المجسم كافر تجميع مقالات

بيان أنَّ المُجسِّمة كُفَّار بالإجماع وأنَّ الصَّحيح أنَّه لا خلاف في كُفر المُجسِّمة عند الأشاعرة

لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي

بيان أنَّه لا يجوز تأويل اللَّفظ الصَّريح في الكُفر

واعلم أخي القارئ أنَّ اللَّفظ الصَّريح في الكُفر لا يُؤوَّل ولا يُخرَج عن مدلوله اللُّغويِّ كما توهَّم جهلة أهل الفتنة أصلحهم الله فلا تلتفت لكلام مَن خالف في هذه المسألة كائنًا مَن كان إذ كلامُه ساقط عند أدنى تحقيق؛ وقد نقل القاضي عياض في [الشِّفا] عن حبيب بن ربيع أحد كبار المالكيَّة أنَّه قال: <ادِّعاء التَّأويل في لفظ صُراح لا يُقبل> انتهى وفي التَّحقيق فإنَّ قول ابن الرَّبيع لا يُخالفُ فيه عالِم مُعتبَر.

-(و)-

بيان أنَّه ليس في لُغة العرب تسمية الوُجود جسمًا

وأنَّ وصف الله بالجسم مع العلم بالمعنى هُو كُفر صريح

قال الجُوينيُّ في [الشَّامل]: <ليس في لُغة العرب تسمية الوُجود جسمًا بل في لُغتهم ما يُناقض ذلك> إلخ.. فمَن علم معنى الجسم ومع ذلك أطلقه على الله وزعم أنَّه أراد معنًى آخَرَ هُو اخترعه لا تحتمله اللُّغة: فهذا كافر كُفرًا صريحًا كما أنَّ مَن وصف الله بالجُلوس والقُعود عالِمًا بالمعنى كافر كُفرًا صريحًا ولو زعم أنَّه لا يلتزم لوازم الجسم والجلوس والقعود فنعوذ بالله مِن الخذلان ومِن حال أهل الفتنة.

-(ز)-

بيان أنَّه لا يُشترَط في الوُقوع في الكُفر اعتقاد معنى اللَّفظ

قال شيخنا المُحدِّث الشَّيخ عبدالله الهرريُّ في [مُختصره] بعد ذكر حديث (إنَّ العبد ليتكلَّم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها في النَّار سبعين خريفًا) ما نصُّه: <وهذا الحديث دليل على أنَّه لا يُشترَط في الوُقوع في الكُفر معرفة الحُكم ولا انشراح الصَّدر ولا اعتقاد معنى اللَّفظ> انتهى فإنْ علم معنى الجسم لا ينفعُه بعد ذلك لو قال: (لا أعتقد في قلبي أنَّه جسم لكن أحمل اللَّفظ على غير معناه).

وقول شيخنا الهرري سبقه إليه عُلماء الأُمَّة؛ وفي رسالة البدر الرَّشيد في الألفاظ الكفريَّة: <مَن كَفَر بلسانه طائعًا وقلبُه مطمئن على الإيمان فإنَّه كافر ولا ينفعُه ما في قلبه ولا يكون عند الله مُؤمنًا> انتهى وفي [خزانة الأكمل في فُروع الفقه الحنفيِّ] لأبي يعقوب الجُرجانيِّ: <وفي كتاب مُوسى بن نصير الرَّازيِّ: أجمع عُلماؤُنا رحمهُم الله أنَّ كُلَّ مَن كَفَر بلسانه طائعًا وقلبُه مُطمئنٌّ على الإيمان أنَّه كافر عند الله وعند الحاكم> انتهى.

وقال تاج الدِّين السُّبكيُّ المُتوفَّى سنة 771 للهجرة في [طبقاته]: <ولا خلاف عند الأشعريِّ وأصحابه بل وسائر المُسلمين أنَّ مَن تلفَّظ بالكُفر أو فعل أفعال الكُفر أنَّه كافر بالله العظيم مُخلَّد في النَّار وإنْ عرف بقلبه وأنَّه لا تنفعُه المعرفة مع العناد ولا تغني عنه شيئًا؛ لا يختلف مسلمان في ذلك> انتهى ومَن تأمَّل أدرك أنَّ كلام التَّاج ينطبق على مَن وصف الله بالجسم عالِمًا بالمعنى ولو لم يعتقده بقلبه.

وقال الشَّيخ مُلَّا عليٌّ القاري الحنفيُّ المُتوفَّى سنة 1014 للهجرة في [شرح الفقه الأكبر] للإمام أبي حنيفة النُّعمان بن ثابت الكُوفيِّ: <ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ عَالِمًا بِمَعْنَاهَا وَلَا يَعْتَقِدُ مَعْنَاهَا لَكِنْ صَدَرَتْ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ بَلْ مَعَ طَوَاعِيَةٍ فِي تَأْدِيَتِهِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ> انتهى وهُو -وما سبقه مِن نُقول- غاية في نُصرة كلامنا في هذه المسألة بحُروف واضحة جليَّة لا لُبس فيها عند ذوي العُقول السَّليمة.

-(ح)-

بيان أنَّ مَن صرَّح بكلمة الرِّدَّة وزعم أنَّه أضمر تورية فإنَّه يكفُر ظاهرًا وباطنًا

وأنتُم تعرفون يا إخواننا أنَّ العُلماء كفَّروا مَن قال كلمة كُفريَّة وزعم أنَّه أراد تورية بعيدة عن دلالة اللُّغة فيها، فكيف يتأوَّل أهل الفتنة كلام مَن نطق بالكُفر الصَّريح عالمًا بمعناه! بل يكفُر بلا خلاف عند العُلماء فلا نتأوَّل له ولا يُقبل منه تأويل. والمدعو الحبتَّري يُخالف في هذا وليس في حُكم مَن لا يعرف معنى الجسم فلا يخدعكُمُ المفتون فإنَّه يتلاعب بالكلام والعبارات ليهرب مِن وجه الدَّليل ويروغ كما يروغ الثَّعلب.

قال إمام الحرمَين أبو المعالي عبدالملك الجُوينيُّ في [نهاية المطلب في دراية المذهب]: <وقد ذكر الأُصوليُّون أنَّ مَن صرَّح بكلمة الرِّدَّة وزعم أنَّه أضمر تورية فإنَّه يكفُر ظاهرًا وباطنًا> انتهى؛ ونقله عن الجُوينيِّ شمسُ الدِّين الرَّمليُّ الشَّافعيُّ في [نهاية المُحتاج إلى شرح المنهاج] وقال: <ونقل الإمام عن الأُصوليِّين أنَّ إضمار التَّورية أي فيما لا يحتملها كما هُو واضح لا يُفيد فيكفُر باطنًا أيضًا لحُصول التَّهاون منه> انتهى.

-(ط)-

بيان أنَّ مَن قال عن الله جسم غير عالِم بالمعنى لا يدخُل في المُجسِّمة حقيقة

قال البزدويُّ الحنفيُّ في [أُصُول الدِّين] له: <بيان مذهب المُجسِّمة: هُم فِرَقٌ كثيرة أصحاب مُحمَّد بن كرَّام وأصحاب مُقاتل بن سُلَيمان وأصحاب هشام بن الحَكَم وأصلُ مذهبهم: وصفُهُم الله تعالى بالجسم إلَّا أنَّ بعضهم قالوا: نعني بالجسم الوُجود لا غير> انتهى فمع أنَّهم لم يفهموا مِن الجسم إلَّا اسمه ولم يُدركوا أنَّه المُتركِّب المُتألِّف مع ذلك سمَّاهم مُجسِّمة مجازًا لا حقيقة فلا نُكفِّرُهم لجهلهم بالمعنى.

إذًا.. لمَّا أطلق بعض المُصنِّفين لفظ المُجسِّمة في حقِّ مَن قال: (الله جسم) جاهلًا بالمعنى الكُفريِّ مِن باب المجاز بينما هُم لا يدخُلون في المُجسِّمة حقيقةً؛ أدَّى هذا إلى اختلاف عبارات العُلماء أحيانًا فجاء بعضُها مُشكلًا مُوهمًا الخلاف في كُفر المُجسِّمة والصَّحيح أنَّهُم لم يختلفوا بل لم يستثنوا مِن الوُقوع في الكُفر إلَّا مَن أطلق اللَّفظ المذكور آنفًا ولم يفهم معناه فالحقُّ أنَّه لا خلاف في تكفير المُجسِّمة.

-(ي)-

بيان أن المُجسِّمة ما عبدُوا خالقًا ولا مخلوقًا

قال ابن خمير السَّبتيُّ المالكيُّ في [مقدمات المراشد إلى علم العقائد] عن المُجسِّمة: <ذلك أنَّ عَبَدَة الأوثان عبدوا أشباحًا تخيَّلوا الإلهيَّة فيها أو تقرُّبَهُم بها إلى الإله فقد عبدوا أشياء كيف ما كانت وهؤُلاء المساكين عبدوا العدم فإنَّهُم تخيَّلوا أنَّ الإله تعالى شبح على العرش -وليس على العرش شبح هُو الإله- فهُم يعبُدون العدم المحض والتَّخيُّل الفاسد وإذن ما عبدُوا خالقًا ولا مخلوقًا نعوذ بالله مِن الخذلان> انتهى.

-(ك)-

الخاتمة: بيان حقيقة فتنة الحبتَّري

وكنتُ أظُنُّ أنَّ المدعو الحبتَّري يُكفِّر مَن قال عن الله: (جسم لا كالأجسام) إنْ كان يعلم المعنى فلمَّا حاورتُه أوَّل مرَّة سنة 2017 رومي علمتُ أنَّه لا يُكفِّر مَن نطق بهذه الكلمة الكفريَّة ولو كان عالِمًا بمعناها ما لم يُصرِّح بالتَّركُّب والتَّأليف في حقِّ الله والعياذ بالله وهذا مِن أعجب الزَّيغ والضَّلال. فنسأل الله السَّلامة في ديننا وعقيدتنا الحقَّة إنَّه سُبحانه على ما يشاء قدير وهُو تعالى يخلُق ما يشاء ويختار.

وفي الختام أدعوك يا محمود قُرطام الحبتَّري للعودة إلى مُوافقة كلام شيخنا الهرريِّ وأُذكِّرُك بما كُنت تقول في نفي الكُفر عن المُجسِّمة وأنَّه: (مُخالف لقول الإمام الطَّحاويِّ الَّذي أورده على أنَّه هُو مُعتقد أهل السُّنَّة ونقْلُهُ مُقَدَّمٌ على نقْلِ مَن نقَلَ عنهُم هؤُلاء الدَّكاترة وقد نقل الإجماع أيضًا الإمام أبو منصور البغداديُّ في [تفسير الأسماء والصِّفات] على تكفير المُعتزلة والمُشَبِّهة وهذا إجماع صريح مِن أبي منصور البغداديِّ) انتهى كلامُك بحُروفه وفيه ردٌّ على قولك الجديد الَّذي خالفتَ فيه في هذه المسألة.

نهاية المقال.

الشيخ الدكتور محمد عبد الجواد الصباغ الحسيني

لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي