مسئلة تتضمن أن من الفلاسفة من قال في العالم السفلي كل ما فيه من الصور والأعراض حادثة الأشخاص قديمة النوع – الدليل القويم على الصراط المستقيم للشيخ عبد الله الهرري

مسئلة تتضمن أن من الفلاسفة من قال في العالم السفلي كل ما فيه من الصور والأعراض حادثة الأشخاص قديمة النوع

قال محمد بن يوسف السنوسي في «شرح الكبرى» [(114)]: «اعلم أن الملل كلَّها أجمعت على حدوثِ كل ما سوى الله جلَّ وعلا حتى اليهودَ والنصارى وحتى المجوس ولم يخالف في ذلك إلا شرذمة من الفلاسفة وتبعهم على ذلك بعض من ينسب نفسه إلى الإسلام وليس له فيه نصيب. والاشتغال بتفصيل مذاهبهم يطول. والحاصل منه أنَّ قدماءهم أثبتوا قدماء خمسة واجبَ الوجودِ سموه عقلًا ثم نفسًا وهَيُّوْلَى ودهرًا وخلاءوصار جماعة من متأخريهم إلى أن العالم العلوي قديم بذاته وصفاته إلا الحركات فإنها حادثة بأشخاصها قديمة بأنواعها فلا حركة إلا وقبلها حركة لا إلى أول وأمَّا العالم السفليّ وهو عالم الكون والفساد وهو ما تحت مقعَّر فلك القمر فقالوا إن هَيُّولاه قديمة وكل ما فيه من الصور والأعراض حادثة بأشخاصها قديمة بأنواعها فلا ولد إلا وقبله والد ولا والد إلا وقبله ولد ولا بيضة إلا من دجاجة ولا دجاجة إلا من بيضة ولا زرع إلا من بذرٍ ولا بذر إلا من زرع وتوقف جالينوس في قدم ما ادعوا قدمَهُ. ومذاهبهم ركيكة جدًّا لا يرضى بمقالتهم مؤمنٌ بل ولا مطلق عاقل إلا من سُلِبَ عقله وإيمانه فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله» انتهت عبارته. فقولهم فلا ولد إلا وقبله والد ولا بيضة إلا من دجاجة ولا دجاجة إلا من بيضة ولا زرع إلا من بذرٍ بَنَوْا ذلك على ما زعموا أنه إذا كانت الهيُّولى قديمة ونوع الصور والأعراض كذلك لزم ما ذكر. فالأشخاص كزيد وعمرو حادثة ونوعها قديم. ثم ذكر نقض مقالتهم فقال: والجواب من أوجه الأول أنه يلزم من وجود حوادث لا أول لها أن يكون دخل في الوجود وفرغ من حركات الأفلاك وأشخاص الحيوان ونحوها على الترتيب واحدًا بعد واحد عددٌ لا نهاية له والجمع بين الفراغ وعدم النهاية جمع بين متناقضين فيكون محالًا على الضرورة ويلزم عليه أن يكون وجودنا ووجود سائر الحوادث الآن محالًا لتوقّفه على المحال وهو فراغ ما لا نهاية له إلى ءاخر ما قال.فمن هنا ينكشف تمويه ابن تيمية وينجلي تلبيسه بنسبة هذا الرأي الفيلسوفي الذي هَوِيَهُ إلى أئمة أهل الحديث وما هي إلا فرية فإنه واضح لكل ذي عقلٍ سليمٍ يفهم معنى العبائر فساده عقلًا ومعارضته للمنقول. وإذا حُوقِقَ هؤلاء القائلون بهذا الرأي في المناظرة وأُلزموا بأن النوع لا وجود له إلا في ضمن الأفراد انقطعوا فإن من حقق النظر في رأيهم هذا عَلِم أنه يرجع إلى القول بأزلية الأفراد لأن النوع لا وجود له إلا ضمن أفراده. وقول ابن تيمية الذي ذكرناه موجود في نحو سبعة من كتبه: منهاج السنة النبوية [(115)] وموافقة صريح المعقول لصحيح المنقول [(116)] وكتاب شرح حديث النزول [(117)] وكتاب نقد مراتب الإجماع [(118)] وكتاب الفتاوى [(119)] وكتاب شرح حديث عمران بن حصين [(120)] وفي تفسير سورة الأعلى [(121)] وقد قال في شرح حديث عمران بن حصين: «جنس العالم قديم مع الله وأفراده حادثة» وعبَّر في بعضها بالنوع وهذا الأكثر من عباراته كما ذكر ذلك في «نقد مراتب الإجماع لابن حزم». وقال جلال الدين الدواني في «شرح العضدية» [(122)]: «وقد رأيت في بعض تصانيف ابن تيمية القول به – أي بالقدم الجنسي – في العرش» يعني بذلك أن العرش قديم أزلي أي لا أول لوجوده باعتبار جنسه أي أن الله والعرش قديمان أزليان وهذا خلاف الكتاب والسنة وإجماع المسلمين أما الكتاب فقوله تعالى  ﴿… اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ … *﴾ [سورة الرعد] وقوله  ﴿… وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ *﴾ [سورة التوبة]، وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: «كان الله ولم يكن شىء غيره وكان عرشه على الماء» أي وُجد العرش على الماء أي خلق بعد الماء وأما الإجماع فقد نقله غير واحد.ـ[114] انظر الصحاح (5/ 2370، 2440).
ـ[115] شرح الكبرى (ص/95 – 96).
ـ[116] انظر الكتاب (1/ 83، 109، 224).
ـ[117] انظر الكتاب (1/ 64، 245)، (2/ 75).
ـ[118] انظر الكتاب (ص/161).
ـ[119] انظر الكتاب (ص/168).
ـ[120] انظر الكتاب (6/ 300).
ـ[121] انظر الكتاب (ص/193)، ومجموع الفتاوى (18/ 239).
ـ[122] انظر الكتاب (ص/12 – 13).