الصّراط
ومما يجب الإيمان به الصراط لقوله تعالى ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا … *﴾ [سورة مريم] وقد وردت به الأخبار الصحيحة واستفاضت. وهو جسر يضرب بين ظَهْرَانَي جهنم يَرِدُهُ الناس فمنهم من يرده ورود دخولٍ وهم الكفار وبعض عصاة المسلمين أي يَزِلُّون منه إلى جهنم. ومنهم من يرده ورود مرور فمنهم من يمر كالبرق الخاطف ومنهم من يمر كطرفة عين ومنهم غير ذلك، وهو محمول على ظاهره بغير تأويل وقد ورد في صفته أنه [(827)] «دَحضٌ مزلةٌ».وقد اختلف في تفسير الورود المذكور في الآية فقال بعض إنه الدخول، وقال بعض إنه العبور، والصواب أن الورود على وجهين ورودُ دخول وورودُ عبور، فورود الدخول للكفار ولبعض عصاة المسلمين وورود العبور للأَتقياء، ولا يُستبعد أن يحصل ذلك لأفراد من البشر من مرورهم من دون أن يمشوا على الجسر، لأن من أمسك السماء في الهواء بلا عِلاَقَة ولا عمد وسخر السحاب الثقال وعليها بُحُور الماءِ بين السماء والأرض بلا عِلاقة من فوق ولا عمد من تحت قادر على ذلك أي على أن يعبروا على الصراط في الهواء.
وما ورد أنه أحدُّ من السيف وأدقّ من الشعر كما روى مسلم [(828)] عن أبي سعيدٍ الخدري «بلغني أنه أدقُّ من الشعرة وأحدُّ من السيف» فليس المرادُ ظاهرَه وإنما المراد بذلك أن خطره عظيم، فإنّ يُسْرَ الجواز عليه وعُسرَه على قدر الطاعات والمعاصي ولا يعلم حدود ذلك إلا الله فقد ورد في الصحيح أنه تجري بهم أعمالهم [(829)].ـ[827] أي أعطيه قوة غريبة في سمعه وبصره ويده ورِجْله.
ـ[828] عزاه الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (11/ 342) للطبراني ولم نقف عليه في معاجمه المطبوعة، ورواه أبو نعيم في الحلية (6/ 116) من طريق الطبراني وقال: «غريب من حديث الأوزاعي عن عبدة»، قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 333): «هذا إسناد جيد وهو غريب جدًّا».
ـ[829] انظر فتح الباري (11/ 342) ونص عبارته: «وعن حذيفة أخرجه الطبراني مختصرًا وسنده حسن غريب».
الحوض
الحوض مكان أعد الله فيه شرابًا لأهل الجنة يشربون منه قبل دخول الجنة وبعد مجاوزة الصراط فلا يصيبهم بعد ذلك ظمأ، ويَصُبُّ فيه ميزابان من الجنة. وقد ورد في وصفه ما رواه البخاري [(830)] في صحيحه عن عبد الله بن عمرو قال قال النبي صلى الله عليه وسلم «حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكِيزَانه كنجوم السماء، من شرب منه فلا يَظمأ أبدًا». ثم إن لكل نبي حوضًا [(831)] لكن حوض نبينا أكثرُ ورودًا.وأنكرت المعتزلة الكتاب أي إيتاء الكتاب والميزان والحوض والصراط، وشبهتهم في إنكار الصراط أنهم قالوا إذا كان أدقَّ من الشعرة وأحدَّ من السيف فإمرار المؤمنين عليه تعذيب لهم، والجواب أن المؤمنين يعبرون على كيفيات شتى منهم من يطير ومنهم من يمشي عليه، ثم منهم من يقع ومنهم من لا يقع، ومنهم من يسلم حتى يصل إلى الجنة لأن أعمالهم هي التي تجري بهم ليست قوةَ المشي فيهم إذ قوة المرور هناك على حسب حالهم في الدنيا من حيث الأعمال. وأما حملهم لما ورد عن بعض الصحابة على ظاهره فلا حجة فيه ولا دليل لهم عليه وقد قلنا إن الصواب أنه في الحقيقة عريض لكنه من شدة هوله عبَّر عنه بهذا التعبير فكيف بَنَت المعتزلة أمرهم في إنكارهم الصراط على حديث غير مرفوع ولا هو مجمعٌ عليه ولا اتُّفق على حمله على ظاهره.ـ[830] رواه الترمذي في سننه: كتاب تفسير القرءان: باب ومن سورة الحجر. قال الترمذي: «هذا حديث غريب».
ـ[831] نهاوند هي مدينة في قبلة همذان بينهما ثلاثة أيام (معجم البلدان 5/ 313).
