تقرير برهان عقلي على استحالة كون استوائه على العرش بالاستقرار عليه
ذكر المحدث الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في الاستدلال على ذلك أيضًا ما نصه [(210)]: «وتحقيقه أنه تعالى لو استقر على مكان أو حاذى مكانًا لم يَخلُ من أن يكون مثل المكان أو أكبر منه أو أصغر منه فإن كان مثل المكان فهو إذًا متشكل بأشكال المكان حتى إذا كان المكان مربعًا كان هو مربعًا أو كان مثلثًا كان هو مثلثًا وذلك محال. وإن كان أكبر من المكان فبعضه على المكان ويُشعر ذلك بأنه متجزئ وله كلٌّ ينطوي على بعض وكان بحيث ينتسب إليه المكان بأنه رُبُعُه أو خُمُسُه، وإن كان أصغر من ذلك المكان بقدر لم يتميز عن ذلك المكان إلا بتحديد وتتطرق إليه المساحة والتقدير وكل ما يؤدي إلى جواز التقدير على البارئ تعالى فتجويزه في حقه كفر من مُعتقده. وكل من جاز عليه الكون بذاته على محل لم يتميز عن ذلك المحل إلا بكونٍ وقبيحٌ وصف البارئ بالكون [(211)] ومن جاز عليه موازاة مكانٍ أو مماسته جاز عليه مباينتُهُ – يعني مباينة مسافية -، ومن جاز عليه المباينة والمماسة لم يكن إلا حادثًا، وهل علمنا حدوث العالم إلا بجواز المماسة والمباينة على أجزائه. وقصارى الجهلة قولهم كيف يتصور موجودٌ لا في محل؟» اهـ. ثم قال: «والذي يدحض شبههم أن يقال لهم قبل أن يخلق العالم أو المكان هل كان موجودًا أم لا؟ فمن ضرورة العقل أن يقول بلى فيلزمه لو صح قوله لا يُعلم موجود إلا في مكان أحد أمرين: إما أن يقول المكان والعرش والعالم قديم. وإما أن يقول الربُّ تعالى مُحدث وهذا مآل الجهلة والحشوية ليس القديم بالمحدَث والمحدَث بالقديم» اهـ.
ويقال بعبارة أخرى: كما صح عقلًا وجوده قبل المكان بلا مكان صح وجوده بعد المكان بلا مكان فبطل تمويههم على ضعفاء العقول بقولهم إذا لم تقل إنه في مكان فقد نفيت ربك.وقال في موضع ءاخر ما نصه [(212)]: «وقال السبكي: صانع العالم لا يكون في جهة لأنه لو كان في جهة لكان في مكان ضرورةَ أنها المكان أو المستلزمة له، ولو كان في مكان لكان متحيزًا ولو كان متحيزًا لكان مفتقرًا إلى حيزه ومكانه فلا يكون واجب الوجود وثبت أنه واجب الوجود وهذا خلف.
وأيضًا فلو كان في جهة فإما في كل الجهات وهو محال وشنيع وإما في البعض فيلزم الاختصاص المستلزم للافتقار إلى المخصص المنافي للوجوب» اهـ.ـ[210] إتحاف السادة المتقين (2/ 104).
ـ[211] الأسماء والصفات (ص/296).
ـ[212] الأسماء والصفات (ص/410 – 411).
