برهان وجوب مخالفته تعالى للحوادث – الدليل القويم على الصراط المستقيم للشيخ عبد الله الهرري

برهان وجوب مخالفته تعالى للحوادث
اعلم رحمك الله أنه تعالى ليس بجوهر يتحيز أي يشغل حَيزًا بل يتعالى ويتقدس عن مناسبة الحيز أي المكان.وتقرير البرهان أن يقال: إن كل جوهر متحيزٌ فهو مختص بحيزه ولا يخلو من أن يكون ساكنًا فيه أو متحركًا عنه فلا يخلو عن الحركة والسكون وهما حادثان وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث. ولو تُصور جوهر متحيز قديم لكان يُعقل قدم جواهر العالم وهو باطل.
ولم يَرِد إطلاق لفظ الجوهر على الله لا لغة ولا شرعًا وفي إطلاقه إيهامٌ، تعالى الله عن أن يتطرَّق إليه نقص فإن الجوهر يطلق على الجزء الذي لا يتجزأ وهو أصغر الأشياء مقدارًا والله منزه عن ذلك فليس هو جوهرًا وليس تعالى جسمًا مؤلفًا من جوهرين أو أكثر فإنه إذا بطل كونه جوهرًا مخصوصًا متحيزًا بطل كونه جسمًا لأن كل جسم مختص بحيز ومركب من جوهر والجوهر يستحيل خلوه عن الاجتماع والافتراق والحركة والسكون والهيئة والمقدار وهذه سمات الحدوث ولو جاز أن يُعتقد أن صانع العالم جسم لجاز أن يُعتقد الألوهية للشمس والقمر أو لشىء ءاخر من أقسام الأجسام.
وكذلك يستحيل عليه تعالى أن يكون عَرَضًا أي ما يقوم بالجسم كقيام بياض الجسم بالجسم فكل جسم حادث وما يقوم بالجسم حادث فكيف يكون حالًّا في الجسم وقد كان موجودًا في الأزل وحده ولم يكن معه غيره ثم أحدث الأجسام والأعراض، ولأنه قادر عالم مريد خالق والأعراض لا تتصف بهذه الصفات، فتحصَّل مما ذكرنا أنه تعالى ليس جوهرًا ولا عَرَضًا وأن العالم جواهر وأعراض وأجسام فإذًا لا يشبه شيئًا ولا يشبهه شىء ليس كمثله شىء وأنَّى يشبه المخلوق خالِقَه والمقدَّرُ مقدّره.والله تعالى متنزه أيضًا عن الجهات والأماكن إذ الجهات والأماكن خلقه أحدثها بعد أن لم تكن فلا يوصف تعالى بفوقية الحيز والمكان، فلو كان فوق العالم بالحيز والمكان لكان محاذيًا له والمحاذي للجسم إما أن يكون مثله أو أصغر منه أو أكبر منه مِساحة وما يقدر بالمساحة محتاج لمن خصه بها والمحتاج حادث ولو كان مقدَّرًا بالمِساحة لصحت الألوهية للشمس ونحوها من الكواكب. وأما رفع الأيدي والوجوه إلى السماء عند الدعاء فلأنها قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة تستقبل بالصدر وفي رفع اليد والرأس إشارة إلى ما هو وصف للمدعو من الجلال والعظمة.

البرهان على الوحدانية

نفي الكيفية عن الله وصفاته