وجوب البقاء لله تعالى بالبرهان
لما ثبت وجوب القِدم لله عقلًا وجب له البقاء لأنه لو أمكن أن يلحقه العدم لانتفى عنه القِدم وانتفاء القِدم عنه مستحيل فانتفى عنه إمكان الفناء ولو جاز عليه العدم كما يجوز على الحادثات لجاز عليه سائر ما يجوز عليها وما كان كذلك فهو حادث، والله هو الباقي الذي لا يجوز عليه الفناء فلا باقي لذاته إلا الله كما أنه لا موجود بذاته إلا الله، وأما الجنة والنار فبقاؤهما ليس بالذات بل بإبقاء الله لهما، فالجنة باعتبار ذاتها يجوز عليها الفناء وكذلك النار باعتبار ذاتها يجوز عليها الفناء فلا يطرأ عليهما الفناء لأن الله شاء لهما البقاء بخلاف الناس والملائكة والجن فإنهم يفنَون لأن الله لم يشأ بقاءهم، فتبين أن المحدثات كلها متساوية في سبق العدم عليها بالدليل العقلي وبالدليل النقلي ومتساوية أيضًا في عدم وجوب البقاء لها عقلاً فلا موجود أزلي أبدي واجب الوجود والبقاء إلا الله فالبقاء الذي هو واجب لله هو البقاء الذاتي أي الذي ليس بإيجاب شىء غيره بل هو يستحقه لذاته لا لشىء ءاخر ولا يكون هذا البقاء الذاتي لشىء سواه، لكن قال حَمَلَةُ الشرع ببقاء بعض المحدَثات بإبقاء الله لها وفناء بعض لورود الخبر الثابت عن المعصوم بذلك.والدليلُ من المنقولِ قول الله تعالى ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ *﴾ [سورة الرحمن] أي ذاتُ ربك.
البرهان على قيام الله تعالى بنفسه واستغنائه عن غيره
