ردُّ تمويهات للمعتزلة – الدليل القويم على الصراط المستقيم للشيخ عبد الله الهرري

ردُّ تمويهات للمعتزلة

قالوا ظلم العباد كائن منهم بلا شك فهو ليس مشيئًا ومرادًا لله تعالى بدليل قوله تعالى ﴿ … وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ *﴾ [سورة غافر].
وجوابنا عن ذلك أنه تعالى نفى إرادته أن يظلم هو العباد ولم ينف مشيئته ظلم العباد أنفسَهم أي ليس المنفي في الآية إرادة ظلم بعضهم بعضًا ومشيئته ذلك فإنه مشيء له ومراد.
وأما تمسكهم بقوله تعالى ﴿ … وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ … *﴾ [سورة الزمر]، وقوله ﴿ … وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ *﴾ [سورة البقرة].
فالجواب أنه لا تلازم بين الرضى والمحبة وبين الإرادة كما ادعوه إذ قد يريد الواحد منا ما يكره تعاطيَه لبشاعة طعمه أو مرارته.

دليل ءاخر

جواب ءاخر عن تمويههم

جواب ءاخر عن تمويههم
قالت المعتزلة: إنكم قلتم إن الله أراد الظلم من العبد ثم يعاقبه عليه في الآخرة وذلك ظلم. نقول في الجواب: إن مشيئته لما يقع من العباد من ظلم بعضهم بعضًا ثم عقابَهم على ذلك في الآخرة لا يكون ذلك منه ظلمًا، بخلاف العباد فإن مشيئتهم الظلم يكون منهم قبيحًا لأنهم منهيُّون عنه مأمورون بتركه ولا يُتصور في فعله تعالى ما هو منهي عنه إذ لا يُتصوَّرُ له ناهٍ وليس له ءامرٌ ولأن العالَمَ خلقه وملكه والمتصرف في مِلكه الذي هو خلقه يستحيل وصفه بالظلم وأيضًا فلا يُتصوَّر الظلم إلا ممَّن يُتصوَّر في حقه الجهل لأنه وضع الشىء في غير موضعه. وأما من أحاط علمه بالأشياء ومواقعها فلا. والمخالف في هذه المسألة القدرية أي المعتزلة قالوا: إن القديم يصح منه الظلم لكن لا يظلم لكونه قبيحًا.

وحاصل الجواب في هذه المسألة أن الله تعالى هو المالك الحقيقي للعباد فلذلك له عليهم الأمر والنهي فيتصوَّر منهم الظلم فظلمهم مخالفة أمره ونهيه، وأما هو فلا أحد يستحق عليه الأمر والنهي فلا يتصور منه الظلم إذا عاقبهم على مخالفة أمره ونهيه. ولا يقاس الله الذي هو مالك كل شىء بالعبد الذي إنما يملك ما ملّكه الله وحَدَّد له التصرف على حسب ما أذن له به فإذا جاوز ذلك الحد استحق العقوبة. كيف يقاس المالك الحقيقي على عبد هو وما يملكه مِلك لخالقه فهيهات هيهات.

جواب عن تمويه للمعتزلة
ربما احتجوا بقول الله تعالى ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ *﴾ [سورة الذاريات].
فالجواب أن المعنى: ما خلقتهم إلا لآمرهم بالعبادة، وليس في الآية أنه لم يشأ أن يشركوا ويعصوا بدليل قوله تعالى ﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأِنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ *﴾ [سورة ءال عمران].
فقوله صريح في أنَّ الله شاء أن يعصوا. أليس هذا في منتهى الصراحة في إثبات مشيئة الله لمعاصي العباد؟ وقوله تعالى ﴿ … أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ … *﴾ [سورة المائدة] من أصرح الصريح لإثبات مذهب أهل الحق أن الله شاء ضلالة الكفار ولم يشأ هدايتهم. واحتجت المعتزلة أيضًا بقوله تعالى ﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَاسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ *قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ *﴾ [سورة الأنعام].قالوا: فقد رد الله على المشركين قولهم ﴿ … لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا … *﴾ [سورة الأنعام]. فقد وبخهم الله على هذا القول لإثباتهم مشيئته لإشراكهم ولو كان حقًّا لما وبخهم عليه.
والجواب: أن الله لم يوبخهم على اعتقادهم أن إشراكهم بمشيئة الله وإنما وبَّخهم لظنهم أن الله رضي لهم إشراكهم وأمرهم به كما قال تعالى في سورة الأعراف ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَامُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *﴾ وقد أخبر الله عن المشركين أنهم قالوا ﴿ … مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى … *﴾ [سورة الزمر].
واحتجت المعتزلة أيضًا بقوله تعالى ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ … *﴾ [سورة النساء]، قلنا: الجواب أن المراد بالحسنة هنا النعمة لا الطاعة وبالسيئة المصيبة لا المعصية بدليل قوله ﴿ … وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ … *﴾ [سورة النساء] أي فليست الآية في محل النزاع بيننا وبينهم بل الآية في شأن الكفار الذين كانوا إذا رأوا خصبًا وسَعة عيشٍ قالوا هذا من عند الله وإذا رأوا جَدبًا وقحطًا قالوا هذا بشؤم دين محمد فردَّ الله عليهم وقال ﴿ … قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلآءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا *﴾ [سورة النساء].
ونظيره قوله في قوم موسى ﴿ … وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ *﴾ [سورة الأعراف].ومعنى قوله ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ … *﴾ [سورة النساء] أي ما أصابك [(520)] من نعمةٍ فمن فضل الله. ﴿ … وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ … *﴾ [سورة النساء] أي ما أصابك من مصيبةٍ فمن جزاء ذنبك عاقبك الله بها كقوله تعالى ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ *﴾ [سورة الشورى].
ـ[519] التوحيد (ص/303).
ـ[520] التوحيد (ص/304).

جواب ءاخر عن تمويههم

دفع تمويه ءاخر

دفع تمويه ءاخر
قال المعتزلة المعاصي ليست واقعة بمشيئة الله وتقديره وخلقه بل بمشيئة العبد وخلقه واحتجوا بقوله تعالى ﴿ … وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ … *﴾ [سورة الزمر]. قلنا الرضى والأمر غير المشيئة والتقدير والخلق فالله تعالى شاء وقدّر وقوع الكفر والمعاصي من العباد باختيارهم فوقعت بخلق الله وكسبهم فالله خالقها والعبادُ مكتسبوها.

جواب ءاخر
وهو إن قالوا: كيف أمر الله الكافر بالإيمان وشاء منه الكفر؟ قلنا: كيف أمره بالإيمان وقد علم أنه سيكفر فإنه لا يؤمن أبد الدهر. فيقال للمعتزلي: هل يكون خلاف ما علم الله؟ فإن قال: يكون، فقد نسب الجهل إلى الله وذلك كفر. وإن قال: لا يكون خلاف ما علم الله، فقد سَلَّم، وهذا جواب لا محيص لهم عنه.
ولذلك قال الشافعي [(521)]: «القدريّ إذا سَلَّم العِلم خُصِم» أي غُلِب وانقطع في المناظرة.ـ[521] أورده البياضي في إشارات المرام (ص/70 – 71).

جواب عن شبهة تتعلق بها المعتزلةقالت المعتزلة: الأمر بخلاف ما يشاؤه سفه. والجواب: إنا نمنع أن يكون ذلك سفهًا لأن حكمة الأمر ليست منحصرة في إيقاع المأمور به. وتصديق ذلك قول إبراهيم لابنه ﴿ … إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ *﴾ [سورة الصافات] ولم يقل ستجدني صابرًا من غير إن شاء الله ولو استلزم الأمر الإرادة لما كان للاستثناء موقع فإنّ أمر إبراهيم بذبح ابنه يستلزم الأمر بالصبر عليه لابنه فلو كان الأمر بالذبح مستلزمًا لإرادته من إبراهيم كان الصبر من ابنه مرادًا أيضًا بدلالة الأمر فلا يبقى لتعلقه بالمشيئة والإرادة وجه فكان ذلك أمره تعالى ولم يكن من إرادته تعالى ذبحُه. بيَّن ذلك أبو منصور الماتريدي في «التأويلات» [(522)].
قال أبو منصور في إثبات مغايرة الإرادة للأمر [(523)]: «إن الله أمر إبراهيم بالذبح وفداه بكبش فلا يجوز أن يكون أراد فعل حقيقة الذبح ثم يمنع عنه بالبدل لأنه ءاية البداء وعلامة الجهل فكان الأمر لا بالذي به حقيقة الإرادة» اهـ.
ـ[522] أورده البياضي في إشارات المرام (ص/257).
ـ[523] مناقب الشافعي (1/ 417)، تاريخ مدينة دمشق (51/ 182 – 183).

جواب ءاخر

دفع شبهة للمعتزلة

دفع شبهة للمعتزلة
قالت المعتزلة: مآل مذهبكم أنَّ العبد حيث إنه لا يخلق فعله فهو مظهر لظهور أثر قدرة الله فكيف يكون مكلفًا؟ قلنا: وأنتم إن سلمتم أنه لا فعل للعبد إلا أن علم الله في الأزل أنه يكون منه وإلا فلا فقد رجعتم إلى القول إلى أنه لا اختيار للعبد محض بل العبد له اختيار ممزوج بجبر كما نقول. وإن لم تسلموا ذلك فقلتم إن العبد يفعل ما علم الله أنه لا يكون أو لا يفعل ما علم الله أنه يكون منه فقد نسبتم الله إلى الجهل، وذلك كفر ظاهر.
وإن سلمتم أنه كان عالمًا في الأزل ما سيفعل العبد أنه يفعله وأنه كان عالمًا بما لا يفعل العبدُ أنه لا يكون منه كان ذلك اعترافًا منكم بصحة التكليف للعبد من غير أن يكون للعبد استقلال بالفعل فماذا تعيبون على أهل السنة؟وقولُ المعتزلة إن الله خلق الأجسام وإنه لا يخلق شيئًا من الأعمال بل الأعمال بخلق العباد حتى أفعال البهائم قالوا إنها تقع بخلق البهائم لها مؤداه أنهم جعلوا مخلوق العباد وكلّ ذي روح أكثر من مخلوقات الله باعتبار ذواتهم ولا شك أن أعمالهم أكثر من أعيانهم أي أجسامهم وهم خالفوا بذلك قول الله تعالى ﴿ … اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ … *﴾ [سورة الرعد] وقوله ﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لاَ يَخْلُقُ … *﴾ [سورة النحل] وقوله في سورة فاطر  ﴿… هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ … *﴾ وقوله ﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَآءَ اللَّهُ … *﴾ [سورة الإنسان]. وخالفوا قول الأمة قاطبة سلفها وخلفها «ما شَاءَ الله كانَ وَمَا لَم يَشَأ لم يَكُنْ». فالمعتزلي يقول «ما شِئْتُ كان وما شَاءَ الله لم يكن» لأن المعتزلي يعتقد أن الله تعالى لم يشأ من أعمالنا إلا الخير أما الحرام والمكروه فواقعان بغير مشيئته وقد ثبت عقلًا عموم مشيئة الله تعالى لكل ممكن عقلي. وخالفوا أيضًا قول الله تعالى ﴿ … أَفَلَمْ يَيْأَسْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا … *﴾ [سورة الرعد] فيحصل من ذلك دليل على أن العباد شاؤوا المعاصي عندنا وعندهم وأن مشيئتهم المعاصي كانت بمشيئة الله تعالى بهذا النص النافي لأن يشاؤوا شيئًا إلا أن يشاء الله سبحانه. وفيه دليل على أنه لا دخل لمشيئة العبد إلا في الكسب وإنما الخلق أي الإحداث من العدم بمشيئة الله وتقديره. وكذلك قوله تعالى ﴿ … فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ *﴾ [سورة الأنعام] وقوله تعالى ﴿ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً … *﴾ [سورة هود] وفي هذه الآية دليل ظاهر على أن الأمر غير المشيئة وأنه تعالى لم يُرد الإيمان لكل أحد وأن ما أراده يجب وقوعه.وقوله تعالى ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ … *﴾ [سورة الأنعام] وفيه تصريح بتعلق مشيئته تعالى بهداهم وضلالهم. وقوله تعالى ﴿ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا … *﴾ [سورة يونس] فيه دليل على كمال قدرته ونفوذ مشيئته أنه لو شاء لآمن من في الأرض كلهم ولم يكن فيها إلا المؤمن الموحد ولكنه شاء أن يؤمن به من علم منه اختيار الإيمان به، وشاء أن لا يؤمن به من علم أنّه يختار الكفر ولا يؤمن به فقال تعالى ﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ … *﴾ [سورة الأنعام] وفيه دليل على أنّ الآية [(524)] وإن عظمت لا تضطر إلى الإيمان بل من علم الله منه اختيار الإيمان شاء له ذلك ومن علم منه اختيار الكفر والإصرار عليه شاء له ذلك كما في التأويلات الماتريدية [(525)].ومن أصرح دليل على أن الهدى والضلال بخلق الله تعالى قوله ﴿ … فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَآءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَآءُ … *﴾ [سورة فاطر] أي من يشاء الله، فالضمير في يشاء عائد إلى الله لا إلى العبد بدليل قوله تعالى إخبارًا عن موسى ﴿ … إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَآءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَآءُ … *﴾ [سورة الأعراف] والقرءان يفسر بعضه بعضًا ولا يناقض بعضه بعضًا، فمن جعل الضمير عائدًا إلى العبد فقد حرَّف القرءان لأنه على ما ذهب إليه يلزم التناقض في القرءان، ويرد على هؤلاء بقوله تعالى ﴿ … مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَآ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *﴾ [سورة الأنعام] وقوله تعالى ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ … *﴾ [سورة القصص] وقوله تعالى ﴿ وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ … *﴾ [سورة هود] وقوله تعالى ﴿ … كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ … *﴾ [سورة يوسف] ففيه دليل على أن الأعمال بخلق الله تعالى وقضائه وقدره وأن يوسف لو لم يصرف الله السوء عنه لم يَسلم فسبحان من لا حول ولا قوة إلا به فبمجموع هذه الآيات ونحوها تمسك أهل الحق.
وللمعتزلة تأويلات فاسدة يتعجب منها الناظر فقالوا في الجواب عن قول الله تعالى في سورة الأنعام  ﴿… فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ *﴾ إن المشيئة تُحمل على مشيئة القسر والإلجاء والإرغام. فحين سُئلوا عن معنى مشيئة القسر تحيروا فقال العلاّف منهم «معناها خلقُ الإيمان والهداية فيهم بلا اختيار منهم» ورُدَّ بأن المؤمن حينئذ يكون اللَّهَ لا العبدَ على ما زعمتم من إلزامنا لمّا قلنا بأنَّ الخالق هو الله تعالى مع قدرتنا واختيارنا وكسبنا فكيف بدون ذلك.وقال الجُبَّائي: «معناه خلق العلم الضروري لصحة الإيمان وإقامةُ الدلائل المثبتة لذلك العلم الضروري» ورُدَّ بأن هذا لا يكون إيمانًا على قولكم إن الإيمان المكلف به ما يكون بخلق العبد. والكلام في الإيمان الاختياري على أن في بعض الآيات دلالة على أنهم لو رأوا كل ءاية أو دليل لا يؤمنون ألبتّة.
وقال ابن الجبائي «أن يخلق لهم العلم بأنهم لو لم يؤمنوا لعذبوا عذابًا شديدًا». وهذا أيضًا فاسد لأن كثيرًا من الكفار يعلمون ذلك ولا يؤمنون على أنَّ قوله تعالى ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأِمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ *﴾ [سورة السجدة] يشهد بفساد تأويلاتهم لدلالته على أنه إنما لم يهد الكل لسبق الحكم بملء جهنم. ولا خفاء بأن الإيمان والهداية بطريق الجبر لا يخرجهم عن استحقاق جهنم عندهم فوضح بذلك أنهم محتارون ومتهورون.
ـ[524] تشنيف المسامع (4/ 162 – 163).
ـ[525] في نسخة: «خاليًا».

جواب عن شبهة تتعلق بها المعتزلة

فائدة

لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي