الفرق بين النبوّة والرسالة – الدليل القويم على الصراط المستقيم للشيخ عبد الله الهرري

الفرق بين النبوّة والرسالة
يجتمع النبي والرسول في أن كلًّا منهما أُوحي إليه بشرع. ويفترق الرسول عن النبي بأنه أوحي إليه بشرع جديد. والنبي يتبع شرع الرسول الذي قبله. ولا يصح قول بعضهم: النبي إنسان أوحي إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه فإن أُمر بتبليغه فرسول لأن كلًّا مأمور بالتبليغ.ويفترقان أيضًا في أن النبي لا يكون إلا من البشر. أما الرسل فمنهم بشر ومنهم ملائكة. قال تعالى ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ … *﴾ [سورة الحج]. ولا تكون النبوة والرسالة في النساء. وأول نبي رسول ءادم وءاخرهم محمد.
قال المفسر ناصر الدين البيضاوي في تفسيره [(596)] ما نصه: «الرسول من بعثه الله بشريعة مجدِّدَة يدعو الناس إليها، والنبي يعمه ومن بعثه لتقرير شرع سابق كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهم السلام» اهـ.
وقال العلامة كمال الدين البياضي الحنفي في «إشارات المرام» [(597)] ما نصه: «فالنبي إنسان بعثه الله لتبليغ ما أوحي إليه، وكذا الرسول، فهو المراد هنا ولذا اقتصر على الأنبياء» اهـ، وقال في موضع ءاخر من كتابه المذكور [(598)]: «الثالثة أن الرسول من جاء بشرع مبتدإٍ، والنبي من لم يأت به وإن أمر بالإبلاغ كما في شرح التأويلات الماتريدية» [(599)]. إلى أن قال «واختاره المحققون وصرّح به البيضاوي في سورة الحج». اهـوقال عصرينا الحافظ أحمد الغماري [(600)] ما نصه: «الفرق بين النبي والرسول دقيق وقد خفي على كثير من الناس، والمشهور في كتب المتكلمين في الفرق بينهما أن الرسول إنسان أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، والنبي إنسان أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، وهذا كلام جاهل بالسنة والأخبار بل وبصريح القرءان، فإن قول الله تعالى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِّيٍ … *﴾ الآية [سورة الحج] صريح في إرسالهما حقًّا، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة» [(601)]، والأخبار والأحاديث التي فيها فأوحى الله إلى نبي من أنبيائه أن قل لفلان العابد أو للملك الفلاني أو للقرية الفلانية لا تكاد تنحصر وهذا هو الإرسال، والذي عندنا أن الرسول يفارق النبي في ثلاثة أمور». ثم قال: «الثالثة أن الرسول يبعث بشريعة مستقلة والنبي يبعث بتقرير شريعة من قبله» اهـ.
ومما يدل أيضًا على ذلك قولُ الله تعالى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ … *﴾ [سورة الأعراف] الآية أليس هذا الإرسال المذكور في هذه الآية هو إرسال تبليغ ودعوة إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، وكيف يوفق بين هذه الآية وبين قولهم «إن النبي أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه»؟ والله تعالى قال ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ *﴾ [سورة سبإ]، وقال تعالى: ﴿ وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ *وَمَا يَاتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ *﴾ [سورة الزخرف]، نسأل الله تعالى التوفيق من الزلل إنه على كل شىء قدير.قال المناوي في مقدمة «فيض القدير» [(602)] ما نصه: «والرسول والنبي طال فيما بينهما من النسبة الكلام، والمحققون كما قال ابن الهمام [(603)] كالعضد والتفتازاني [(604)] والشريف الجرجاني على ترادفهما وأنه لا فارق إلا الكتاب» اهـ، ثم قال: «وقال في «المقاصد» [(605)]: النبي إنسان بعثه الله لتبليغ ما أوحي إليه، قال وكذا الرسول، قال الكمال بن أبي شريف: هذا ينبئ عن اختياره للقول بترادفهما.
وفي شرح العقائد [(606)] بعد ما ذكر أنه لا يُقتصر على عدد في تسمية الأنبياء ما نصهوكلهم كانوا مبلغين عن الله تعالى لأن هذا معنى النبوة والرسالة، قال الكمال بن أبي شريفهذا مبني على أن الرسول والنبي بمعنى واحدوقال الإمام الرازي في تفسيره [(607)]: ولا معنى للنبوة والرسالة إلا أن يشهد على الله أنه شرع هذا الحكم، وفي المواقف [(608)] وشرحه في السمعياتالنبي من قال له الله تعالى أرسلتك إلى قوم كذا أو إلى الناس جميعًا أو بلغهم عني أو نحوه، ولا يشترط في الإرسال شرط.
وفيه في شرح الديباجة: الرسول نبي معه كتاب والنبي غير الرسول من لا كتاب معه بل أمر بمتابعة شرع من قبله كيوشعقال المولى خسروتبع – يعني الشريف – صاحب الكشاف في تفسير الرسول، واعتراضُهُ بأنه لا يوافق المنقول في عدد الرسل والكتب إذ الكتب نحو مائة والرسل أكثر من ثلاثمائة مدفوع بأن مراده بمن معه كتاب أن يكون مأمورًا بالدعوة إلى شريعة كتاب سواء أنزل على نفسه أو على نبي ءاخرقالوالأقرب أن الرسول من أنزل عليه كتاب أو أمر بحكم لم يكن قبله وإن لم ينزل عليه كتاب، والنبي أعم لما في ذلك من التفصي عما أورد على الأول من أنه يلزم عليه أن يكون من بعث بدون كتاب ولا متابعة من قبله خارجًا عن النبي والرسول معًا اللهم إلا أن يقال إنه لا وجود لمثلهانتهىوقال الشيباني في شرح الفقه الأكبرالرسول من بعث بشرع مجدد، والنبي يعمه ومن بعث بتقرير شرع سابق كأنبياء بني إسرائيل الذين بين موسى وعيسى» انتهى.
ثم قال [(609)]: «وقال الصفوياختار بعض المحققين أن الرسول نبي أتاه المَلَك وقيل جبريل بوحي لا نوم ولا إلهام، والنبي أعم، واعترض بعدم شموله لما لم يكن بواسطة كما هو ظاهر المنقول في موسى قبل نزول الملك عليه ورفعه بأنه يصدق عليه أنه أتاه في وقت لا ينجع إذ يلزم أن يكون النبي قبل البعثة رسولا حقيقة ولا قائل بهوقد أفاد ما قرره المحققان التفتازاني والجرجاني أن مجرد الإيحاء لا يقتضي النبوة، إنما المقتضي لها إيحاء بشرع وتكليف خاص» اهـ، ثم قال: «ومن ثم قيل ونِعم ما قيليعتقد كثير أن النبوة مجرد الوحي وهو باطل وإلا لزم نبوة نحو مريم وءاسية والتزامه شاذ.
وما أورد على التفتازاني من أن قولهالنبي من بعث لتبليغ ما أوحي إليه أنه لا يشمل المبعوث إليه لتبليغ ما أوحي لغيره كما في بني إسرائيل أجيب بأنه مأمور بتبْليغ ذلك وهو مما أوحي إليه، أو أن شرع غيره المشير إليه فيما أوحى إليه في الجملة.ومن هذه النقول اللامعة والمباحث الجامعة عرف صحة عزو العلامة ابن الهمام القول بالترادف إلى المحققين وأن الإمام الشهاب ابن حجر [(610)] قد انحرف هنا عن صوب الصواب حيث حكم على من زعم الاتحاد [(611)] بالغلط، ونسب الكمال بن الهمام إلى الاسترواح في نقله والسقَط، ثم قالإن الذي في كلام أئمة الأصوليين خلاف الاتحاد، قالرأي المحققين خلاف هؤلاء، فإن أراد أن محققي أئمة الأصوليين خلاف العضد والتفتازاني والجرجاني وأن هؤلاء ليسوا بمحقّقين فهذا شىء لا يقوله محصّل، وإن أرادهم فهذه نصوصهم قد تليت عليك، ولسنا ننازعه في أن المشهور بين الفقهاء ما ذكره الحليمي [(612)] من التغاير وأن الفارق الأمر بالتبليغ إنما الملام في إقدامه على تغليط ذلك المحقق ونسبته إلى الغفول عن كلام المحققين من رأس القلم» انتهى كلام المناوي.
وقال الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي في أصول الدين [(613)] ما نصه: «والفرق بينهما – أي النبي والرسول – أن النبي من أتاه الوحي من الله عز وجل ونزل عليه الملك بالوحي، والرسول من يأتي بشرع على الابتداء أو ينسخ بعض أحكام شريعة قبله». اهـوقال القونوي النسفي في «القلائد» شرح العقيدة الطحاوية [(614)] ما نصه: «والفرق بين النبي والرسول أن الرسول من بعثه الله تعالى إلى قوم وأنزل عليه كتابًا أو لم ينزل لكن أمره بحكم لم يكن ذلك الحكم في دين الرسول الذي كان قبله، والنبي من لم ينزل عليه كتابًا ولم يأمره بحكم جديد بل أمره بأن يدعو الناس إلى دين الرسول الذي كان قبله، وقيلالرسول من نزل عليه جبريل عليه السلام وأمره بتبليغ رسالة الله تعالى إلى الناس، والنبيُّ من لم ينزل عليه جبريل بل سمع صوتًا من مَلَكٍ أو رأى في المنام انك نبي فبلّغ رسالة الله تعالى إلى الناس، وقيلالرسول الشارعُ والنبيُّ الحافظ شريعة غيره، والرسول يعمُّ البشر والملك بخلاف النبي، فالحاصلإن الرسول أخص من النبي لأن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولًا» اهـ.فائدة. قال الله تعالى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِّيٍ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى … *﴾ [سورة الحج] الآية، فالله تعالى قال ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِّيٍ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى … *﴾، ثم في الآية ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِّيٍ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى … *﴾ إطلاق الإرسال على النبي والرسول ويكفي هذا دليلًا على أن النبي يبلغ وعلى بطلان قول من يقول إن النبي ليس مأمورًا بالتبليغ إذ لا معنى للإرسال بدون الأمر بالتبليغ، فالرسول والنبي كلاهما مأموران بالتبليغ إنما الفرق بينهما بما سوى ذلك كما ذكره الإمام عبد القاهر بن طاهر التميمي الذي قال فيه ابن حجر الهيتمي: «الإمام الكبير إمام أصحابنا»، وهذا الذي كان عليه المتقدمون فلا عبرة بالرأي الذي ذكره بعض المتأخرين كما في كتاب الجلالين [(615)] وفي كشف النقاب في شرح ملحة الإعراب [(616)] وكتاب فتح الباري [(617)] وغير ذلك من تعريف النبي بأنه من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بالتبليغ فإنه مخالف للنص ولما قاله المتقدمون.ـ[596] المسايرة (ص/194).
ـ[597] شرح العقائد (ص/170).
ـ[598] المقاصد مع شرحه (5/ 5).
ـ[599] شرح العقائد (ص/170).
ـ[600] التفسير الكبير (3/ 8).
ـ[601] شرح المواقف (8/ 241 – 242).
ـ[602] فيض القدير (1/ 15 – 16).
ـ[603] تحفة المحتاج في شرح المنهاج: خطبة الكتاب.
ـ[604] أي الاتحاد في المعنى بين النبي والرسول في كون كلّ منهما يبلّغ عن الله.
ـ[605] المنهاج في شعب الإيمان (1/ 239).
ـ[606] أصول الدين (ص/154).
ـ[607] القلائد شرح العقائد (ص/83)، مخطوط.ـ[608] تفسير الجلالين (ص/441).
ـ[609] كشف النقاب (ص/2).
ـ[610] نقله في فتح الباري (11/ 112) ولم يتعقبه.
ـ[611] طبقات الشافعية (2/ 268).
ـ[612] شرح لمع الأدلة (ص/197)، مخطوط.
ـ[613] شرح لمع الأدلة (ص/198)، مخطوط.
ـ[614] ولو قيل خروج يونس عليه السلام من قريته وفراقه لقومه كان بعد أن صار نبيًّا لكنه فعل ذلك قبل أن يؤذن له بذلك وحيًا ولأجل هذا قال في بطن الحوت ما قال على أن ذلك لم يكن كبيرة ولا دالًّا على خساسة نفس أو دناءة همة لكان حسنًا.
ـ[615] روى الترمذي في سننه: كتاب السير: باب ما جاء في قتل الأُسارى والفداء، والنسائي في السنن الكبرى (5/ 200)، وابن حبان في صحيحه انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (7/ 143)، والبيهقي في سننه، والحاكم في المستدرك (2/ 140)، والبزار في مسنده (2/ 176) أن جبريل جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال «خيّر أصحابك في أُسارة بدر إن شاؤوا القتل وإن شاؤوا الفداء على أن يُقتل في العام المقبل منهم مثلهم فقالوا: الفداءَ ويقتل منا». أما قوله تعالى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ … *} [سورة الأنفال] فهذا من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم أما بالنسبة لكم الله رخص لكم في أخذ الفداء، الله تعالى امتن على الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا. قال القاضي عياض في الشفا (2/ 159): «وأما قوله في أسارى بدر {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى … *} الآيتين فليس فيه إلزام ذنب للنبي صلى الله عليه وسلم بل فيه بيان ما خُص به وفُضّل من بين سائر الأنبياء فكأنه قال ما كان هذا لنبي غيرك».
ـ[616] شرح لمع الأدلة (ص/201)، مخطوط.
ـ[617] رواه النسائي في السنن الكبرى: كتاب السير: باب مباشرة الإمام الحرب بنفسه.

بيان وجه إعجاز القرءان

عصمة الأنبياء