بعض ما يُستدل به على حدوث العالم- فائدة جليلة – الدليل القويم على الصراط المستقيم للشيخ عبد الله الهرري

فائدة جليلة

ذكر الحافظ البيهقي في كتابه الاعتقاد ما نصه [(123)]:
«باب ذكر بعض ما يُستدل به على حدوث العالم وأن محدثه ومدبره إله واحد قديم لا شريك له ولا شبيه قال الله عزَّ وجلَّ ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ *إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ *﴾ [سورة البقرة].
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أحمد بن الفضل الصائغ، ثنا ءادم بن أبي إياس، ثنا أبو جعفر الرازي، ثنا سعيد بن مسروق، عن أبي الضحى ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ قال: لما نزلت هذه الآية عجب المشركون وقالوا إن محمدًا يقول إن إلهكم إله واحد فليأتنا بآية إن كان من الصادقين فأنزل الله عز وجل ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ إلى قوله ﴿لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.قال الشيخ رحمه الله: فذكر الله عز وجل خلق السموات بما فيها من الشمس والقمر والنجوم المسخرات، وذكر خلق الأرض بما فيها من البحار والأنهار والجبال والمعادن، وذكر اختلاف الليل والنهار وأخذ أحدهما من الآخر، وذكر الفُلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وذكر ما أنزل من السماء من المطر الذي فيه حياة البلاد، وبه وبما وضع الله في الليل والنهار من الحر والبرد يتم رزق العباد والبهائم والدواب، وذكر ما بث في الأرض من كل دابة مختلفة الصور والأجساد مختلفة الألسنة والألوان، وذكر تصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض وما فيهما من منافع الحيوانات وما في جميع ذلك من الآيات البيّنات لقوم يعقلون، ثم أمر في ءاية أخرى بالنظر فيهما فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ يعني والله أعلم من الآيات الواضحات، والدلالات النيرات، وهذا لأنك إذا تأملت هيئة هذا العالم ببصرك واعتبرتها بفكرك وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج إليه ساكنه من ءالة وعتاد فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض مبسوطة كالبساط، والنجوم منضودة كالمصابيح، والجواهر مخزونة كالذخائر، وضروب النبات مهيأة للمطاعم والملابس والمآرب، وصنوف الحيوان مسخرة للمراكب مستعملة في المرافق، والإنسان كالمملك البيت المخول ما فيه، وفي هذا دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتدبيرٍ وتقديرٍ ونظام، وأن له صانعًا حكيمًا تام القدرة بالغ الحكمة، وهذا فيما قرأتُهُ من كتاب أبي سليمان الخطابي رحمه الله.قال الشيخ رحمه الله: ثم إن الله تعالى حضهم على النظر في ملكوت السموات والأرض وغيرهما من خلقه في ءاية أخرى فقال ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ *﴾ يعني بالملكوت الآيات يقول أَوَلم ينظروا فيها نظر تفكر وتدبر حتى يستدلوا بكونها محلًا للحوادث والتغييرات على أنها محدثات، وأن المُحدَثَ لا يستغني عن صانع يصنعه على هيئة لا يجوز عليه ما يجوز على المحدثات [(124)] كما استدل إبراهيم الخليل عليه السلام بمثل ذلك فانقطع عنها كلّها إلى رب هو خالقها ومنشئها فقال ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ *﴾ [سورة الأنعام].أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس، حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا عبد الله ابن صالح، عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله عز وجل ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ يعني به الشمس والقمر والنجوم ﴿ … رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي … *﴾ [(125)] حتى غاب فلما غاب ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ *فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَ كُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّآلِّينَ *﴾ حتى غاب فلما غاب ﴿فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَ كُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّآلِّينَ *فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ *﴾ [(126)] حتى غابت فلما غابت ﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ *إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ *﴾ الآية [سورة الأنعام].قال الشيخ أحمد رحمه الله: وحثهم على النظر في أنفسهم والتفكر فيها فقال ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ *﴾ [سورة الذاريات] يعني لما فيها من الإشارة إلى ءاثار الصنعة الموجودة في الإنسان من يدين يبطش بهما ورجلين يمشي عليهما وعين يبصر بها وأذن يسمع بها ولسان يتكلم به وأضراس تحدث له عند غناه عن الرضاع وحاجته إلى الغذاء يطحن بها الطعام ومعدة أُعدت لطبخ الغذاء وكبد يسلك إليها صفوه وعروق ومعابر تنفذ فيها إلى الأطراف وأمعاء يرسب إليها ثفل الغذاء ويبرز عن أسفل البدن، فيستدل بها على أن لها صانعًا حكيمًا عالمًا قديرًا.
أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد بن محمد بن علي الرُّوذَباري، أنا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا عباس بن محمد، ثنا عبيد الله ابن موسى، ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن محمد بن المنكدر، عن عبد الله بن الزبير ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ *﴾ قال: سبيل الخلاء والبول.
وأخبرنا يحيى بن إبراهيم، حدثني محمد بن محمد بن عبيد الله الأديب، ثنا محمود بن محمد، ثنا عبد الله بن الهيثم، ثنا الأصمعي قال: سمعت ابن السماك يقول لرجل: تبارك من خلقك فجعلك تبصر بشحم وتسمع بعظم وتتكلم بلحم.قلنا: ثم إنا رأينا أشياء متضادة من شأنها التنافر والتباين والتفاسد مجموعة في بدن الإنسان وأبدان سائر الحيوان وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة فقلنا إن جامعًا جمعها وقهرها على الاجتماع وأقامها بلطفه ولولا ذلك لتنافرت ولتفاسدت، ولو جاز أن تجتمع المتضادات المتنافرات وتتقاوم من غير جامع يجمعها لجاز أن يجتمع الماء والنار ويتقاوما من ذاتهما من غير جامع يجمعهما ومقيم يقيمهما وهذا محال لا يتوهم، فثبت أن اجتماعها إنما كان بجامع قهرها على الاجتماع والالتئام وهو الله الواحد القهار، وقد حكي عن الشافعي رحمه الله أنه احتج بقريب من هذا المعنى حين سأله المريسي عن دلائل التوحيد في مجلس الرشيد، واحتج أيضًا بالآية التي ذكرناها في أول الباب، وباختلاف الأصوات.قلنا: وقد بيَّن الله تعالى في كتابه العزيز تحول أنفسنا من حالة إلى حالة وتغيرها ليُستدل بذلك على خالقها ومُحوّلها فقال ﴿ مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا *وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا *﴾ [سورة نوح] وقال ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ *ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ *ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَانَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ *ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ *﴾ [سورة المؤمنون] فالإنسان إذا فكَّر في نفسه رءاها مدبَّرة وعلى أحوال شتى مصرفة كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم لحمًا وعظمًا فيَعلم أنه لم ينقل نفسه من حال النقص إلى حال الكمال لأنه لا يقدر أن يُحدث لنفسه في الحال الأفضل التي هي حال كمال عقله وبلوغ أشده عضوًا من الأعضاء ولا يمكنه أن يزيد في جوارحه جارحة، فيدله ذلك على أنه في حال نقصه وأوان ضعفه عن فعل ذلك أعجز، وقد يرى نفسه شابًّا ثم كهلًا ثم شيخًا وهو لم ينقل نفسه من حال الشباب والقوة إلى الشيخوخة والهرم ولا اختاره لنفسه، ولا في وسعه أن يزايل حال المشيب ويراجع قوة الشباب فيَعلم بذلك أنه ليس هو الذي فعل هذه الأفعال بنفسه وأن له صانعًا صنعه وناقلًا نقله من حال إلى حال، ولولا ذلك لم تتبدل أحواله بلا ناقل ولا مدبر، ثم يَعلم أنه لا يتأتى الفعل المحكم المتقن ولا يوجد الأمر والنهي ممن لا حياة له ولا علم ولا قدرة ولا إرادة ولا سمع ولا بصر ولا كلام فيَستدل بذلك على أن صانعه حي عالم قادر مريد سميع بصير متكلم، ثم يعلم استغناء المصنوع بصانع واحد وعلو بعضهم على بعض أن لو كان معه ءالهة وما يدخل من الفساد في الخلق أن لو كان معه ءالهة فيستدل بذلك على أنه إله واحد لا شريك له كماقال عز من قائل ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ *عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *﴾ [سورة المؤمنون] وقال ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ *﴾ [سورة الأنبياء] ثم يَعلم أن صانع العالم لا يشبه شيئًا من العالم لأنه لو أشبه شيئًا من المحدَثات بجهة من الجهات لأشبهه في الحدوث من تلك الجهة، ومحال أن يكون القديم محدَثًا أو يكون قديمًا من جهة حديثًا من جهة، ولأنه يستحيل أن يكون الفاعل يفعل مثله كالشاتم لا يكون شتمًا وقد فعل الشتم والكاذب لا يكون كذبًا وقد فعل الكذب، ولأنه يستحيل أن يكون شيئان مثلين يفعل أحدهما صاحبه لأنه ليس أحد المثلين بأن يفعل صاحبه أولى من الآخر، وإذا كان كذلك لم يكن لأحدهما على الآخر مزية يستحق لأجلها أن يكون محدِثًا له لأن هذا حكم المثلين فيما تماثلا فيه، وإذا كان كذلك استحال أن يكون البارئ سبحانه مشبهًا للأشياء فهو كما وصف نفسه ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [سورة الشورى] وقال ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَمَدُ *لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ *وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *﴾ [سورة الإخلاص].حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ وأبو جعفر محمد بن صالح بن هانئ قالا ثنا الحسين بن الفضل، ثنا محمد بن سابق، ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعب أن المشركين قالوا يا محمد انسُب لنا ربك فأنزل الله تبارك وتعالى ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَمَدُ *لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ *﴾ لأنه ليس شىء يولد إلا سيموت وليس شىء يموت إلا سيورث وأن الله تبارك وتعالى لا يموت ولا يورث ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *﴾ لم يكن له شبيه ولا عدل ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [سورة الشورى].
أخبرنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم، أنا أبو الحسن الطرائفي، ثنا عثمان بن سعيد، ثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله عز وجل ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾ [سورة النحل] قال يقول ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ وفي قوله ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [سورة مريم] يقول: هل تعلم للرب مثلًا أو شبيهًا.
قلنا: وقد سلك بعض مشايخنا رحمنا الله وإياهم في إثبات الصانع وحدث العالم طريق الاستدلال بمقدمات النبوة ومعجزات الرسالة لأن دلائلها مأخوذة من طريق الحس لمن شاهدها ومن طريق استفاضة الخبر لمن غاب عنها، فلما ثبتت النبوة صارت أصلًا في وجوب قبول ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا الوجه كان إيمان أكثر المستجيبين للرسل صلوات الله عليهم أجمعين.أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقري رحمه الله، أنا الحسن بن محمد بن إسحاق، حدثنا يوسف بن يعقوب، حدثنا نصر بن علي، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، حدثني الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام، وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعن عروة بن الزبير وصُلبُ الحديث عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما فُتِنَ أصحابه بمكة أشار عليهم أن يلحقوا بأرض الحبشة فذكر الحديث بطوله إلى أن قال: فكلمه جعفر رضي الله عنه يعني النجاشي فقال: كنا على دينهم يعني على دين أهل مكة، حتى بعث الله عز وجل فينا رسولا نعرف نسبه وصدقه وعفافه، فدعا إلى أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا ونخلع ما يعبد قومنا وغيرهم من دونه وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر، وأمرنا بالصلاة والصيام والصدقة وصلة الرحم وكل ما يعرف من الأخلاق الحسنة، فتلا علينا تنْزيلًا جاءه من الله عز وجل لا يشبهه شىء غيره فصدقناه وءامنا به وعرفنا أن ما جاء به هو الحق من عند الله عز وجل، ففارقنا عند ذلك قومنا وءاذونا، فقال النجاشي: هل معكم مما نُزّل عليه شىء تقرؤنه علي؟ قال جعفر: نعم فقرأ ﴿ كهيعص *﴾ فلما قرأها بكى النجاشي حتى اخضلت لحيته وبكت أساقفته حتى اخضلت مصاحفهم، وقال النجاشي: إن هذا الكلام والكلام الذي جاء به موسى عليه السلام ليخرجان من مشكاة واحدة. قلنا: فهؤلاء مع النجاشي وأصحابه استدلوا بإعجاز القرءان على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما ادعاه من الرسالة فاكتفوا به وءامنوا به وبما جاء به من عند الله، فكان فيما جاء به إثبات الصانع وحدوث العالم.أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني، ثنا أبو النضر، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: كنا نُهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شىء فكان يعجبنا أن يأتيه الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع، فأتاه رجل منهم فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك؟ قال صدق قال: فمن خلق السماء؟ قال: الله قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله قال: فمن نصب هذه الجبال قال: الله قال: فمن جعل فيها هذه المنافع قال: الله، قال: فبالذي خلق السماء والأرض ونصب الجبال وجعل فيها هذه المنافع ءَالله أرسلك؟ قال: نعم قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال: صدق قال: فبالذي أرسلك ءالله أمرك بهذا قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا صدقة في أموالنا قال: صدق قال فبالذي أرسلك ءالله أمرك بهذا قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر في سنتنا قال: صدق قال: فبالذي أرسلك ءالله أمرك بهذا قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلًا قال: صدق، قال فبالذي أرسلك ءالله أمرك بهذا قال: نعم قال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن، فلما مضى قال: «لئن صدق ليدخلن الجنة».قال الشيخ رحمه الله: فهذا السائل كان قد سمع بمعجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت مستفيضة في زمانه، ولعله سمع أيضًا ما كان يتلوه من القرءان فاقتصر في إثبات الخالق ومعرفة خلقه على سؤاله وجوابه عنه وقد طالبه بعض من لم يقف على معجزاته بأن يريه من ءاياته ما يدله على صدقه فلما أراه إياه ووقف عليه ءامن به وصدقه فيما جاء به من عند الله عز وجل. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو بكر بن إسحاق، أنا علي بن عبد العزيز (ح) وأخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة حدثنا أبو علي حامد بن محمد الرَّفاء أنا علي بن عبد العزيز حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني أنا شريك عن سماك عن أبي ظَبيان عن ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بِمَ أعرف أنك رسول الله؟ قال: «أرأيت لو دعوت هذا العذق [(127)] من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله» قال: نعم، قال: فدعا العذق فجعل العذق ينْزل من النخلة حتى سقط في الأرض فجعل ينقز حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم قال له: «ارجع» فرجع حتى عاد إلى مكانه، فقالأشهد أنك رسول الله وءامن، تابعه الأعمش عن أبي ظبيان [(128)]، ورواه أبو حيان [(129)] عن عطاء عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه» اهـ.

مسئلة تتضمن أن من الفلاسفة من قال في العالم السفلي كل ما فيه من الصور والأعراض حادثة الأشخاص قديمة النوع

القِدَم لله تعالى