الصفات على وجهين ذاتيّة وفعليّة – الدليل القويم على الصراط المستقيم للشيخ عبد الله الهرري

الصفات على وجهين ذاتيّة وفعليّة
الصفة الذاتية ما لا يصح أن يوصف الله بمقابلها كالحياة فإنه لا يصح أن يوصف بمقابلها وهو الموت.والفعليّة ما يصح أن يوصف بها وبمقابلها كالإحياء فإنه يصح أن يوصف بالإماتة وبالإحياء. قال تعالى ﴿ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ … *﴾ [سورة يونس].
فصفات الذات أزلية بلا خلاف بين أهل الحق.
وصفات الفعل أزلية عند الماتريدية الذين على نهج أبي حنيفة رضي الله عنه. قال البيهقي: «وعلى هذه الطريقة يدل كلام المتقدمين من أصحابنا» يعني الأشاعرة ذكره في كتاب «الاعتقاد» [(494)]. والبخاري نص على ذلك [(495)] فإنه قال: باب ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرها من الخلائق «وهو فعل الربّ تبارك وتعالى وأمرهفالرب بصفاته وفعله وأمره وهو الخالق المكوّن غيرُ مخلوقوما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول مخلوق مكوَّن» اهـ.
وقال الحافظ العسقلاني في شرح البخاري [(496)]: «ثم وجدت بيان مراده في كتابه الذي أفرده في «خلق أفعال العباد» فقالاختلف الناس في الفاعل والفعل والمفعول فقالت القدرية الأفاعيل كلها من البشروقالت الجبرية الأفاعيل كلها من اللهوقالت الجهمية الفعل والمفعول واحد، ولذلك قالوا مخلوقوقال السلف التخليق فعل الله وأفاعيلنا مخلوقة ففعل الله صفته والمفعول من سواه من المخلوقات. انتهىومسألة التكوين مشهورة بين المتكلمين وأصلها أنهم اختلفوا هل هو صفة قديمة أو حادثة، فقال جمع من السلف منهم أبو حنيفة هو قديم. وقال ءاخرون منهم ابن كُلاَّب والأشعري هو حادث لئلا يلزم أن يكون المخلوق قديمًا. وأجاب الأول بأنه يوجد في الأزل صفة الخلق ولا مخلوق، وأجاب الأشعري بأنه لا يكون خلق ولا مخلوق كما لا يكون ضاربٌ ولا مضروبٌ فألزموه بحدوث صفات فيلزم حلول الحوادث بالله فأجاب بأن هذه الصفات لا تُحدث في الذات شيئًا جديدًا فتعقبوه بأنه يلزم أن لا يسمى في الأزل خالقًا ولا رازقًا وكلام الله قديم وقد ثبت فيه أنه الخالق الرزاقفانفصل بعض الأشعرية بأن إطلاق ذلك إنما هو بطريق المجاز وليس المراد بعدم التسمية عدمها بطريق الحقيقة ولم يرتض هذا بعضهم بل قال وهو المنقول عن الأشعري نفسه إن الأسامي جارية مجرى الأعلام والعَلَمُ ليس بحقيقة ولا مجاز في اللغة وأما في الشرع فلفظ الخالق الرازق صادق عليه تعالى في الحقيقة الشرعية والبحث إنما هو فيها لا في الحقيقة اللغوية فألزموه بتجويز إطلاق اسم الفاعل على من لم يقم به الفعل فأجاب بأن الإطلاق هنا شرعي لا لغوي انتهى.
وتصرف البخاري في هذا الموضع يقتضي موافقة القول الأول والصائر إليه يسلم من الوقوع في مسألة حوادث لا أول لهاوبالله التوفيق» اهـ.
يعني أن القول الأول هو أن التكوين صفة قديمة أزلية والفعل أزلي وما ينشأ عن الفعل فهو مخلوق. وأمره أزلي وما كان بأمره من المخلوقات فهو محدَث، وهو المراد بالأمر في قوله تعالى في سورة يوسف ﴿ … وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ … *﴾ إذ الضمير أعيد إلى الله وبقوله تعالى ﴿ … لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا *﴾ [سورة الطلاق].
وبقوله ﴿ … قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي … *﴾ [سورة الإسراء].وبقوله تعالى ﴿ … وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا *﴾ [سورة النساء]. وبقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث [(497)] «إن الله يُحدث من أمره ما شاء».
وأما أمر الله تعالى الذي هو كلامه فغير مخلوق ويعبّر عنه بكن لا على إرادة أن عين هذا الحرف قديم أزلي وهذا تفسير كلام البخاري.
تنبيه. أجمع أهل الحق أنّ الله ذات واحد له صفات أزلية بأزلية الذات أبدية لا تفارقه وذلك لا ينافي الوحدانية كما أنه يقال عن الفرد منا واحد مع أن له صفات. قال تعالى ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا *﴾  [سورة المدثر] فيوصف العبد بالوحدة التي تليق بالمخلوق والله موصوف بالوحدانية التي لا تشبه وحدانية العبد كما أن الله يقال له موجود والعبد يقال له موجود لكن وجود الله غير وجود الخلق.ـ[494] المسامرة شرح المسايرة (ص/40).
ـ[495] تاج العروس (9/ 376 – 377).
ـ[496] تاريخ قزوين (4/ 72).
ـ[497] السغدي المذكور هو الإمام علي بن الحسين السغدي، إمام فاضل محدث سكن بخارى وروى عن إبراهيم بن سلمة البخاري مات سنة 461هـ. وسُغْد هي إحدى منتزهات الدنيا.

وجوب أزليَّة الصفات

تكملة

تكملة.

 مذهب أهل الحق أن صفات الله أزلية بأزلية الذات ليست عين الذات ولا غير الذات ويقال بعبارة أخرى ليست هي هو ولا هو هي، لأنها لو كانت عين الذات للزم أن يكون الوجود هو العلم والحياة والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام والتكوين ولا يعقل ذلك، ولو كانت غير الذات لصح وجود الذات بدون هذه الصفات ولا تصح الألوهية بدونها. وقال بعضهم ليست الصفات عين الذات في المفهوم ولا غيرًا منفكًا عن الذات في خارج الذهن. ووجَّه ذلك بعضهم بأن من رأى رأس زيدٍ أو عرف صفة من صفاته فقال رأيت أو عرفت غير زيدٍ لم يصدق عرفًا.

تتمة أهل الحق أيضًا على أن لله صفات وخالف في ذلك المعتزلة والفلاسفة وطائفة نسبوا إلى علي رضي الله عنه ما لم يقله قالوا إنه قال إن الله لا يوصف بوصفٍ وحاشاه أن يقول ذلك فليُحذر من كتاب «نهج البلاغة» وكذلك قال ابن حزمٍ [(498)] فليحذر ذلك. ولنا قوله تعالى ﴿ … وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى … *﴾  [سورة النحل] أي الوصف الذي لا يشبه وصف غيره. وما رواه البيهقي بإسنادٍ صحيح [(499)] عن ابن عباس أن اليهود أتوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد صف لنا ربك الذي بعثك فأنزل الله تعالى ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *﴾  [سورة الإخلاص] إلى ءاخرها فقال «هذه صفة ربي عزَّ وجلَّ».


ـ[498] الاعتقاد والهداية (ص/42).
ـ[499] الاعتقاد (ص/29)، الأسماء والصفات (ص/301، 312، 314)

لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي