فائدة تتعلق بشرح مسألة القضاء والقدر – الدليل القويم على الصراط المستقيم للشيخ عبد الله الهرري

فائدة تتعلق بشرح مسألة القضاء والقدر
قال الخطابي [(552)]: «يتوهم كثير من الناس أن معنى القدر من الله والقضاء منه الإجبار والقهر للعبد على ما قضاه وقدَّره وليس كذلك وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله بما يكون من أفعال العباد واكتسابها وصدورها عن تقدير منه وخلقه لها خيرِها وشرّها» اهـ.
والمعنى أن كل حادث من خير وشر ونفع وضر فهو مستند إلى قدرته وإرادته قال تعالى ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ *﴾ [سورة القمر] ﴿… وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا *﴾ [سورة الفرقان] ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ … *﴾ [سورة ءال عمران] أي بقضاء الله وقدره. وقال تعالى ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا … *﴾ [سورة الحديد].
وقال تعالى ﴿ … وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً … *﴾ [سورة الأنبياء].
وقال تعالى ﴿ … وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ … *﴾ [سورة الرعد].وروى مسلم [(553)]: «كل شىء بِقَدَرٍ حتى العجزُ والكيسُ» أي البلادة والذكاء.
قال الزركشي [(554)]: «وهو من لوازم القول بخلق الأفعال كلها. وهي مسألة القضاء والقدر التي لا يتم الإيمان إلا به ويعتقد أن كل شىء من الطاعة والعصيان والنفع والضر بخلق الله وإرادته خلافًا للمعتزلة فإنهم يعتقدون أن الأمر مستأنفٌ بمشيئة العبد مستقلٌّ به من غير سبق قضاء وقدر، ولذلك قيل لهم القدرية لأنهم نَفَوا القدَر. وجاء في الحديث «القدريةُ مجوس هذه الأمة» [(555)] يعني أنهم يجعلون أنفسهم مستبدين بالفعل والله تعالى فاعل وهم فاعلون لا يسندون أفعال العباد إلى قَدَرِ الله فكأنهم يثبتون خالقِيْنَ في الحقيقة كما أثبت المجوس خالقَيْنِ خالق الخير وخالق الشر.
وقد التزم الأستاذ أبو إسحاق ظاهر الخبر فقال لا تُنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم وفي قتل الواحد منهم ديَة مجوسيحكاه عنه الآمدي في «الأبكار» [(556)].
وقد ألجمهم الشافعيُّ حيث قالالقدريةُ إذا سلموا العلم خُصموا» اهـ، وإذا سلموا أن الله تعالى علم أن زيدًا يموت وليس بقادر على الكفر إلا بما خلق له من القدرة فأي صلاح في خلق ما هو السبب المؤدي إلى الكفر. وكذلك خَلْقُهُ في نفسه لأنه تعالى لو شاء لم يخلقه فأي صلاح له في خلقه.
وقال الجنيد [(557)] كلَّمتُ يومًا رجلًا من القدرية فلما كان الليل رأيت في النوم كأن قائلًا يقولما ينكر هؤلاء القوم أن يكون الله قبل خلقه الخلق علم أن لو خلق الخلق ثم ملكهم أمورهم ثم رد إليهم الاختيار فلزم كل امرئ منهم بعد أن خلقهم ما علم منهم أنهم له مختارون» اهـ.ومن أدلتنا قوله تعالى ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ *﴾ [سورة الأنعام]. أخبر الله تعالى بأن صلاة العبد ونسكه ومحياه ومماته مِلْكٌ له وخلق له لا يشركه فيه غيره فأعلمنا أنه لا فرق في ذلك بين الأفعال الاختيارية كالصلاة والنسك وبين ما يتصف به العبد مما ليس باختياره كالحياة والموت. فساق الله تعالى الأربعة مساقًا واحدًا للمبالغة في البيان ليفهمنا أنَّه لا فرق من حيث استناد وجود كلّ إلى الله خلقًا وتكوينًا.ـ[552] رواه أبو داود في سننه: كتاب السنة: باب في القدر.
ـ[553] رواه أحمد في مسنده (2/ 86)، السنن الكبرى (10/ 203).
ـ[554] اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 709).
ـ[555] رواه أحمد في مسنده (2/ 86)، وأبو داود في سننه: كتاب السنة: باب في القدر، والحاكم في المستدرك (1/ 85) وقال: «حديث صحيح إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر» وأقره الذهبي، ورواه الطبراني في المعجم الأوسط (3/ 127)، والبيهقي في سننه (10/ 203)، والبخاري في التاريخ الكبير (2/ 341)، واللالكائي (4/ 707)، وفي سند الطبراني زكريا بن منظور قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 205): «وثقه أحمد بن صالح وغيره وضعفه جماعة».
ـ[556] رواه أحمد في مسنده (5/ 406 – 407)، وأبو داود في سننه: كتاب السنة: باب في القدر، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 203)، والبزار في مسنده (7/ 338)، وأبو داود الطيالسي في مسنده (ص/58).
ـ[557] رواه ابن ماجه في سننه: المقدمة: باب في القدر، والطبراني في المعجم الصغير (1/ 235).

الحكمة في كون المخلوقات قسم منها خير وقسم منها شر

بحث يلتفت إلى ما مضى من تكفير الغالي من أهل الأهواء