بِمَ ينتفي اسم الإيمان عن المؤمن – الدليل القويم على الصراط المستقيم للشيخ عبد الله الهرري

بِمَ ينتفي اسم الإيمان عن المؤمن

ليُعلم أنه لا يزول اسم الإيمان والإسلام عن المؤمن إلا بالردّة التي هي أفحش أنواع الكفر [(85)]، ويسمى عندئذ كافرًا، ولا يجوز مناداته بالمسلم ولا بالمؤمن بل الأمرُ كما فعل الإمام الشافعي فإنه قال لحفص الفرد بعدما ناقشه في مسئلة الكلام: «لقد كفرت بالله العظيم» ففي مناقب الشافعي للبيهقي [(86)] ما نصّه: «عن محمّد ابن إسحاق بن خزيمة قال سمعت الربيع يقول لما كلَّم الشافعي رحمه الله حفصًا الفرد فقال حفصالقرءان مخلوق، قال الشافعي: كفرت بالله العظيم». اهـ
كذلك كفَّر عدد من المجتهدين الحجاجَ بن يوسف الثقفي كما ذكر ذلك الحافظ العسقلاني في تهذيب التهذيب في ترجمة الحجاج [(87)]، ومن جملة الذين كفَّروه سعيد بن جبير رضي الله عنه والشعبي، وكذلك كفَّر القاضي المالكيُّ تقيَّ الدين محمدًا الباجربقي لزندقته وإلحاده، وكان والده من العلماء الأجلاء كما في القاموس مع شرحه [(88)]. وفي حديث البخاري [(89)]: «من بدّل دينه فاقتلوه» دليل على جواز تكفير المعيّن لأن المرتد عندما يقتله الخليفة يكون ذلك تكفيرًا له بالتعيين.
وكذلك لعن الكافر المعيّن جائز وإن لم يرد نصّ قرءاني أو حديث صحيح بموته على الكفر لما رواه ابن حبان [(90)] في صحيحه عن ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال في صلاة الفجر حين رفع رأسه من الركوع: «ربنا لك الحمد» في الركعة الآخرة ثم قال: «اللهم العن فلانًا وفلانًا»، دعا على أناس من المنافقين فأنزل الله ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ *﴾ [سورة ءال عمران] ففيه دليل على جواز لعن الكافر المعيّن الذي لم يعلم موته على الكفر، لأن هؤلاء أسلموا فيما بعد، فكان لعن الرسول لهم من غير أن يعلم عاقبتهم.ـ[85] قال الحافظ في الفتح (1/ 65): «بالتخفيف وفي رواية بالتشديد لأبي ذر الهروي».
ـ[86] لأن الردة تُذهب كل الحسنات وتبقى السيئاتُ، ولو رجع إلى الإسلام بعد ذلك لا ترجع له الحسنات التي كان عملها، وتبقى السيئاتُ فإن تاب منها ذهبت. وليس معنى «الردة أفحشُ أنواع الكفر» أن كل أنواع الردة أشدُّ من كفر الكافر الأصلي لأن كفر الكافر الأصلي قد يكون أشدَّ من كفر المرتد، فليس معنى قول النَّووي المذكور أنّ الرّدةَ أشدُّ أنواع الكفرِ كفرًا، إنما مراده شدة قُبحها في أنها خروجٌ من الإسلام الذي هو الحق إلى الباطل الذي هو الكفر كما يقال «الفُسوقُ أقبحُ من العَالِمِ منه من الجاهل».
ـ[87] مناقب الشافعي (1/ 407).
ـ[88] تهذيب التهذيب (2/ 210 – 213).
ـ[89] تاج العروس، فصل الباء من باب القاف (6/ 283).ـ[90] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجهاد والسِّير: باب لا يعذّب بعذاب الله، وفي كتاب استتابة المرتدين: باب حكم المرتد والمرتدة، وفي كتاب الاعتصام: باب قول الله تعالى { … وَأَمْرُهُمْ شُورَى … *} [سورة الشورى].

بيان الإيمان والإسلام والردّة

بيان ما يجب من علم التوحيد على كل مكلفٍ وما يجب على بعض المكلفين