بيان وجه إعجاز القرءان
من ءايات رسول الله سيدنا محمّد التي تحدى بها كافة العرب القرءان. فإنهم مع تميزهم بالفصاحة والبلاغة جعلوا أنفسهم هدفًا للإغارة عليهم والفتك والتقتيل ولم يقدروا على معارضته بالمثل وعجزُهُم عن ذلك متواتر بانصرافهم عن المعارضة إلى المقارعة مع توفر مُقتضِيات المعارضة منهم من حيث قوة الفصاحة والبلاغة بحيث بلغوا في ذلك إلى الغاية التي تمكن الإنسان مع توفر دواعيهم على رد دعوته وتهالكهم على ذلك فلم يجدوا إلى ذلك سبيلًا ولجأوا إلى بذل مُهَجِهم وإتلاف أموالهم وقتل نفوسهم ولو قدروا على المعارضة لما عدلوا عنها لما فيها من حصول مقصودهم مع سلامة مُهَجهم. ولو عارضوا بالمثل لنُقل لما فيه من توفُّر الدواعي وانتفاء الموانع إذ لم يكن من قدرة البشر الجمع بين جزالة [(594)] القرءان وحُسن التركيب مع ما فيه من أخبار الأولين مع كونه أميًّا غير ممارس للكتب والإنباء عن الغيب في أمورٍ كثيرة تحقق صدقه فيها في الاستقبال كقوله تعالى في سورة الفتح ﴿… لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ … *﴾ [سورة الفتح] وكقوله ﴿ الم *غُلِبَتِ الرُّومُ *فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ *فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ *﴾ [سورة الروم]، وقوله ﴿ وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَاخُذُونَهَا … *﴾ [سورة الفتح]، وقوله تعالى ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا … *﴾ [سورة النور].فقد قام عليه الصلاة والسلام يدعو إلى الإسلام بعدما انقطع من بين البشر وحده فآمن به أربعة أفراد من أهل بلده مكة ثم ءامن به عدد ءاخر قليل ثم ظهر دينه في الأرض وانتشر في نحو ربع قرن من الجزيرة العربية إلى طنجة غربًا وإلى الصين شرقًا طِبْقَ ما أَخْبَر بقوله صلى الله عليه وسلم مما أوحي إليه من غير القرءان «إنَّ الله زوى لي مشارق الأرض ومغاربها وإنّ مُلك أمتي سيبلغ ما زُوي لي منها وأُعطِيت الكنزين الأحمر والأبيض» [(595)].
ومن معجزاته أنه تواتر أنه أخبر بأن عمَّارًا تقتله الفئة الباغية، فتحقق ما أخبر به بعد بضعة وثلاثين عامًا من مقالته بقتل عمار في معركة صفين بيد الجيش المتمرد على أمير المؤمنين عليّ، وغير ذلك.
فإذا عُرِف معنى المعجزة كما شرحنا دلَّ العقل أن هذا الذي قام بدعوى النبوة يتحتم تصديقه فيما دعا إليه من وجود صانع للعالم اسمه الله يجب عبادته أي نهاية التذلل له وأنه مبلغ عنه إلى العباد فإن الله الذي يُبلِغ عنه لما خلق له هذه المعجزة مع كونه مشاركًا لنا في الجنس، كان ذلك في تقدير صَدَقَ عَبدِي في كل ما يُبَلّغُ عني وكان الإعراض عن تصديق هذا النبي إهدارًا للعقل.
فإذا وضح ثبوت المعجزة وثبت تحتم تصديق صاحب المعجزة عقلًا تعين تصديقهم فيما أخبروا من أمور بدء الخلق وصفات الجنة والنار وأحوال البرزخ وهو ما بين الحياتين أي انتهاء الحياة الحاضرة بالموت والحياة الثانية الدائمة التي لا موت بعدها وهي المعنية بالآخرة وكلّ ما بلغوه.ـ[594] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الصلاة: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا».
ـ[595] فيض القدير (1/ 15 – 16).
إبطال شبهة يوردها بعض الملحدين
