مشروعيَّة الاحتفال بالمولد النَّبويِّ الشَّريف مع أنَّ يوم مولد الرَّسول هُو يوم وفاته
بيان أنَّنا مأمورون بالفرح على النِّعمة منهيُّون عن إظهار التَّفجُّع في البلاء
الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.
وبعدُ فقد روَى مُسلم في صحيحه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم سُئِل عن صوم يوم الاثنين فقال: <ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ> انتهَى وكلام النَّبيِّ يُفهم منه تشريع فعل الطَّاعة شُكرًا لله تعالَى على نِعَمِه العظيمة.
وموت النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الاثنين؛ لم يمنع سُنِّيَّة صومه اليوم لأنَّنا مأمورون بشُكر الله تعالَى على النِّعمة؛ وأمَّا في المصائب والشَّدائد فنحن مأمورون بالصَّبر منهيُّون عن إظهار الجَزَع والتَّفجُّع.
ومَن يُؤمن بالقُرآن الكريم وَجَبَ أنْ يعتقد أنَّ نبيَّنا رحمة؛ قال تعالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} فمَن حرَّم الفرحَ بهذه الرَّحمة واللهُ تعالَى يقول في القُرآن الكريم: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}؟
فمَن علم أنَّنا مأمورون بالفرح وبشُكر الله على النِّعمة منهيُّون عن إظهار الجزَع والتَّفجُّع عند البلاء؛ عَلِمَ أنَّه لا يَصِحُّ أنْ يُقال: (إنَّ تاريخ مولد النَّبيِّ ليس الفرح فيه بأولَى مِن الحُزن لأنَّه مات فيه كذلك).
والنَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام قال: <خَيرُ يوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فيهِ خُلِقَ آدَمُ وفيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وفيه أُخْرِجَ مِنْهَا> رواه مُسلم؛ فانظُر كيف أنَّ خُروج آدم عليه السَّلام مِن الجنَّة يوم الجُمُعة لم يضُرَّ في كون الجُمُعة خيرَ يوم طَلَعَت عليه الشَّمس كما جاء في الحديث.
وقال بعض المحرومين: (إنَّ يوم وفاة النَّبيِّ ثابت أمَّا يوم مولده فغير ثابت؛ فقد جاء أنَّه في ربيع الأوَّل وجاء أنَّه في غيره مِن الشُّهور) انتهَى وهذه شُبهة ضعيفة كفانا العُلماء مُؤنة الرَّدِّ عليها كما سيلي.
قال المُحدِّث الكوثريُّ: <وأنَّ شهر مولده هُو شهر ربيع الأوَّل وذِكْرُ شهرٍ سواه لمَولده عليه السَّلام ليس إلَّا مِن قبيل سبق القلم عند النُّقاد فيدور الخِلاف المُعتدُّ به في تعيين اليوم مِن شهر ربيع الأوَّل أهُو عند انقضاء اليوم الثَّامن أم العاشر أم الثَّاني عشر فلا يَعتدُّون بروايةِ تقدُّمِ مولده عليه السَّلام على تلك الأيَّام ولا برواية تأخُّره عنها لعدم استنادهما على شيء يُلتفت إليه> انتهَى.
فولادة النَّبيِّ عليه السَّلام كانت عام الفيل يوم الاثنين في ربيع الأوَّل بعد ثمانية أيَّام أو في العاشر منه أو في الثَّاني عشر؛ وغلبت عادة المُسلمين على الاحتفال في الثَّاني عشر لأنَّ ولادته لم تتأخَّر عن هذا التَّاريخ عند الجميع فيحتفون به في ليلة لا يبقَى أيُّ خلاف يُعتدُّ به بعدها.
فصار كلُّ شهر ربيع الأوَّل عندهم مَوسمًا لإظهار الفرح بمولده عليه الصَّلاة والسَّلام. يقول ابن الحاجِّ المالكيُّ في [المدخل]: <فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي إذَا دَخَلَ هَذَا الشَّهْرُ الْكَرِيمُ أَنْ يُكَرَّمَ وَيُعَظَّمَ وَيُحْتَرَمَ الِاحْتِرَامَ اللَّائِقَ بِهِ وَذَلِكَ بِالِاتِّبَاعِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَوْنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَخُصُّ الْأَوْقَاتَ الْفَاضِلَةَ بِزِيَادَةِ فِعْلِ الْبِرِّ فِيهَا وَكَثْرَةِ الْخَيْرَاتِ> انتهى وقال: <فَتَعْظِيمُ هَذَا الشَّهْرِ الشَّرِيفِ إنَّمَا يَكُونُ بِزِيَادَةِ الْأَعْمَالِ الزَّاكِيَاتِ فِيهِ وَالصَّدَقَاتِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرُبَاتِ> انتهى.
ولا يُستغرب اختلاف العُلماء في تعيين يوم ولادة النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام؛ لأنَّه وُلد في أُمَّة أُميَّة لا تكتُب ولا تحسب ولا تُؤرِّخ إلَّا بأحداث معروفة عندهُم؛ ولم يكُن بينهم وقتها فُقهاء ومُحدِّثون وحُفَّاظ.
يقول مُحمَّد عِلِّيش المالكيُّ في [القول المُنجِّي على مولد البَرْزَنْجِي]: <ولا زال أهل الإسلام يحتفلون ويهتمُّون بشهر مولده عليه الصَّلاة والسَّلام ويعملون الولائم ويتصدَّقون في لياليه بأنواع الصَّدقات ويُظهرون السُّرور ويظهر عليهم مِن بركاته كلُّ فضل عميم. وأوَّل مَن أحدث فعل المَولد الملِك المُظفَّر أبو سعيد صاحب إربل فكان يعمله في ربيع الأوَّل ويحتفل احتفالًا هائلًا> انتهَى وقال: <فرحمَ اللهُ امرأً اتَّخذ لياليَ شهر مولده المُبارك أعيادًا> انتهَى.
ويقول الحافظ السُّيوطيُّ في [حُسن المقصد]: <إنَّ ولادته صلَّى الله عليه وسلَّم أعظم النِّعم علينا ووفاته أعظم المصائب لنا والشَّريعة حثَّت على إظهار شُكر النِّعم والصَّبر والسُّلوان والكتم عند المصائب وقد أمر الشَّرع بالعقيقة عند الولادة وهي إظهار شُكر وفرح بالمَولود ولم يأمُر عند الموت بذبح ولا غيره بل نهى عن النِّياحة وإظهار الجزع فدلَّت قواعد الشَّريعة على أنَّه يحسُن في هذا الشَّهر إظهار الفرح بولادته صلَّى الله عليه وسلَّم دون إظهار الحُزن فيه بوفاته> إلخ..
نهاية المقال.
Oct 13, 2021, 2:07 AM
نعي الحاجَّة حياة عيتاني رحمها الله
بسم الله الرَّحمَن الرَّحِيم
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ
ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي
بمزيد مِن الرِّضَى بقضاء الله وقدره
ننعي إليكُم
الحاجَّة حياة عيتاني رحمها الله
والدة الشَّيخ نبيل الشَّريف والشَّيخ عبدالرَّزَّاق الشَّريف
والَّتي توفَّاها الله في بيروت – لُبنان
جاء في الحديث: <ما الميِّت في قبره إلَّا شبه الغريق المُتغوِّث ينتظر دعوة مِن أب أو أُمٍّ أو أخ أو صديق ثقة أو ولد صالح فإذا لحقه ذلك كانت أحبَّ إليه مِن الدُّنيا وما فيها وإنَّ الله عزَّ وجلَّ يُدخِل على أهل القُبور مِن دُعاء أهل الدُّور أمثال الجبال وإنَّ هديَّة الأحياء للأموات الاستغفار لهُم> رواه البَيهقيُّ في [شُعب الإيمان].
فلا تبخلوا بالدُّعاء والاستغفار لها وقراءة القُرآن عن رُوحها.
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ Oct 13, 2021, 6:49 AM
