الإمام الأصولي فخر الدين الرازي الشافعي الأشعري و حقيقة المُجسِّمة
نقل الإمام الرَّازيُّ رحمه الله في أكثر من موضع من كتبه تكفيرَهُ للمُجسِّمة.
لكن في كتابه نهاية العقول، ما يشتبه بكونه دسًّا عليه لكونه مُخالفًا لِمَا نقله الرَّازيُّ ولاشتماله على ما لا يقول به مُسلم أصلا، و نحن نُحاشي الإمام الرَّازيَّ عن القول بصحَّة إيمان المُجسِّمة والَّذي نظُنُّه أنَّ الأيادي الآثمة دسَّت عليه هذا الكلام في كتابه، يدُلُّ على ذلك أنَّ الجواب المنسوب للرَّازيِّ في هذا الكتاب؛ فيه ما لا يقول به مُسلم البتَّة.
ففي الصـحيفة 298 قال: “ثُمَّ نقول عابد الصَّنم إنَّما كفر لأنَّه عبد غيرَ الله مع اعترافه بأنَّه عبد غيرَ الله فهُو إنَّما كفر لذلك”. انتهَى
ومعناه أنَّ عابد الصَّنم لو لم يعترف أنَّه عبد غير الله لا يكفُر.
والصَّواب الَّذي لا محيد عنه أنَّ عابد الصَّنم كافر بالإجماع سواء اعترف أنَّه عبد غير الله أو لم يعترف، وما يُخالف هذا لا يُصدَّق أن يتفوَّه به جاهل مِن المُسلمين فما بالُك بعالم كبير كالإمام الرَّازيِّ؟
ومما يُؤيِّد قولنا أنَّ المنسوب إلى الرَّازيِّ في كتاب “نهاية العُقول” دسٌّ عليه، أمور منها:
الأول: ان الكتاب في موثوقية جميع متنه، شك كبير، لأن جميع مخطوطات نهاية العقول، مجهولة الناسخ وليس عليها سماعات
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/15SeAonz2d/
الثاني: انَّ الرازي رحمه الله قال في التَّفسير الكبير، ما نصه: “الجواب أنَّ الدَّليل دلَّ على أنَّ مَن قال إنَّ الإله جسم فهُو مُنكر لله تعالَى وذلك لأنَّ إله العالم موجود ليس بجسم ولا حالٌّ في الجسم فإذا أنكر المُجسِّم هذا الموجود فقد أنكر ذات الإله تعالَى”. انتهى
إلى أن قال: “فصحَّ في المُجسِّم أنَّه لا يُؤمن بالله”. انتهَى.
فيظهر أنَّ ما نُسب إلى الرَّازيِّ في نهاية العقول ما هُو إلَّا شُبهة مِن شُبَه الخصم يُوردها الرَّازيُّ ثُمَّ يرُدُّ عليها، فوقع الدَّسُّ على صُورة إبقاء الشُّبهة ككلام صادر مِن الرَّازيِّ نفسه ثُمَّ كشط ردِّه عليها.
وإلا فقد جاء كلام الرَّازيِّ في “التَّفسير الكبير” مُتضمِّنًا ردَّه على الشُّبهة المنسوبة له في نهاية العُقول، فيتأكَّد للمُنصف أنَّ ما تمسَّك به بعض الجهلة ليس بشيء عند التَّحقيق.
الثالث: يُؤيِّد براءة الرَّازيِّ مِن الكلام المنسوب له في ” نهاية العُقول “، كلامُه في كتاب معالم أُصول الدِّين، وهذا الكتاب كتبه بعد كتابه نهاية العُقول؛ وفيه يقول إنَّ المُجسِّمة ينفون وُجود الله فيلزمُهُم الكُفر.
وتمام كلام الرَّازيِّ في هذه المسألة في “معالم أُصول الدِّين” هو قوله: “بل الأقرب أنَّ المُجسِّمة كُفَّار لأنَّهُم اعتقدوا أنَّ كُلَّ ما لا يكون مُتحيِّزًا ولا في جهة فليس بموجود ونحن نعتقد أنَّ كُلَّ مُتحيِّز فهُو مُحدَث وخالقُهُ موجود ليس بمُتحيِّز ولا في جهة فالمُجسِّمة نفَوا ذات الشَّيء الَّذي هُو الإله فيلزمُهُمُ الكُفر”. انتهَى.
والخُلاصة عند التَّحقيق كما يلي:
أ- الرَّازيُّ رحمه الله أثبت في كتاب “نهاية العُقول” أنَّ الأشاعرة يحكُمون بكون المُجسِّم مُشبِّهًا بدليل قوله: “وكُلُّ مُشبِّهٍ كافرٌ بالإجماع” كما جاء في حُروف كلامه.
ب- ثُمَّ ذكر الرَّازيُّ شُبهة مِن شُبه الخصوم وأطال في شرح تقريرهم لها -على عادته في الإسهاب- ثُمَّ ردَّ عليها ،بما أعاننا التَّحقيق في معرفة حُروفه ومعناه.
ج- حُرِّف كلامُه؛ وجُعلت الشُّبهة الَّتي ذكرها ليرُدَّ عليها وكأنَّها مِن كلامه هو؛ وكُشِطَ ردُّه عليها أو سقطت صحيفة مِن الأصل فحصل الخلط.
د- تم العثور على جواب الرَّازيِّ عن الشُّبهة المذكورة لأنَّه ذكرها بعد ذلك في كتابين اثنين؛ في التفسير الكبير، وفي “معالم أُصول الدِّين”.
وعليه فإن تقرير الإمام الرَّازيِّ تكفيرَ المُجسِّمة كما في التَّفسير الكبير ومعالم أُصول الدِّين، وجعلُه العلَّةَ في ذلك كونَهُم نفَوا وُجود الله في مُؤدَّى قولهم: حسم كُلَّ إشكال تفصيليٍّ فيما دُسَّ عليه في نهاية العُقول.
وهكذا ظهرت براءة الإمام الرَّازيِّ ممَّا أراد أصحاب الأيادي الأثيمة إلصاقه به ممَّا هُو بريء منه.
بل ان معتقده في حكمه على المجسمة واضح في عدة مواضع منها قوله في تفسيره الكبير عند قول الله تعالى من سورة يوسف “مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ”، ما نصه:
“وهذا قول المشبهة فإنهم تصوّروا جسماً كبيراً مستقراً على العرش ويعبدونه، وهذا المتخيل (بضم الميم وفتح التاء والخاء وتشديد الياء المفتوحة) غير موجود البتة، فصحّ أنهم لا يعبدون إلا مجرد الأسماء”. انتهـى
ويبقى أن نُشير كذلك إلى ما دُسَّ على الرَّازيِّ مِن أنَّه قال: ” بل هُو دعوَى إجماع في محلِّ الخلاف فلا يُلتفت إليه” فلا معنَى له لأنَّ الإجماع سبق ظُهور المُخالف كما صرَّح العُلماء.
قال صفيُّ الدِّين مُحمَّد بن عبدالرَّحيم الأرمويُّ الهنديُّ المتـوفى سنة 715هـجري في “نهاية الوُصول في دراية الأُصول” ما نصه: “وثالثُها الإجماع فإنَّ الأُمَّة مِنَ السَّلف قبل ظُهور المُخالف أجمعت على ذمِّ مَن كَفَر عن نظَر واستدلال وتوبيخِه كالفلاسفة والمُجسِّمة”. انتهى
إلى أن قال: ” وما يُقال عليه إنَّه كيف يُمكن ادِّعاء الإجماع في محلِّ الخلاف فهُو ساقط لأنَّا ندَّعي الإجماع قبل ظُهور المُخالف فلا يكون ما ذكروه قادحًا فيه> انتهَى.
فالأرمويُّ يُؤكِّد انعقاد الإجماع على كُفر مَن كَفَرَ عن نظَر واستدلال ولهذا فإنَّا لا نُثبت على الرَّازيِّ مُخالفة هذا الإجماع في نهاية العُقول، والبُرهان ما نقلنا مِن كلامه في التَّفسير الكبير و معالم أُصول الدِّين.
ومَن أثبت على الرَّازيِّ مُخالفة الإجماع المذكور بغير بيِّنة شرعيَّة فنسألُه لماذا تركتَ البيِّنة الشَّرعيَّة وغفلتَ عنِ التَّحقيق العلميِّ؟
ويقال له أيضا، أن الأئمة نقلوا في مسألة اكفار المجسمة ما يقارب 30 اجماعا:
https://www.facebook.com/share/15Xb9wAMHD/


