ما يجوز أن يسمى الله به وما لا يجوز – الدليل القويم على الصراط المستقيم للشيخ عبد الله الهرري

ما يجوز أن يسمى الله به وما لا يجوز
لا يجوز تسمية الله بما لم يرد به توقيف أي لم يرد الإذن به شرعًا فلا يجوز تسميته جسمًا أو جوهرًا لأنه لم يرد في الكتاب والسنة إذنٌ به هذا على القولين على القول بأن أسماءه تعالى توقيفية وهو الصحيحُ وقولُ الجمهور وعلى القول الآخر الذي جرى عليه البعض.

قال الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي [(500)]: «وأما على القول بجواز إطلاق المشتق مما يثبت سمعًا اتصافه بمعناه وما يُشعر بالجلال ولم يُوهم نقصًا وإن لم يرد توقيف كما ذهبت إليه المعتزلة وأبو بكر الباقلاني فخطأ أيضًا لأنه لم يوجد في السمع ما يسوغ إطلاقه ولأن شرطه بعد السمع أن لا يوهم نقصًا فيكتفون حيث لا سمع بدلالة العقل على اتصافه تعالى بمعنى ذلك اللفظ. ومن قال بإطلاق الألفاظ التي هي أوصاف دون الأسماء الجارية مجرى الأعلام كالمصنف – يعني الغزالي – في المقصد الأسنى والإمام الرازي فالشرط عنده كذلك فيما أجازه دون توقيف. واسم الجنس يقتضي النقص من حيث اقتضائية الافتقار إلى أجزائه التي يتركب منها وهو أعظم مقتض للحدوث فمن أطلقه عليه تعالى فهو عاص بل قد كفَّره الإمام ركن الإسلام [(501)] فيمن أطلق عليه اسم السبب والعلة وهو أظهر فإن إطلاقه عليه وهو غير مكره عليه بعد علمه بما فيه من اقتضاء النقص استخفاف بالربوبية وهو كفر إجماعًا» اهـ. فيُعلم من ذلك حرمة إطلاق الروح على الله وفساد قول بعض الناس «ءاه اسم من أسماء الله» لأن ءاه باتفاق علماء اللغة لفظ وضع للشكاية والتوجع.
وقد قرر أهل المذاهب الأربعة أن الأنين والتأوه يفسد الصلاة وءاه من جملة ألفاظ الأنين وقد عدها الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في شرح القاموس اثنتين وعشرين كلمة [(502)]. وما يروى أن الأنين اسم من أسماء الله أخرجه الرافعي في تاريخ قزوين [(503)] بإسنادٍ تالفٍ وهو مناقض لقول الله في سورة الأعراف ﴿ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى … *﴾ فقد فسروا الحسنى بالدالة على الكمال فلا يجوز أن يكون اسم من أسماء الله تعالى دالًّا على خلاف الكمال. وما يدل على العجز والشكاية والتوجع مستحيل أن يكون اسمًا لله تعالى. وذلك دليل أنَّ الحديث المذكور موضوع.

كما يعلم مما تقدم حرمة تسمية الله سببًا أو علة وانظروا في قول الإمام ركن الإسلام علي السُّغدي [(504)] الحنفي بتكفير من سمى الله تعالى سببًا أو علة وقد تقدم.
وأما الروح فقد ورد في بعض كتب المتصوفة اسمًا ولا عبرة بذلك لأن الروح اسم جامد ليس من الأوصاف حتى ينطبق عليه قول الغزالي ولأنه يدل على النقص لأن الروح جسم لطيف محدث يتعلق بالبدن والله منزه عن أن يكون كذلك، وتعالى الله عن أن يسمى جسمًا. ولا يجوز أيضًا إطلاق الفم على الله أو الأذن أو نحو ذلك لأنها من قبيل الأجسام. ويستحيل أن يكون الله تعالى جسمًا إذ لو كان جسمًا لجاز عليه ما يجوز على الأجسام ووجب له ما يجب للأجسام كالحدوث ولصحت الألوهية للشمس والقمر والسماء والملائكة والجن وغير ذلك، وذلك محال وما أدى إلى المحال محال.
وأما الوجه فقد ورد في القرءان إطلاقه على الله بمعنى الذات كقوله تعالى ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ *﴾ [سورة الرحمن]. وهنا يتعين تفسيره بالذات لأنه ورد مرفوعًا [(505)] موصوفًا بـ «ذو الجلال والإكرام» والذات المقدَّس هو الموصوف بالجلال والإكرام.
وليس في ذلك حجَّة للمجسمة المعتقدة أنَّ الله تعالى له وجه بمعنى الجزء المعهود.
أما العين واليد إذا أضيفتا إلى الله فلا يراد بهما الجارحة، قال البيهقي في كتابه «الاعتقاد» وغيره [(506)] «إنهما صفتان ليستا جارحتين»، قال أبو حنيفة [(507)] «ولكن يده صفته بلا كيف»، وقال في «الفقه الأبسط» [(508)] «ليست بجارحة».
وقال البيهقي في كتابه «الأسماء والصفات» ما نصه [(509)]: «وقال أبو سليمان الخطابي رحمه الله ليس فيما يضاف إلى الله من صفة اليدين شمال لأن الشمال محل النقص والضعف وقد روي [(510)] «وكلتا يديه يمين» اهـ.

وليس معنى اليد عندنا الجارحة إنما هو صفة جاء بها التوقيف فنحن نطلقها على ما جاءت ولا نكيف وننتهي إلى حيث انتهى بنا الكتاب والأخبار المأثورة الصحيحة وهو مذهب أهل السنة والجماعة» اهـ.

ـ[500] شرح الفقه الأكبر (ص/67).
ـ[501] إشارات المرام (ص/193).
ـ[502] الأسماء والصفات (ص/332).
ـ[503] رواه مسلم في صحيحه: كتاب الإمارة: باب كراهية الإمارة بغير ضرورة.

ـ[504] رواه الحاكم في المستدرك (1/ 31 – 32) بلفظ: «إن الله خالق كل صانع وصنعته» وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك (1/ 32)، ورواه البيهقي في الأسماء والصفات (ص/26) بلفظ: «إن الله عز وجل صنع كل صانع وصنعته»، والبخاري في خلق أفعال العباد (ص/46) بلفظ: «إن الله يصنع كل صانع وصنعته».
ـ[505] إشارات المرام (ص/252).
ـ[506] شرح الفقه الأكبر (ص/89).
ـ[507] أصول الدين (ص/84).
ـ[508] المسايرة (ص/113 – 114).
ـ[509] شرح الفقه الأكبر (ص/52).
ـ[510] المسايرة (ص/112 – 113).

لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي