فهو إقرار منهُم بأنَّ كندَا والولايات المُتَّحدة إلى الشَّمال مِن مكَّة لأنَّ كُلَّ مدينة في كندَا والولايات المُتَّحدة عرضها أكثر مِن عرض مكَّة؛ وعليه فلا بُدَّ أنْ تكون قِبلة تلك البلاد إلى الجنوب.
16) في إنكارهم الجهات الأربع الأصليَّة
وكُلُّ المُسلمين بلا خلاف على أنَّ نبيَّنا عليه الصَّلاة والسَّلام عُرج به إلى السَّماء ليلةَ المعراج. ونصَّ القُرآن على رفع عيسى عليه السَّلام إليها، وكُلُّ هذا لا يستقيم عند كُلِّ أهل الأرض في كُلِّ وقت بحسب أهل الفَلَك فإنَّ جهة فوق في بعض المعمورة عندهم هي جهة تحت في بعضها الآخر.
17) في إغفالهم دلالات خطوط العرض
وهؤُلاء المُخالفون مع إقرارهم بأنَّ الأرض تُشبه الكُرة إلَّا أنَّهم ينظرون إلى صورة الأرض مِن فوق نُقطة القُطب الشَّماليِّ ثُمَّ يأخُذون بالقياس عليها وكأنَّها مُسطَّحة تمامًا وهُو ما عمله بعض الأصدقاء -هداه الله- في فيديو طويل غلبه فيه الكلام عن المسار فغَفَل عن الجهة.
فلو نظرنا مِن فوق القُطب الشَّماليِّ على أنَّ الأرض مُسطَّحة فمَا يقوله المُخالفون صحيح لأنَّه في تلك الحال لا يكون القُطب الشَّماليُّ ذَا دلالة في الاتِّجاه شمالًا أو جنوبًا بل ستكون الأرض كُلُّها على سطح مُتساوٍ ولكنَّهُم يُصرِّحون بأنَّها تامَّة التَّكوُّر وهذا كافٍ في هدم فكرتهم.
واعتبرنا الخطَّ إلى الجنوب الشَّرقيِّ مُباشِرًا بخلاف الخطِّ إلى الشَّمال الشَّرقيِّ لأنَّ الأوَّل اتِّجاهه واحد إلى الجنوب الشَّرقيِّ مِن أوَّله لآخِره بينما اشتمل الثَّاني على جهتَينِ مُتضادَّتَين إلى الشَّمال الشَّرقيِّ أوَّلًا ثُمَّ إلى الجنوب الشَّرقيِّ أخيرًا وهُما جهتانِ مُتضادَّتانِ والمطلوب جهة واحدة.
18) في أنَّ أقصر الطُّرُق مع عدم الموانع الطبيعيَّة إلى الجنوب الشَّرقيِّ
ومع أنَّه لا اعتبار في الشَّرع لأقصر الطُّرُق إلَّا أنَّه لا يُوافق رأي القائلين بأنَّ القِبلة في أميركا الشَّماليَّة إلى الشَّمال الشَّرقيِّ؛ بل أقصر الطُّرُق إلى الحجاز مع عدم الموانع الطَّبيعيَّة نفقٌ ببطن الأرض إلى <الجنوب الشَّرقيِّ> بحسب الجهات الأصليَّة وهُو يدُلُّ على جهة القِبلة هناك.
وهذه الخُلاصة مِن البديهيَّات الفكريَّة لأنَّ كندَا وأميركا الشَّماليَّة تقع إلى الشَّمال الغربيِّ مِن الحجاز ومكَّة المُكرَّمة؛ وقد علمتَ بالضَّرورة أنَّ كُلَّ نفق بَين بلد شماليٍّ وآخَرَ إلى الجنوب منه -بدون اعتبار الموانع الطَّبيعيَّة والجُغرافيَّة- لا بُدَّ أنْ يكون مَيَلانه إلى الجنوب.
وقد تكلَّم بعضهُم في أنَّه لو قُدِّر وُجود نفق بين مُونتريال ومكَّة المُكرَّمة فإنَّه سيكون مُتَّجهًا إلى الشَّمال الشَّرقيِّ وهذه غفلة عظيمة فحتَّى الهندسة لا تقول ذلك إلَّا بالقياس إلى محور الأرض بينما المطلوب أنْ يكون القياس في الجهة الأصليَّة المُستدلِّ عليها بالنَّجم القُطبيِّ مثلًا.
وممَّا يدُلُّ أنَّ اتِّجاه النَّفق إلى الجنوب:
أ- أنَّ استدبار نجم الشَّمال اتِّجاه إلى الجنوب
ب- أنَّ استقبال خطِّ الاستواء اتِّجاه إلى الجنوب
ت- أنَّ النَّفق يتَّفق في جهته مع الاتِّجاه إلى الجنوب الشَّرقيِّ
ث- أنَّ الشَّمال والجنوب لا يكونانِ على خطِّ عرض واحد
ج- أنَّ الإياب يكون بسُلوك جهة مُعاكسة لجهة الذَّهاب
19) في أنَّ أهل الأهواء أوَّل مَن حرَّف القِبلة في أميركَا
ادَّعى بعضُهُم أنَّ حزب الإخوان والوهَّابيَّة ليسوا أوَّل مَن حرَّف القِبلة في أميركا الشَّماليَّة؛ مُحتجًّا بآراء بعض مَن تكلَّم في الهيئة دون أنْ يكون سمع بوُجود تلك البلاد؛ ولا معنى لكلامه فإنَّ المُسلمين عندما دخلوا تلك البلاد صلُّوا إلى الاتِّجاه الصَّحيح ثُمَّ حرَّف أهلُ الأهواء قِبلتَهُم.
20) خاتمة
وفي الختام فمَا حال المُخالفين في تحريفهم قِبلة المُسلمين في أميركَا الشَّماليَّة وحالهم في إنكارهم القول الصَّحيح المبنيَّ على الدَّلائل الشَّرعيَّة في معرفة القِبلة إلَّا كما قال الشَّاعر:
وكم مِن عائب قولًا صحيحًا وآفتُه مِن الفهم السَّقيمِ
نهاية المقال. Jun 28, 2020, 11:39 AM
