بيان أقل مسمَّى الإسلام والإيمان
أقلُّ الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأقل الإيمان التصديق القلبي بمعنى الشهادتين.
تلازم الإسلام والإيمان من حيث الصحة والقبول
اعلم أن الإسلام والإيمان متلازمان فلا يصح كل منهما بدون الآخر، فالنطق بالشهادتين لا يقبل عند الله بدون التصديق بالقلب، والتصديق القلبي لا يقبل عند الله بدون النطق، قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه [(58)]: «فهما كالظهر مع البطن». قال النووي [(59)]: «من صدَّق بقلبه ولم ينطق بلسانه فهو كافر مخلّد في النار بالإجماع»، وخالف بعضهم [(60)] فقال: من صدَّق بقلبه ولم ينطق فهو مؤمن عند الله إذا لم يعرض عليه النطق بالشهادتين فيأبى كأبي طالب فقد عرض عليه الرسول أن يقول لا إله إلا الله فأبى، رواه البخاري [(61)]. فلم يختلف اثنان من العلماء في كفر الآبي الممتنع. وقد روى أبو داود والبيهقي [(62)] أنّ عليًّا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن عمك الشيخ الضَّال قد مات، فقال: «اذهب فَوَارِه»، وفي رواية: إنّ عمك الشيخ الكافر، فلذلك لم يختلفوا في كفر الآبي. هذا في غير من ولد في الإسلام فإنه لا يشترط لصحة إيمانه وإسلامه النطق بل يكفي الاعتقاد.
قال الفقيه محمد بن أحمد ميارة المالكي في كتابه «الدر الثمين» ما نصه [(63)]: «وانظر المسلم الذي ولد في الإسلام إذا اتفق له أنه لم ينطق بالشهادتين قط فإن كان لعجز كالأخرس فهو كمن نطق وإن كان إباية وامتناعًا فهو كافر بلا شك، وإن كان لغفلةٍ فقط فهل هو كمن امتنع فهو كافر أيضًا أو هو كمن نطق فهو مؤمن ونسب للجمهور قولان» اهـ والقول الصحيح أنه مؤمن عاص وفي ذلك قال صاحب «مراصد المعتمد» نظمًا: [الرجز]
وَمن يكن ذا النطقُ منه ما اتفق فإن يكُن عجزًا يكن كمن نَطَقْ
وإن يكن ذلك عن إباء فحكمه الكفرُ بلا امتراء وإن يكُن لغفلةٍ فكالإبا وذا لسُنَّةٍ عياضٌ نسبا وقيلَ كالنطقِ وللجمهورِ نُسِبَ والشيخ أبي مَنْصُورِ قال محمد بن يوسف السنوسي [(64)]: اعلم أن الناس على ضربين مؤمن وكافر أما المؤمن بالأصالة فيجب أن يذكرها مرةً في العمر ينوي في تلك المرة بذكرها الوجوب وإن ترك ذلك فهو عاص وإيمانه صحيح، وأما الكافر فذكره لهذه الكلمة واجب شرطٌ في صحة إيمانه القلبي مع القدرة وإن عجز عن ذكرها بعد حصول إيمانه القلبي لمفاجأة الموت ونحو ذلك سقط عنه الوجوب» انتهى باختصار، وما ذكره من الوجوب في العمر مرة على من ولد في الإسلام فهو على مذهبه لأنه مالكي لا يجب عنده التشهد في الصلاة وإنما هو سنّة بخلاف المذاهب الثلاثة الأخرى فإنَّ ترك الشهادتين في كل صلاةٍ معصيةٌ قالت المالكية إذا رفع المصلي رأسه من السجود من الركعة الأخيرة وجلس بقدر «السلام عليكم» ثم سلَّم من غير قراءة التحيات صحّت صلاته بلا إثمٍ.
تنبيه ورد في فضل كلمة الإخلاص ما رواه مالك في الموطأ والترمذي [(65)] عنه صلى الله عليه وسلم: «أفضل ما قلتُ أنا والنبيُّون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له» وعند الترمذي زيادة: «له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير».
ويكفي في فضلها أنَّ الكافر الأصلي إذا نطق بها انهدمت جميع ذنوبه فقد روى مسلم [(66)] أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص لما أسلم «ألم تعلم أن الإسلام يهدم ما قبله»، وروى أحمد [(67)] من حديث رفاعة الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أشهد عند الله لا يموت عبدٌ يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صدقًا من قلبه ثم يُسَدِّدُ إلا سلك في الجنة، وقد وعدني ربي عزَّ وجلَّ أن يدخل من أمتي سبعين ألفًا لا حساب عليهم ولا عذاب، وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تتبوّءوا أنتم ومن صلح من ءابائكم وأزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة»، قال الهيثمي [(68)]: «رجاله موثقون».ويقال لمن ءامن بالله ورسوله ولم يقُم بالفرائض ولم يجتنب المحرمات مؤمن مسلم لكنه ناقص. والكامل هو المراد بقوله تعالى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ *﴾ [سورة الحجرات] وقولِه تعالى ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ *﴾ [سورة السجدة] وكذلك قوله تعالى ﴿لَيْسَ الْبِرُّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَاسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَاسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ *﴾ [سورة البقرة] وقوله صلى الله عليه وسلم [(69)]: «المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده». كما أنه أراد بقوله صلى الله عليه وسلم [(70)]: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» نفي كمال الإيمان عمَّن لم يتصف بهذه الصفة لا نفي أصله.ـ[58] راجع الكتاب المذكور (ص/167). – 96).
ـ[59] شرح الفقه الأكبر لملا علي (ص/150).
ـ[60] شرح صحيح مسلم (1/ 149).
ـ[61] وهو قول شاذ.
ـ[62] رواه البخاري في صحيحه: كتاب الجنائز: باب إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله.
ـ[63] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الجنائز: باب الرجل يموت له قرابة على الشرك، والبيهقي في سننه (1/ 304).
ـ[64] الدر الثمين (ص/61).
ـ[65] الدر الثمين (ص/61).
ـ[66] رواه مالك في الموطإ (1/ 215، 423)، والترمذي في سننه: كتاب الدعوات: باب في دعاء يوم عرفة وعنده: «خير ما قلت».
ـ[67] صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج. ـ[68] رواه أحمد في مسنده (4/ 16)، والطبراني في المعجم الكبير (5/ 43 – 45)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 286).
ـ[69] مجمع الزوائد (1/ 20 – 21).
ـ[70] رواه البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان: باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
بيان أقل مسمَّى الإسلام والإيمان
