هذا إمامي العبدري – مجلس شيخنا الهرريِّ رحمه الله

هذا إمامي العبدري

الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.

وبعدُ فقد كُنَّا في مجلس شيخنا الهرريِّ رحمه الله نسأله عن نصِّ الحديث ورُتبته ومَن رواه وأين نجدُه وعن مسائل الفقه على المذاهب الأربعة وعن سِيَر الأولياء والصَّالحين وعن الرُّدود الشرَّعيَّة على أهل البِدَع والأهواء؛ فكان رحمه الله ورضي عنه يُجيب ويُملي علينا مِن حفظه.

وكان رحمه الله يحفظ [لسان العرب] عن ظهر قلبه؛ وأذكُر مرَّة كنتُ أقرأ عليه نشيدًا كتبتُه باللُّغة المحكيَّة فيه: (داوِ قْلِيبي المعلول) فطلب منِّي تعديل الكلمة؛ فلمَّا وصلتُ إلى البيت سارعتُ إلى [لسان العرب] لأجد أنَّ (القَلِيب) معناه <الْبِئْرُ قَبْلَ أَنْ تُطْوَى> انتهى فتأمَّل سعة حفظه.

وسألتُه عن صحَّة بيت على الطَّويل تبدأ تفاعيله بـ <عُوْلُنْ> وكنتُ أحفظ <فَعُوْلُنْ> في أوَّل الطَّويل ويجوز <فَعُوْلُ> فأجاب في ثانية قائلًا: (البيت صحيح) عِلمًا أنَّ حذف الأوَّل المُتحرِّك نادر وُقوعه في الشِّعر وقد نعلم أنَّ الشَّيخ لم يشتغل بعِلم العَروض لسنوات كثيرة جدًّا.. فتأمَّل!

وكنتُ أنظُر في سند خبر تبرُّك الشَّافعيِّ بقبر أبي حنيفة في [تاريخ بغداد] وفيه (عُمر بن إسحاق) فقلت للشَّيخ رضي الله عنه إنَّ في [تاريخ دمشق] راويًا يحمل الاسم نفسه فقال الشَّيخ: <ليس هُو. بينهُما نحو مائة عام> وقد تعلم أخي القارئ أنَّ الكتابَين المذكورَين واسعانِ جدًّا.

ويعلم مَن يُنكرون على الشَّيخ بعد مَوته كما يعلم أحبابُه كيف أنَّ مشاهير المشايخ لمَّا زاروا الشَّيخ جلسوا في مجلسه كما يجلس التِّلميذ بين يدَي مُعلِّمه ولا نقول هذا افتخارًا على النَّاس ولكنَّهم مع ذلك ما عرفوا قدر الشَّيخ عبدالله وإلَّا لَمَا تجرَّأوا على الطَّعن به رحمه الله ورضي عنه.

ويعلم كُلُّ أحد أنَّ الشَّيخ عبدالله الهرريَّ كان في زمانه أشدَّ أهل السُّنَّة والجماعة على المُشبِّهة المُجسِّمة ولعلَّ هذا ما يُغيظ أهل الفتنة ويدفعُهُم إلى الطَّعن به رضي الله عنه، ولكنَّ مثلَهُم في طعنهم به كذُبابة وَقَفَتْ على جبل عظيم فلمَّا همَّت بالرَّحيل قالت للجبل: تماسك!

وهذا عِلْمُ الشَّيخ رحمه الله ينتشر في البُلدان المُتباعدة في الشَّرق والغرب وفي الشَّمال والجنوب وهُو الَّذي وصل إلى لُبنان مَطلع السَّبعينيَّات وحيدًا ليس معه أموال ولا مُؤسَّسات ولا غير ذلك إلَّا تقوى الله والنَّيَّة الصَّالحة ثُمَّ يطعن الأغرار به ولكنَّ الله تعالى يُدافع عن الَّذين ءامنوا.

واعلم أخي القارئ أنِّي ذكرتُ في هذا المقال أشياء خَطَرَت لي في عُجالة وتركتُ -ذكر الكثير مِن مناقب الشَّيخ رحمه الله- لا غفلة عن ذكر الأَوْلى وإنَّما اقتصارًا على ما شهدته بنفسي ممَّا قد لا ينتبه له الكثيرون وهو أغنى النَّاس عن شهادتي فيه رحمه الله رحمة واسعة وجزاه الله عنَّا خيرًا.

فكيف بعد كُلِّ هذا يتجرَّأ الأغرار المساكين على الإنكار على الشَّيخ وهُو العالِم العامل بعلمه وإنَّما هُم مِن جَهَلَة العامَّة المُتصولحة الَّذين لا يُحسنون بابًا مِن العلم ولا يعرفون مِن التَّقوى إلَّا حُروف الكلمة وأختِم هذا المقال بقوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

انتهى..

May 27, 2020, 5:08 PM