تصريح ابن تيمية بأن من قال كلمة الكفر يكفر وإن لم يعتقد
وقد صرّح ابن تيمية مع كفره وبدعته بأن من قال كلمة الكفر يكفر إن كان معتقدًا أو غير معتقد وذلك في قوله في كتابه «الصارم المسلول على شاتم الرسول» [(1018)]: «في بيان السب المذكور والفرق بينه وبين مجرد الكفر وقبل ذلك لا بد من تقديم مقدمة وقد كان يليق أن تذكر في أول المسئلة الأولى وذكرها ها هنا مناسب أيضًا لينكشف سر المسئلة وذلك أن نقول إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهرًا وباطنًا سواء كان الساب يعتقد ذلك محرمًا أو كان مستحلًا له أو كان ذاهلًا عن اعتقاده هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل» اهـ.
ثم قال [(1019)]: «وكذلك نقل عن الشافعي أنه سئل عمن هزَل بشىء من ءايات الله تعالى أنه قال هو كافر واستدل بقوله تعالى ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ *﴾ وكذلك قال أصحابنا وغيرهم من سب الله كفر سواء كان مازحًا أو جادًا لهذه الآية وهذا هو الصواب المقطوع به» اهـ.
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي في المعتمد: «من سب الله أو سب رسوله فإنه يكفر سواءٌ استحل سبه أو لم يستحله» اهـ. وقال [(1020)] بعد ذكر حديث ذي الخويصرة الذي قال للنبي اعدل قال: «فهذا الكلام مما يوجب القتل بالاتفاق لأنه جعل النبي ظالِمًا مرائيًا» ثم قال: «فهذا الباب كله مما يوجب القتل ويكون به الرجل كافرًا منافقًا حلال الدم» اهـ.
وأبو يعلى هذا محبوب عند المجسمة معظَّم عندهم.ـ[1018] تشنيف المسامع (3/ 65 – 66).
ـ[1019] معناه قال المصنف.
ـ[1020] معناه الشرح.
فائدة عظيمة
قال الحافظ الفقيه اللغوي السيد محمد مرتضى الزبيدي في شرح إحياء علوم الدين في معرض كلامه عن الفلاسفة عند شرحه لكلام الغزالي ما نصه [(1021)]: «ومجموع ما غلطوا فيه يرجع إلى عشرين أصلاً يجب تكفيرهم في ثلاثة منها وتبديعهم في سبعة عشر ولإبطال مذهبهم في هذه المسائل العشرين صنفنا كتاب «التهافت» وأما المسائل الثلاث فقد خالفوا فيها كافة الإسلاميين وذلك في قولهم إن الأجسام لا تحشر وإن المثاب والمعاقب هي الأرواح المجردة والعقوبات روحانية لا جسمانية وكفروا بالشريعة فيما نطقوا به ومن ذلك قولهم إن الله يعلم الكليات دون الجزئيات وهذا أيضًا كفر صريح بل الحق أنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ومن ذلك قولهم بقدم العالم وأزليته فلم يذهب أحد من المسلمين إلى شىء من ذلك» اهـ.ـ[1021] تشنيف المسامع (2/ 66).
تصريح ابن تيمية بأن من قال كلمة الكفر يكفر وإن لم يعتقد
فائدة
قال الإمام أبو حنيفة [(1033)]: «لا ينبغي أن ينطق في الله بشىء من ذاته ولكن يصفه بما وصف به نفسه ولا يقول فيه برأيه شيئًا» اهـ. فتبين أنه لا يجوز أن يقال إن لله أذنًا أو فمًا لأنه لم يرد إطلاق ذلك على الله قرءانًا ولا حديثًا فمن قال ذلك كفر بخلاف من قال لله يد أو عين فإنه لا يكفر إذا لم يقصد الجسم. والفرق بين هذا وذاك أن هذا ورد قرءانًا، قال تعالى في سورة طه ﴿… وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي *﴾ [(1034)] [سورة طه] وقال ﴿ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا … *﴾ [(1035)] [سورة القمر] وقال ﴿… قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ … *﴾ [سورة ءال عمران] فمن اعتقد في الله الجسمية والأعضاء فقد كفر. وقد نقل صاحب «الخصال» من الحنابلة عن أحمد بن حنبل تكفير من قال إنه تعالى جسم لا كالأجسام [(1036)]. واتفق العلماء على تكفير من لم يكفّر من دان بغير الإسلام فيجب القطع بتكفيرهم. ومن قال إن اليهود والنصارى ليسوا كافرين لأنهم أهل كتاب فقد كفر وإن كان جاهلاً وكذا من شك في كفره لقوله تعالى ﴿ قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ *﴾ [سورة ءال عمران] فسماهم الله أهل الكتاب وسماهم كافرين لأنهم يقولون نحن أهل التوراة والإنجيل ولا يعملون بهما إنما يتبعون التوراة المحرَّفة والإنجيل المحرَّف.ـ[1033] فتح الباري (12/ 301 – 302).
ـ[1034] روضة الطالبين (10/ 68).
ـ[1035] الفتاوى الهندية (2/ 261).
ـ[1036] انظر باب الردة من كتابه (2/ 453).
قاعدة
قال العلماء: من تكلم بلفظ صريح معناه في الكفر كَفَر ولا يقبل له تأويل كما قال حبيب بن ربيع أحد أئمة المالكية [(1037)]. وقالوا أيضًا وإن لم ينو المعنى. فينطبق هذا الحكم على من يقول «أخت ربك» أو «يلعن ربّك» ولا ينوي أن لله أختًا ولا أنَّ الله تلحقه اللعنة.وقال العلماء أيضًا «من تكلم بكلامٍ كفرٍ ولا يرى ذلك كفرًا فتشهد على عادته لم يرجع إلى الإسلام». قال ابن نجيم [(1038)] نقلاً عن جامع الفصولين وغيره: «إن المرتد لا ينفعه الإتيان بالشهادتين على وجه العادة ما لم يرجع عما قال». وكذلك قال ابن حجر وغيرهما [(1039)].
ـ[1037] و [(1300)] رواه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها.
ـ[1038] أما من هَمَّ بالكفر كفر.ـ[1039] رواه البخاري في صحيحه: كتاب العتق وفضله: باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه، وكتاب الطلاق: باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون … إلخ، ومسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر.
