التحذير من ترك اكفار المجسمة

التحذير من ترك اكفار المجسمة

ليُعلم أن الوسطية ليست تنازلاً عن القواعد المرضية وتضييعا للواجبات المرعية وتمييعاً للحقائق الدينية, وأن التحذير ممن فارق ملة الإسلام من أهل الضلال ليس تكفيراً لهم من غير بينة, وأن التمسك بالأحكام الشرعية وكشف تمويهات المخالفين ليس ضربا لوحدة الأمة الإسلامية.
ومن البدع التي ابتلي بها المسلمون اليوم تسامح بعض المتأخرين مع من يقول بالجسمية في حق رب البرية، وترك التحذير منهم و مداهنتهم بتسميتهم بالمسلمين الموحدين فعمت بذلك البلية.

وهؤلاء الذين يزعمون أنّ تكفير المجسّم فيه خلاف ناقضوا العقل و النصوص النّقلية.
وليُنظر إلى ما قاله زعيم المجسمة ابن تيمية، في رسالته المسماة الفتوى الحموية في الصحيفة 4 ونص عبارته:”بل أكثر أهل السنة من أصحابنا وغيرهم يكفرون المشبهة والمجسمة”. انتهى

فإذا كان زعيم المشبهة يُكفر المجسمة وهذا دليل على تخبطه وتناقضه, فكيف بالذي ينسب نفسه للأشعرية و يحكم عليهم بالإسلام, وقد قال الإمام فخر الدين أحمد بن حسن التبريزي المتوفي سنة 746 هجرية في كتابه ” السراج الوهاج” ما نصه: “المجسمة كفار عند الأشاعرة”. انتهى
و قال الإمام محمد بن الحسن البدخشي في شرحه على المنهاج : وإليه اشار قوله ( فتقبل رواية الكافر الموافق في القبلة كالمجسمة ) الكفار عند الأشاعرة ونحوهم. انتهى

وكلامهما هنا صريح في أن الأشاعرة هم على القول بتكفير المجسمة قولاً واحداً . و أما ما يروى عنهم من تفسيقه و تضليله دون تكفيره فقد زيفه الإمام الزركشي فقال: “ونُقل عن الأشعرية أنه يفسق. وهذا النقل عن الأشعرية ‏ليس بصحيح”.انتهى

فالأشاعرة رحمهم الله كانوا مستميتين في الدفاع عن عقيدة أهل السنة بالحجج البينة و الأدلة العقلية أما هؤلاء المتأخرين ممن ينسبون أنفسهم إليهم فهم في الحقيقة مستميتون في الدفاع عن عقيدة إخوانهم المجسمة و الكرامية. فكل من داهن المجسمة من أشباه هؤلاء المقلّدين أدعياء المشيخة فلم يكفّر من نسب لله الحيز و التركيب و الكيفية, فليس على نهج أهل السُّنة الأشعرية ، بل هو من المتنطعين الهالكين إن لم يتب، وهو من المغرورين المخدوعين، ومن الفتانين المفتونين، بل هو ألعوبة في أيدي الشياطين. والمدرسة الأشعرية لا تقبل كلام كل من ينعق باسمها.

و هؤلاء الناشؤون لم ينكروا فقط أن يكون المجسم كافرًا بل أنكروا أيضا أن يكون القائل بأن الله يتكلم بحرف وصوت كافرًا ,و القائل بأن العبد يخلق أفعاله كافرا, و القائل بأن الله لا يوصف بصفات المعاني كافرا, والقائل بفناء النار كافرًا ,و القائل بحوادث لا أول لها كافرًا.

و يكفي أولائك مكابرة أنهم نفوا الإجماع القائم على كفر المجسم وتشبثوا بأقوال من لا يُعتد بمخالفته في حكمه على المجسم و مثبت الجهة و حرفوا كلام بعض العلماء عن سياقه.
وفي هذا يقول الامام محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله في كتابه أليس الصبح بقريب ما نصه: “و قد يأتي الواحد منهم بمقالة تخالف العلم أو أصول الدين – نشأت عن قصور في العلم أو سوء فهم أو ضيق تعبير – فاعتبروها- أتباعهم أو مريدوهم – هي الدين و صمموا عقدهم على غلط الأئمة السابقين “. انتهى

و لا يزال الفضلاء من أهل السنة ينقلون الإجماع على تكفير المجسمة من كلام أكابر علماء أهل الحق وذلك كاف لإسقاط شبههم الدنية ويبقى على العلماء بيان الحق لتجنيب الناس الاغترار بكلامهم والانسياق وراء مزيد من الانحلال المذموم و العصبية.
فكن منتبها يا طالب الحق ولا يهولنك تمويه المموهين وكذب المزيفين ومداهنة المداهنين فالحق أحق ان يُتّبع قولا و نية.

قال الشيخ أبو عبد الله محمد زيتونة المنستيري التونسي المُتوفى سنة 1138هـجرية في كتابه “مطالع السعود وفتح الودود على تفسير أبي السعود” ما نصه:”من جنح إلى منحرف عن دينه أو داهن مبتدعًا في عَقْده، نزعَ اللهُ نور التوحيد من قلبه”. انتهى
قاله عند تفسيره لقول الله تعالى:”لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ” ـ سورة المجادلة الآية 22ـ

وجاء في كتاب ” رسائل الاصلاح” للامام العلامة الشيخ محمد الخضر بن الحسين بن علي بن عمر الحسني النفطي التونسي ما نصه: النفوس التي تنحط في المداهنة انحطاط الماء من صبب، نفوس لم تشِبَ في مهد الأدب السني، ولم تهدها المدرسة إلى الصراط السوي، وما شاعت المداهنة في جماعة إلا تقلصت الكرامة من ديارهم، وكانت الاستكانة شعارهم، ومن ضاعت كرامتهم وداخلت الاستكانة نفوسهم، جالت أيدي البغاة في حقوقهم، وكان الموت أقرب إليهم من حبال أوردتهم”. انتهى