القدرة
يجب لله تعالى القدرة على كلّ شىء. والمراد بالشىء هنا الجائز العقلي، فخرج بذلك المستحيل العقلي لأنه غير قابل للوجود فلم يصلح أن يكون محلًّا لتعلق القدرة. وخالف في ذلك ابن حزم فقال: «إن الله عزَّ وجلَّ قادر أن يتخذ ولدًا [(390)] إذ لو لم يقدر عليه لكان عاجزًا» وهذا الذي قاله غير لازم لأن اتخاذ الولد محال على الله والمحال العقلي لا يدخل تحت القدرة. وعدم تعلق القدرة بالشىء تارة يكون لقصورها عنه وذلك في المخلوق وتارة لعدم قبول ذلك الشىء الدخول في الوجود لكونه مستحيلًا عقليًّا أو واجبًا عقليًّا. والعجز هو الأول المنفي عن قدرته تعالى لا الثاني فلا يجوز أن يقال إن الله قادر على ذلك ولا عاجز. قال بعضهم كما لا يقال عن الحجر عالم ولا جاهل لأن الواجب العقلي لما كان لا يصحُّ في العقل عدمه كواجب الوجود الأزلي الأبدي فمن سأل هذا السؤال كأنه قال إن الأزلي يجوز أن يكون حادثًا لأن الذي يلد حادثٌ ليس أزليًّا فيكون جمعًا بين الأزليّة واللا أزليّة وذلك محال.
وكذلك قول بعض الملحدين: هل الله قادر على أن يخلق مثله؟ فيه إثبات المحال العقلي. بيان ذلك أن الله أزلي ولو كان له مثلٌ لكان أزليًّا والأزلي لا يُخلق بل الحادث يُخلق. فقول يَخلق مثله قول بتحصيل الحاصل الموجود وهو محال فينقلب هذا السؤال هل يجعلُ الله المعدوم حادثًا أزليًّا؟! وذلك محاولة لتصحيح المحال العقلي وذلك محال إذ قلب الحقائق العقلية محال وخروج عن دائرة العقل. فتضمن هذا السؤال كفرًا [(391)].وذكر الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني في كتابه «الترتيب في أصول الفقه [(392)]»: «إنَّ أول من أُخِذَ منه معنى المحال وتحقيقه إدريس صلوات الله عليه حيث جاءه إبليس في صورة إنسان وهو كان يخيط وفي كل دخلةٍ وخرجة يقول سبحان الله والحمد لله فجاءه بقشرة وقال ءالله تعالى يقدر أن يجعل الدنيا في هذه القشرة فقال: الله تعالى قادر أن يجعل الدنيا في سم هذه الإبرة، ونخس بالإبرة في إحدى عينيه وجعله أعور.
قال: وهذا وإن لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد انتشر وظهر ظهورًا لا يرد. قال: وقد أخذ الأشعري من جواب إدريس أجوبة في مسائل كثيرة من هذا الجنس، وأوضح هذا الجواب فقال: إن أراد السائل بقوله إنَّ الله يقدر أن يجعل الدنيا في قشرة أن الدنيا على ما هي عليه والقشرة على ما هي عليه فلم يقل ما يُعقل فإن هذه الأجسام الكثيرة يستحيل أن تكون في هذه القشرة. وإن أراد أنه يصغّر الدنيا قدر القشرة ويجعلها فيها، أو يكبر القشرة قدر الدنيا أو أكبر فيجعلها في القشرة، فلعمري الله قادر على ذلك وعلى أكثر منه. قلت وإنما لم يُفَصّل له إدريس فكان الجواب هكذا لأنه معاند فلهذا عاقبه على هذا السؤال بنخس العين وهو عقوبة كل سائل مثله» اهـ.
ويدخل تحت القدرة أعمال العباد خيرها وشرها. والبرهان العقلي على شمول قدرة الله أنه لو كان عاجزًا لم يوجد شىء من العالم، والعالم مشاهد موجود بالمشاهدة والحس.ـ[390] أي علينا.
ـ[391] اي عنا.
ـ[392] إشارات المرام (ص/137).
