فصل في نفي الحد والنهاية – الدليل القويم على الصراط المستقيم للشيخ عبد الله الهرري

فصل في نفي الحد والنهاية

اعلم أن القديم سبحانه لا يتناهى في ذاته على معنى نفي الجهة والحد عنه، ولا يتناهى في وجوده على معنى نفي الأولية عنه فإنه أزلي أبدي صمدي، وكذلك صفات ذاته لا تتناهى في ذاتها ووجودها ومتعلّقاتها إن كان لها تعلُّقٌ، ومعنى قولنا: لا تتناهى في الذات قيامها بذات لا نهاية له ولا حدَّ ولا منقطعَ ولا حيث، وقولنا لا تتناهى في الوجود إشارة إلى أزليتها ووجوب بقائها وأنها متعلِّقة بما لا يتناهى كالمعلوماتِ والمقدوراتِ والمُخْبَراتِ» اهـ.
ثم قال [(377)]: «وأما الجوهر فهو متناه في الوجود والذات لأنه لا يشغل إلا حيزًا له حكم النهاية وهو حادث له مفتتح ويجوز عدمهُوالعرض متناه في الذات من حيث الحكم على معنى أنه لا ينبسط على محلين، ومتناهٍ في الوجود على معنى أنه لا يبقى زمانين، ويتناهى في تعلّقه فإنه لا يتعلق بأكثر من واحد.
أما المجسمة فإنهم أثبتوا للقديم سبحانه الحد والنهاية، فمنهم من أثبت له النهاياتِ من ست جهات، ومنهم من أثبتها من جهة واحدة وهي جهة تحت، ومنهم من لا يطلق عليه النهاية. واختلفوا في لفظ المحدود فمنهم من أثبته ومنهم من منعه وأثبت الحد [(378)]، وقد بيّنا أن إثبات النهاية من جهة واحدة توجب إثباتها من جميع الجهات ولأن النهاية والانقطاع من الجهة الواحدة تقدح في العظمة بدليل أنه لو لم يتناه لكان أعظم مما كان، فلما تناهى فقد صَغُرَ، ويجب نفي الصغر عنه كما وجب إثبات العظمة له يوضح ما قلناه أنهم قالوا إنما منعنا كونه وسط العالم لأنه يوجب اتصافه بالصغر، فإثبات النهاية من جانب يفضي إلى النهاية من جميع الجوانب، فقد تحقق إذًا بنفي النهاية والحد عنه استحالة الاتصال والانفصال والمحاذاة عليه لاستحالة الحجمية والجُثَّةِ عليه، بل هو عظيم الذات لانتفاء النهايات والصغر عنه لا لجَسَامَةٍ ولا لصورة وشَبَحٍ.
ـ[377] اعتقاد الإمام أحمد (ص/53).
ـ[378] اعتقاد الإمام أحمد (ص/54).

فائدة مهمة في تنزيه الله تعالى عن المكان والحد

فصل في معنى العظمة والعلو والكبرياء والفوقية