أقوال بعض أئمة الخلف في تنـزيه الله عن الجسمية

أقوال بعض أئمة الخلف في تنـزيه الله عن الجسمية

بينّا أنّ السلف هم أهل القرون الثلاثة الأولى قرن الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، هؤلاءِ يسمَّون السلف، ومن جاءوا بعد ذلك يسمَّون الخلف، ومن العلماء من حدّ عصر السلف بالمائتين والعشرين سنةً من مبعث الرسول ﷺ.

فالسلف الغالب عليهم أن يؤوّلوا الآيات المتشابهة تأويلًا إجماليًّا بلا تعيين، يؤمنون بها ويعتقدون أن لها معانيَ تليق بجلال الله وعظمته، لا تشبه صفات المخلوقين كتفسيرهم آية: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {5} (طه)، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ {10} (فاطر) وحديث النزول بقولهم: بلا كيفٍ أو على ما يليق بالله أي من غير أن يكون بهيئة ومن غير أن يكون جلوسًا واستقرارًا وجارحةً وطولًا وعرضًا وعمقًا ومساحة وحركة وسكونًا وانفعالًا ونحو ذلك مما هو من صفات المحدثين. هذا مسلك السلف ردّوها من حيث الاعتقاد إلى الآيات المحكمة كقول الله تبارك وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {11} (الشورى)، وتركوا تعيين معنى معيَّن لها مع نفي تشبيه الله بخلقه.

وأمَّا الخلفُ فمسلكهم أنهم يُؤوّلونها تفصيلًا بتعيين معان لها مما تقتضيه لغة العرب ولا يحملونها على ظواهرها كالسلف. فالسلف والخلف متّفقان على عدم الحمل على الظاهر لكن هؤلاء بقولهم: بلا كيف، وأولئك بقولهم: استوى أي قهر، ومن قال: استولى فالمعنى واحد أي قهر([1])، وكِلا الفريقين متفقان على أنه لا يجوز حملُ الاستواء ونحوه على الظاهر، لكن هؤلاء عيّنوا معنى، وأولئك لم يعيّنوا إنما قالوا بلا كيف أي استواء لا يشبه استواء المخلوقين، ولا بأس بسلوك مسلك الخلف ولا سيّما عند الخوف من تزلزل العقيدة حفظًا من التشبيه.

وهاكم أقوالَ بعض مشاهير العلماء من الخلف:

[1] ) كما في غريب القرآن وتفسيره لابن المبارك، ص113، وتأويلات أهل السّنة للماتريدي، 1/85، وبصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروزأبادي، 2/106، وغيرهم كثير.

استدلال الشيخ أبي حامد الغزالي رحمه الله (ت 505هـ)

قول الحافظ الإمام ابن حبان البستيّ رحمه الله (ت 354هـ)

استدلال الشيخ أبي حامد الغزالي
رحمه الله (ت 505هـ)

قال الغزالي في كتابه الاقتصاد في الاعتقاد([1]): «صانع العالم ليس بجسم، لأن كل جسم فهو متألف من جوهرين متحيزين، وإذا استحال أن يكون جوهرًا استحال أن يكون جسمًا، ونحن لا نعني بالجسم إلا هذا» اهـ.

[1] ) الاقتصاد في الاعتقاد، أبو حامد الغزالي، ص12.

استدلال الشيخ أبي سعيد المتولّي الشافعيّ الأشعريّ([1])
رحمه الله (ت 478هـ)

قال الشيخ أبو سعيد المتولي الشافعيّ الأشعريّ([2]ما نصه: «والغرض من هذا الفصل نفي الحاجة إلى المحل والجهة خلافًا للكرّامية والحشوية والمشبهة الذين قالوا: إن لله جهة فوق. وأطلق بعضهم القول بأنه جالس على العرش مستقرّ عليه، تعالى الله عن قولهم. والدليل على أنه مستغنٍ عن المحل أنه لو افتقر إلى المحلّ لزم أن يكون المحلّ قديمًا لأنه قديم أو يكون ـ يعني الله ـ حادثًا كما أن المحلّ حادث، وكلاهما كفر. والدليل عليه أنه لو كان على العرش على ما زعموا لكان لا يخلو إما أن يكون مِثْل العرش أو أصغر منه أو أكبر، وفي جميع ذلك إثبات التقدير والحدّ والنهاية وهو كفر. والدليل عليه أنه لو كان في جهة وقدّرنا شخصًا أعطاه الله تعالى قوة عظيمة واشتغل بقطع المسافة والصعود إلى فوق لا يخلو إما أن يصل إليه وقتًا ما أو لا يصل إليه. فإن قالوا: لا يصل إليه فهو قول بنفي الصانع لأن كل موجودين بينهما مسافة معلومة، وأحدهما لا يزال يقطع تلك المسافة ولا يصل إليه يدل على أنه ليس بموجود. فإن قالوا: يجوز أن يصل إليه ويحاذيه فيجوز أن يماسّه أيضًا، ويلزم من ذلك كفران: أحدهما: قدم العالم لأنَّا نستدل على حدوث العالم بالافتراق والاجتماع، والثاني: إثبات الولد والزوجة» اهـ.

[1] ) عبد الرحمن بن مأمون النيسابوري أبو سعيد، ت 478هـ، فقيه مناظر عالم بالأصول، ولد بنيسابور سنة 426هـ وتعلم بمرو. وتولى التدريس بالمدرسة النظامية ببغداد وتوفي بها. كان جامعًا بين العلم والدّين وحسن السيرة وتحقيق المناظرة. له يد قوية في الأصول والفقه والخلاف. له: «تتمة الإبانة»، و«الغنية في أصول الدين». وفيات الأعيان، ابن خلكان، 3/133، 134. الأعلام، الزركلي، 3/323.

[2] ) الغُنية في أصول الدين، المتولي، ص73، 75.

استدلال الإمام البيهقيّ (ت 458هـ)

استدلال الشيخ أبي حامد الغزالي رحمه الله (ت 505هـ)