استدلال الإمام الشافعيّ رضي الله عنه (ت 204هـ)

استدلال الإمام الشافعيّ رضي الله عنه (ت 204هـ)

قال الإمام الشافعيّ([1]): «واعلموا أن الحدّ والنهاية لا يجوز على الله تعالى، ومعنى الحدّ طرف الشىء ونهايته. والدليل عليه هو أن من لا يكون محدود البداية لا يكون محدود الذات والنهاية، ومعناه من لا يكون لوجوده ابتداء لا يكون لذاته انتهاء، وأنَّ كل ما كان محدودًا متناهيًا صحَّ أن يُتوهم فيه الزيادة والنقصان وأن يوجد مثله، فكان لاختصاصه بنوع من النهاية والتحديد الذي يصحّ أن يكون أكبر منه أو أصغر يقتضي أن يكون له مخصّص خصّصه على حدّ ونهاية وخلقه على قدره وذلك دلالة الحدوث، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا» اهـ.

ويُساعد في فهم هذا الاستدلال استحضار قاعدة كلاميَّة مهمَّة وهي تقسيم الحكم العقلي إلى ثلاثة أقسام: الوجوب والاستحالة والجواز.

فالوجوب: ما لا يُتَصوَّر في العقل عدمه وهو الله وصفاته، فالله تعالى ذاته واجب الوجود، ويقال له واجب عقليّ، وكذلك صفاته، أي أن العقل يُحَتّم وجوده ولا يقبل انتفاءَهُ.

والمستحيل: ما لا يُتصوَّر في العقل وجوده، وقد يعبّرون عنه بالممتنع، وهو كوجود الشريك لله تعالى والعجز والجهل بالنسبة إلى الله، فكل ما لا يجوز على الله فهو مستحيل عقليّ. ومن المستحيل العقليّ كون الحادث أزليًّا. أما المستحيل العادي فيصحّ وجوده عقلًا لكن عادة لا يحصل كوجود جبل من زئبق، فهذا لا يحصل في الدنيا على حسب العادة.

والجائز: ما يُتصوَّر في العقل وجوده وعدمه ويقال له الممكن العقليّ، أي يمكن وجوده بعد عدمه وإعدامه بعد وجوده بالنظر لذاته في حكم العقل وهو هذا العالَم.

[1] ) رسالة الفقه الأكبر، تنسب للإمام الشافعيّ، ص 11.

استدلال الإمام البيهقيّ (ت 458هـ)

قال الحافظ البيهقيّ([1]): «فإن قال قائل: فما الدليل على أنه ـ أي الله ـ ليس بجسم ولا جوهر ولا عَرَض؟ قيل: لأنه لو كان جسمًا لكان مؤلَّفًا، والمؤلَّف شيئان، وهو سبحانه شىء واحد([2]) لا يحتمل التأليف.

وليس بجوهر لأن الجوهر هو الحامل للأعراض القابل للمتضادّات، ولو كان كذلك لكان ذلك دليلًا على حدوثه، وهو سبحانه وتعالى قديم لم يزل.

وليس بعَرَض لأنّ العَرَضَ لا يصحّ بقاؤه ولا يقوم بنفسه، وهو سبحانه قائم بنفسه([3]لم يزل موجودًا ولا يصحّ عَدَمه.

فإن قال قائل: فإذا كان القديم سبحانه شيئًا لا كالأشياء، لِـمَ أنكرتم أن يكون جسمًا لا كالأجسام؟

قيل له: لو لزم ذلك للزم أن يكون صورة لا كالصور، وجسدًا لا كالأجساد، وجوهرًا لا كالجواهر، فلمّا لم يلزم ذلك لم يلزم هذا» اهـ.

وقال رحمه الله أيضًا([4]): «والحدّ يوجب الحَدَثَ لحاجة الحدّ إلى حادّ خصَّه به، والبارئ قديم لم يزل» اهـ.

[1] ) شعب الإيمان، البيهقيّ، 1/136.

[2] ) أي أن الله تعالى ليس بشىء يتجزّأ ويتقسّم، فالله واحد لا بمعنى العدد، ولكن بمعنى أنه لا شريك له.

[3] ) معنى قيامه بنفسه تعالى هو استغناؤه عن كلّ ما سواه، فلا يحتاج إلى مخصّص له بالوجود، لأنّ الاحتياج إلى الغير ينافي القِدم والأولية، وقد ثبت وجوب قِدمه تعالى وبقائه، فوجب استغناؤه تعالى عن كلّ مخلوق.

[4] ) الأسماء والصفات، البيهقيّ، ص 415.

استدلال الشيخ أبي سعيد المتولّي الشافعيّ الأشعريّ([1])
رحمه الله (ت 478هـ)

قال الشيخ أبو سعيد المتولي الشافعيّ الأشعريّ([2]ما نصه: «والغرض من هذا الفصل نفي الحاجة إلى المحل والجهة خلافًا للكرّامية والحشوية والمشبهة الذين قالوا: إن لله جهة فوق. وأطلق بعضهم القول بأنه جالس على العرش مستقرّ عليه، تعالى الله عن قولهم. والدليل على أنه مستغنٍ عن المحل أنه لو افتقر إلى المحلّ لزم أن يكون المحلّ قديمًا لأنه قديم أو يكون ـ يعني الله ـ حادثًا كما أن المحلّ حادث، وكلاهما كفر. والدليل عليه أنه لو كان على العرش على ما زعموا لكان لا يخلو إما أن يكون مِثْل العرش أو أصغر منه أو أكبر، وفي جميع ذلك إثبات التقدير والحدّ والنهاية وهو كفر. والدليل عليه أنه لو كان في جهة وقدّرنا شخصًا أعطاه الله تعالى قوة عظيمة واشتغل بقطع المسافة والصعود إلى فوق لا يخلو إما أن يصل إليه وقتًا ما أو لا يصل إليه. فإن قالوا: لا يصل إليه فهو قول بنفي الصانع لأن كل موجودين بينهما مسافة معلومة، وأحدهما لا يزال يقطع تلك المسافة ولا يصل إليه يدل على أنه ليس بموجود. فإن قالوا: يجوز أن يصل إليه ويحاذيه فيجوز أن يماسّه أيضًا، ويلزم من ذلك كفران: أحدهما: قدم العالم لأنَّا نستدل على حدوث العالم بالافتراق والاجتماع، والثاني: إثبات الولد والزوجة» اهـ.

[1] ) عبد الرحمن بن مأمون النيسابوري أبو سعيد، ت 478هـ، فقيه مناظر عالم بالأصول، ولد بنيسابور سنة 426هـ وتعلم بمرو. وتولى التدريس بالمدرسة النظامية ببغداد وتوفي بها. كان جامعًا بين العلم والدّين وحسن السيرة وتحقيق المناظرة. له يد قوية في الأصول والفقه والخلاف. له: «تتمة الإبانة»، و«الغنية في أصول الدين». وفيات الأعيان، ابن خلكان، 3/133، 134. الأعلام، الزركلي، 3/323.

[2] ) الغُنية في أصول الدين، المتولي، ص73، 75.

استدلال الشيخ أبي سعيد المتولّي الشافعيّ الأشعريّ([1])
رحمه الله (ت 478هـ)

قال الشيخ أبو سعيد المتولي الشافعيّ الأشعريّ([2]ما نصه: «والغرض من هذا الفصل نفي الحاجة إلى المحل والجهة خلافًا للكرّامية والحشوية والمشبهة الذين قالوا: إن لله جهة فوق. وأطلق بعضهم القول بأنه جالس على العرش مستقرّ عليه، تعالى الله عن قولهم. والدليل على أنه مستغنٍ عن المحل أنه لو افتقر إلى المحلّ لزم أن يكون المحلّ قديمًا لأنه قديم أو يكون ـ يعني الله ـ حادثًا كما أن المحلّ حادث، وكلاهما كفر. والدليل عليه أنه لو كان على العرش على ما زعموا لكان لا يخلو إما أن يكون مِثْل العرش أو أصغر منه أو أكبر، وفي جميع ذلك إثبات التقدير والحدّ والنهاية وهو كفر. والدليل عليه أنه لو كان في جهة وقدّرنا شخصًا أعطاه الله تعالى قوة عظيمة واشتغل بقطع المسافة والصعود إلى فوق لا يخلو إما أن يصل إليه وقتًا ما أو لا يصل إليه. فإن قالوا: لا يصل إليه فهو قول بنفي الصانع لأن كل موجودين بينهما مسافة معلومة، وأحدهما لا يزال يقطع تلك المسافة ولا يصل إليه يدل على أنه ليس بموجود. فإن قالوا: يجوز أن يصل إليه ويحاذيه فيجوز أن يماسّه أيضًا، ويلزم من ذلك كفران: أحدهما: قدم العالم لأنَّا نستدل على حدوث العالم بالافتراق والاجتماع، والثاني: إثبات الولد والزوجة» اهـ.

[1] ) عبد الرحمن بن مأمون النيسابوري أبو سعيد، ت 478هـ، فقيه مناظر عالم بالأصول، ولد بنيسابور سنة 426هـ وتعلم بمرو. وتولى التدريس بالمدرسة النظامية ببغداد وتوفي بها. كان جامعًا بين العلم والدّين وحسن السيرة وتحقيق المناظرة. له يد قوية في الأصول والفقه والخلاف. له: «تتمة الإبانة»، و«الغنية في أصول الدين». وفيات الأعيان، ابن خلكان، 3/133، 134. الأعلام، الزركلي، 3/323.

[2] ) الغُنية في أصول الدين، المتولي، ص73، 75.

استدلال الإمام البيهقيّ (ت 458هـ)

استدلال الشيخ أبي حامد الغزالي رحمه الله (ت 505هـ)