ترجمة مُختصَرة للشَّيخ عبدالله الهرريِّ الحبشيِّ رحمه الله
الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.
1
وبعدُ فقد اجتمع أهل البِدَع مِنَ المُشبِّهة وغيرهم في حربهم على مولانا الشَّيخ عبدالله الهرريِّ الحبشيِّ رحمه الله فلم يَحفَلْ بهم بل انتصب لهُم مُتوكِّلًا على الله لا يهاب ولا يتراجع ولا يتزحزح ولا ينحني ولا يُداهن ولا يُحابي بل يصول ويجول ويدفع ويكِرُّ بقلب ثابت وحُجَّة ظاهرة حتَّى فَلَّ حدَّهُم وشتَّتَ جمعَهُم وكسر شوكتَهُم لا حطَموا درعه ولا أسكتوا صوته الصَّادح بالحقِّ.
2
ترك الشَّيخ عبدالله الهرريُّ الكثير مِن الكُتُب في الفقه والمُصطلح ومسائل الاعتقادات السُّنِّيَّة وتقريرها وأدلَّتها بقُوَّة ومتانة؛ وكان يقف في ذلك كُلِّه مع الدَّليل ونُقول رائقةٍ ورُدود مُحكمة؛ وتخرَّج على يديه الكثير مِن المشايخ والعُلماء وسمع دُروسَه مئات الآلاف وطُبعت بسببه عشرات الكُتُب وتأسَّست جمعيَّات خيريَّة ومدارس ومعاهد وكُلِّيَّات شرعيَّة في دُوَل مُختلفة.
3
ولا مجال للمُقارنة في علم الحديث بين الشَّيخ عبدالله الهرريِّ رحمه الله -وكان مُحدِّثًا حافظًا- وبين المدعو ناصر الألبانيِّ -الوهَّابيِّ- فإنَّ الأخير لم يكُن يحفظ سندًا واحدًا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم! وقد ظلم وتعسَّف كثيرًا مَن زعم تقدُّم الألبانيِّ في هذا الباب؛ ويشهد العُلماء بصدق ما نقول بين الشَّيخ عبدالله الهرريِّ وبين المدعو ناصر الألبانيِّ.
4
فقد قال المُحدِّث العلَّامة الشَّيخ عبدالله الغُماريُّ في [إتقان الصَّنعة]: <وزعم المُبتدع الألبانيُّ المُتزمِّت أنَّ الحديث موضوع وضعَّف حديث سعد بن أبي وقَّاص وحديث صفيَّة وقد ردَّ عليه العلَّامة الشَّيخ عبدُالله الحبشيُّ الهرريُّ في كتابه [التَّعقُّب الحثيث على مَن طعن فيما صحَّ مِن الحديث] وهُو ردٌّ جيِّد مُتقن أبطل مزاعمه وبيَّن جهلَه بقواعد أُصول الحديث> انتهَى.
5
وحاول ناصر الألبانيُّ وقتها الرَّدَّ على [التَّعقُّب الحثيث] في بعض المجلَّات فأعقبه شيخُنا الشَّيخ عبدالله الهرريُّ رحمه الله بكتاب ثانٍ سمَّاه [نُصرة التَّعقُّب الحثيث] فانقطع ناصر الألبانيُّ سنوات كثيرة حتَّى مات قبل أنْ يتمكَّن مِن الرَّدِّ! وكفاك بهذا دليلًا على لُؤم مَن قال بتقدُّم ذلك المقطوع فكيف لو علمتَ أنَّ ناصر الألبانيَّ نفسه أقرَّ ببعض أخطائه بعد ذلك!
6
والشَّيخ عبدالله الهرريُّ كان فقيهًا شافعيًّا كبيرًا يشهد بذلك كتابُه [بُغية الطَّالب] فإنَّ فيه تحقيقات ونقولًا رائقة عن أئمَّة الشَّافعيَّة لا تُوجد مجموعة في كتاب آخَرَ وكان رحمه الله يضبط أكثر مسائل المذاهب الثَّلاثة الأُخرَى وأُصولَها وكان رحمه الله يُجيب على كُلِّ المسائل في الكلام والحديث والفقه وغيرها مِن حِفظه دون أنْ يحتاج إلى العودة إلى مخطوط أو مطبوع.
7
وكان الشَّيخ عبدالله الهرريُّ لُغويًّا بليغًا ونحويًّا مُدقِّقًا يحفظ [لسان العرب] ويعرف مِن فُنون اللُّغة والبلاغة ما عزَّ على أكثر مشايخ العصر وقد أنكر عليه بعض الجَهَلَة المُتصولحة الَّذين توهَّموا أنَّ كُلَّ مجاز يقع صحيحًا بلا استثناء ولأنَّه انتقد بعض الأبيات المنسوبة للبوصيريِّ في بُردته مع أنَّ غيرَه مِن العُلماء انتقد تلك الأبيات كذلك كالشَّيخ عبدالله الغُماريِّ رحمه الله.
8
وكان الشَّيخ عبدالله الهرريُّ رحمه الله أشدَّ العُلماء في زمانه على الوهَّابيَّة المُشبِّهة وأكثرَهُم تتبُّعًا للمسائل الَّتي خالف فيها ابن تيميَّة أهلَ السُّنَّة والجماعة ناقلًا كلامه مِن كُتُبه مُلحقًا ذلك بردٍّ مُحكَم متين على كُلٍّ منها مِن غير خوف ولا مُداهنة ولا مُواربة إحقاقًا للحقِّ ومُواجهة لتلبيسات التَّيميِّين في زمن سكت فيه أكثر أهل العمائم كسلًا أو خوفًا أو تخاذلًا.
9
ثُمَّ وبعد كُلِّ ما تقدَّم يأتي الجَهَلَة المُتصولحة ليطعنوا في الشَّيخ عبدالله الهرريِّ خدمة للوهَّابيَّة ومَن شاكلَهُم مِن أهل البِدَع فيزعُمون أنَّه (كان لا يفهم كلام المُتكلِّمين) ثُمَّ يُكذِّبون أنفسَهُم فيقولون إنَّه (كان مُطَّلعًا على الأُصول الكلاميَّة والفقهيَّة اطِّلاع طالب العلم المُجِدِّ) فهُم في الجُملة الأُولَى افترَوا عليه؛ ولم يُنصفوه في الثَّانية! فعليهم مِن الله ما يستحقُّون.
10
وقد جلس عُلماء دمشق بين يدي الشَّيخ عبدالله الهرريِّ، يقول الشَّيخ مُحمَّد رياض المالح الدِّمشقيُّ في رسالة له: (فكان رحمه الله آية في الحديث والمُصطلح وغيره مِن العُلوم الشَّرعيَّة وكان يحضُر معنا كثير مِن عُلماء دمشق الكبار أمثال الشَّيخ عبدالرَّزاق الحلبيِّ الَّذي كان يقرأ عليه كتاب فتح الباري شرح صحيح البُخاريِّ؛ وغيرِه مِن عُلماء دمشق الأفاضل) إلخ..
11
ومَن كان في صُحبة الشَّيخ رحمه الله كان يرَى اجتماعاته بأهل العلم والتَّصوُّف والدَّعوة وسُرورَهُم بذلك؛ وكان يرَى حُبَّهُم وتبجيلَهُم وتقديمَهُم له؛ ومراجعاتهم له في مسائل مُشكلة وفرحَهُم بفتاويه؛ واستشاراتهم له في كُتُب يُريدون تصنيفها ونشرها؛ وكان بعضُهُم إذا أراد مُغادرة مجلسه حرص على تقبيل يده رحمه الله ورضي عنه مثل الشَّيخ عُمر بن حفيظ.
12
وقد افترَى الحاقدون على الشَّيخ عبدالله الهرريِّ فزعموا أنَّه كان يحكُم بالتَّكفير بغير حقٍّ! وكذبوا؛ فقد صنَّف كتابه [قواعد مُهمَّة] مُعلِّمًا ما قرَّره عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة في بيان ما يُخرج عن الملَّة ولا يتجرَّأ المُبطِلون على ردِّ تلك القواعد لأنَّهُم يعرفونها في كُتُب العُلماء ويعرفون أنَّ جهرَهُم بإنكارها سيفضح مُخالفتَهُم لجُمهور عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة.
13
وقد نقَم على الشَّيخ عبدالله الهرريِّ رحمه الله بعض المُعاصرين لأنَّه فسَّر البغي بالظُّلم؛ في الحديث المُتواتر الَّذي فيه: <ويح عمَّار تقتُلُه الفئة الباغية> ولأنَّه قال بعصيان مَن خرج على الإمام العادل انسجامًا مع القُرآن والحديث والقواعد الشَّرعيَّة الَّتي لا خلاف فيها وكان الحقُّ حليفه والدَّليل ناصره وخاصموه لأجل وُقوفه مع الدَّليل وعند الله تجتمع الخُصوم.
14
والشَّيخ عبدالله الهرريُّ قضَى نحو مائة سنة يدعو إلى الله تعالَى يأمُر بالمعروف وينهَى عن المُنكر ويتصلَّب في الحقِّ مع زُهد عظيم لا يُنكره حاقد ومع العفَّة والورع البالغ والشَّفقة والعبادة والانقطاع عن الدُّنيَا والإقبال على الآخرة بثبات لا تذبذُب فيه وقد انتشر علمُه في كُلِّ أرجاء الأرض شرقًا وغربًا فإنْ لم يكُن هو الوليَّ الصَّالح ومُجدِّد الزَّمان.. فمَن!؟
15
إنَّ مثَل الجَهَلَة المُتصولحة في طعنهم بالشَّيخ عبدالله الهرريِّ -رحمه الله- كذُبابة وَقَفَتْ على جبل عظيم ثُمَّ لمَّا همَّت بالرَّحيل قالت للجبل: تماسك! وهُم -الجَهَلَة- لا يُحسنون بابًا مِن العلم ولا يعرفون مِن التَّقوَى إلَّا حُروف الكلمة، وأختِم بقوله تعالَى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وبقوله تعالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} صدق الله العظيم.
نهاية المقال.
Sep 08, 2022 12:33:02am
