ذكر من أثنى على الفخر الرازي
– جاء في ذيل طبقات الفقهاء الشافعيين للعبادي ما نصه: “ومن الزيادة في ترجمته فخر الدين بن الرازي محمد بن عمر بن الحسين بن على الطبرستاني المحتد الرازي المولد البكري التيمي النسب الشريف، العلامة أبو عبد الله وأبو المعالي الداعي إلى الله تعالى إلى جامع علوم الأولين والآخرين، إمام كبير، وهمام نحرير بحر لا ساحل له، فاضل عالم متقن مفتي مجتهد مناظر متكلم فقيه عظيم الشأن مشهور بكل مكان، وهو الذي أصبح رفيع الجناب عال نابه للعلماء والأفاضل مؤلاً ولذوي النهى والألباب منزلا ، أتت الدنيا إلى بابه تطلبه وله ، إمارات أشرقت الأرض شرقا وغربا بأنوار فضله فهم يستضيؤن بانواره ويتسابقون على إثاره ويعترفون من بحار علومه ويهتدون حين ينتهون بنجومه ويسمر بجميل ذكره كل سامر وحاد ، ويشهد له بالفضل فضلا على الأصدقاء كل معاد يقر له بالفضل من لا يرده ويقضى له بالسعد من لأجل العلم أمسى يتباهى بمكانه ويزداد علوا في شأنه كما قيل :
قد أرتفع الإسلام وان حض الكفر
وزال مراء الحق منذ ظهر الفجر
فأصبحت الدنيا عروسا بفضله
فليس لها حسن سواه ولادخر
ومدحه الإمام حميد الدين صاحب المقامات ببيتين لطيفين
لائقين بعلو درجته :
خصه الله برأي هو للعيب طليعه
فيرى الحق بعين دونها حد الطبيعة
وكذلك مدحه الإمام سراج الدين يوسف بن أبي بكر محمد
السكاكي الخوارزمي
ولا مزيد عليه :
أعلمن علماً يقينا أن رب العالمينا
لو قضى لي عالميهم خدمة للاعلمينا
خدم الرازي فخراً خدمة العبد من سينا “. انتهى كلام العبادي
– قال عنه ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب: «الإمام فخر الدين الرازي العلامة أبو عبد الله، محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني الأصل، الشافعي المفسر المتكلم، صاحب التصانيف المشهورة. ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة، واشتغل على والده الإمام ضياء الدين خطيب الري، صاحب محي السنة البغوي، وكان فخر الدين ربع القامة، عبل الجسم، كبير اللحية، جهوري الصوت، صاحب وقار وحشمة، له ثروة ومماليك وبزة حسنة وهيئة جميلة. إذا ركب مشى معه نحو الثلاثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم، في التفسير، والفقه، والكلام، والأصول، والطب، وغير ذلك. وكان فريد عصره، ومتكلم زمانه، رزق الحظوة في تصانيفه، وانتشرت في الأقاليم. وكان له باع طويل في الوعظ، فيبكي كثيرا في وعظه”. انتهى
– قال عنه شمس الدين الداوودي في طبقات المفسرين: «الإمام العلامة سلطان المتكلمين في زمانه، فخر الدين، أبو عبد الله القرشي البكري التيميّ، من ذرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الطبرستاني الأصل، ثم الرازي، ابن خطيبها. المفسّر، المتكلم. إمام وقته في العلوم العقلية، وأحد الأئمة في العلوم الشرعية، صاحب المصنفات المشهورة، والفضائل الغزيرة المذكورة، وأحد المبعوثين على رأس المائة السادسة لتجديد الدين. ولد في رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وقيل سنة ثلاث، اشتغل أولا على والده ضياء الدين عمر، وهو من تلامذة البغوي، ثم على الكمال السمناني، وعلى المجد الجيلي، صاحب محمد بن يحيى، وأتقن علوما كثيرة، وبرز فيها، وتقدّم وساد، وقصده الطلبة من سائر البلاد، وصنف في فنون كثيرة؛ وكان له مجلس كبير للوعظ يحضره الخاص والعام، ويلحقه فيه حال ووجد.». انتهى
– قال جمال الدين القفطي في كتاب إخبار العلماء بأخبار الحكماء: «كان من أفاضل أهل زمانه بَذَّ القدماء في الفقه وعلم الأصول والكلام والحكمة ورد على أبي علي بن سينا واستدرك عليه وكان عظيم الشأن بخراسان وسارت مصنفاته في الأقطار واشتغل بها الفقهاء وكان يطعن على الكرامية ويبين خطأهم فقيل أنهم توصلوا إلى إطعامه السم فهلك”. انتهى
– قال زكريا القزويني في آثار البلاد وأخبار العباد: «إمام الوقت ونادرة الدهر وأعجوبة الزمان.». انتهى
– قال ابن الأثير في الكامل في التاريخ: «كان إمام الدنيا في عصره.» انتهى
– قال شمس الدين الشهرزوري في نزهة الأرواح وروضة الأفراح: «إمام زمانه وفاضل أيامه، وصاحب التصانيف المعظمة والمؤلفات المفخمة في أكثر العلوم، بلغ رحمه الله تعالى في البحث والجدل والقيل والقال مبلغاً عظيماً.» انتهى
– قال صلاح الدين الصفدي في الوافي بالوفيات: «الإمام العلامة فريد دهره ونسيج وحده فخر الدين أبو عبد الله القرشي التيمي البكري الطبرستاني الأصل الرازي المولد ابن خطيب الري الشافعي الأشعري.»
علامة العلماء والبحر الذي
لا ينتهي ولكل بحرٍ ساحل
ما دار في الحنك اللسان وقلبت
قلماً بأحسن من ثناه أنامل . انتهى
– قال اليافعي في مرآة الجنان: «الإمام الكبير العلامة التحرير الأصولي المتكلم المناظر المفسر صاحب التصانيف المشهورة في الآفاق الحظية في سوق الإفادة بالاتفاق فخر الدين الرازي أبو عبدالله محمد بن عمر بن الحسين القرشي التيمي البكري الملقب بالإمام عند علماء الأصول المقرر لشبه مذاهب الفرق المخالفين والمبطل لها بإقامة البراهين الطبرستاني الأصل الرازي المولد المعروف الشافعي المذهب فريد عصره، ونسيج وحده الذي قال فيه بعض العلماء.»
خصه الله برأي هو للغيب طليعة
فيرى الحق بعين دونها حد الطبيعة
– عده جلال الدين السيوطي مجدد القرن السادس، فقال في قصيدته عن المجددين:
والسادس الفخر الإمام الرازي
والرافعي مثله يوازي
– مدحه شرف الدين بن عنين بقصيدة قال فيها:
ريح الشمال عساك أن تتحملي
خدمي إلى الصدر الإمام الأفضل
وقفي بواديه المقدس وانظري
نور الهدى متألقاً لا يأتلي
من دوحة فخرية عمرية
طابت مغارس مجدها المتأثل
مكية الأنساب زاك أصلها
وفروعها فوق السماك الأعزل
– قال تاج الدين السبكي في طبقاته عن فخر الدين الرازي: ” إمام المتكلمين، ذو الباع الواسع في تعليق العلوم، والاجتماع بالشاسع من حقائق المنطوق والمفهوم، والارتفاع قدرا على الرفاق، وهل يجري من الأقدار إلا الأمر المحتوم؟ بحر ليس للبحر ما عنده من الجواهر، وحبر سما على السماء، وأين للسماء مثل ما له من الزواهر؟ وروضة علم تستقل الرياض نفسها أن تحاكي ما لديه من الأزاهر. انتظمت بقدره العظيم عقود الملة الإسلامية، وابتسمت بدره النظيم ثغور الثغور المحمدية، تنوع في المباحث وفنونها، وترفع فلم يرض إلا بنكت تسحر ببيونها، وأتى بجنات طلعها هضيم، وكلمات يقسم الدهر أن الملحد بعدها لا يقدر أن يضيم. وله شعار أوى الأشعري من سننه إلى ركن شديد، واعتزل المعتزلي علما أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، وخاض من العلوم في بحار عميقة، وراض النفس في دفع أهل البدع وسلوك الطريقة. أما الكلام فكل ساكت خلفه، وكيف لا وهو الإمام، رد على طوائف المبتدعة، وهد قواعدهم”. انتهى



مكانة الفخر الرازي في علم الحديث
رغم أن الإمام فخر الدين الرازي لم يعتنِ في مصنفاته بنقل الأسانيد الحديثية على الطريقة المألوفة عند المحدثين، إلا أن الدارس المتأمل يجد أنه يمتلك إلمامًا معتبرًا بمصطلحات علم الحديث وقواعده، خصوصًا ما يتعلّق بحجية الأخبار، وتحديدًا أحاديث الآحاد والمتواتر، حيث أفرد لذلك نقاشات منهجية دقيقة في كتبه الكلامية والأصولية.
كما تعرض لمسألة قطعية النصوص ودلالتها
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/1A9SFyp7EY/
فحديثه عن شروط إفادة القطع في الأخبار هو محاولة لتقنين معرفي صارم للتمييز بين الظني واليقيني.
ويبرز هذا التمكن الحديثي أيضا بصورة لافتة في معالجته لعلل الأحاديث المتعلقة بالصفات الإلهية، كما في الفصل الأخير من كتاب “تأسيس التقديس”. فقد تعامل الرازي مع هذه الأحاديث بأسلوب نقدي دقيق، يُظهر إلمامه بمناهج نقد المتن والسند، فضلاً عن تمييزه بين الصحيح والضعيف من الروايات.
ومما يعزز هذا التصور أن الرازي لم يكتفِ بإيراد الأحاديث مجرّدة، بل اعتمد في “المطالب العالية” على مصادر حديثية، مثل كتاب “التوحيد” لابن منده، أحد المحدثين في القرن الرابع الهجري، مما يدل على وعيه بقيمة تلك المصادر في بناء المنهج العقدي.
كما أن مواقفه الجدلية تجاه المعتزلة تؤكد دفاعه الصريح عن أهل الحديث المنزهين، فقد دافع عن رموزهم الكبار كأحمد بن حنبل، وابن راهويه، ويحيى بن معين، في وجه التهم التي ألصقتها بهم المعتزلة، مثل وصفهم بالتجسيم والتشبيه.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/16x9N4j7xw/
وكان من أبرز من ردّ عليه في هذا السياق إبراهيم بن سيار النظام، الذي خصّ أهل الحديث بجملة من المطاعن، فكان الرازي من أبرز من تولى تفنيدها في كتاباته.
كما أنه تعقب في المقابل الكثير من الأحاديث التي أوردها ابن خزيمة في كتابه التوحيد وبين ضعفها وأنها لا ترتقي لمرتبة الاحتجاج العقدي.
إن هذه المعطيات مجتمعة تفيد بأن الفخر الرازي لم يكن بمعزل عن علوم الحديث، بل كان يوظفها ضمن مشروعه الكلامي الأشعري، متخذًا منها أداة حجاجية في صراع المدرسة السنية الأشعرية مع الفرق المنحرفة كالرافضة والكرامية والمعتزلة، مع إدراك عميق لمناهج أهل الحديث في التعامل مع النصوص، وحرص على توظيف ذلك بما يخدم منهجه في الدفاع عن العقائد الإسلامية.

أسانيد الفخر الرازي في الحديث واجازته به لتلاميذه
– نقل العبادي في ذيل طبقات الفقهاء الشافعيين عن المسند أبي الفضائل رشيد الدين محمد بن الحافظ أبي بكر أحمد القرشي المخزومي الخالدي ـ نسبة إلى خالد بن الوليد ـ المنيعي الخراساني الأَبِيْوَرْدي الشَّبَذِي، قوله عن الفخر الرازي: “صنف كتبا كثيرة بين فيها الحق وأظهر فيها الصدق، ورد على الفلاسفة مذاهبهم الباطلة وأرائهم الباطلة ، وسمعت منه حديثا واحدا خلال وعظه وتذكيره بهراة ، يرويه عن الإمام العالم أبى محمد محمود بن محمد بن عياش بن أرسلان الخوارزمي العباسي الشافعي صاحب تاریخ خوارزم، وسمع العباس هذا من أبيه ومن إسماعيل بن أحمد البيهقي وجماعة عن الإمام محي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود بن محمد البغوي . قال أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أخبرنا أبو إسحاق أحمد محمد بن إبراهيم الثعلبي أنا عبد الله بن حامد أنا محمد بن جعفر، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى عبد الله بن قیس رضي الله عنه، قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وقال بخمس كلمات، فقال إن الله تعالى لا ينام ولا ينبغى له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع اليه عمل الليل قبل عمل النهار ، وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، حديث صحيح، أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية ، ورواه المسعودي عن عمر وبن مرة. ولولا الإمام فخر الدين لصارت أعلام العلوم طامسة ومنازل الفضل والهدى دراسة وحبال الدين مبنوتة منحدرة ، وحبال اليقين مفتونة منهدمه ، فطلال الظلال متقيه وارقه ، ودموع الحق منحدرة دارفه ، ولكن الله تعالى أحكم بمكانه مقدورة، وأبى إلا أن يتم نوره ، ومن طالع تصانيفه عرف مقداره. قرأت عليه مصنفه كتاب المعالم وسمعت عليه كتاب الأربعين بقراءة أخي أبى المجد إبراهيم ، وأجاز لي ولأخي مؤلفاته ومجموعاته ومصنفاته فى العلوم كلها من التفاسير والأحكام. والأصول وعلوم الكلام وما كان له من الأحاديث أشياء مسموعة مما ذكر في الإجازة من الأحاديث والأخبار وذلك في شهر رمضان سنة خمس وستمائة ، ودفن بها بمكان مرطاة قال ذلك في معجمه العلامة رشيد الدين أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن محمد الشندي الأيبوردي”. انتهى
وهذا النص يدل أن الفخر الرازي، في أحد مجالس الوعظ بهراة في رمضان من سنة 605 هـجري، أسند حديثا بحضور اثنين من المحدثين، وهما رشيد الدين أبو الفضائل محمد و أخوه أبو المجد إبراهيم.
وقد جمع الرشيد محمد مشيخة لنفسه بخطه، ضمنها تراجم عديدة، وفوائد عزيزة، وقد ترجم فيها لشيخه الإمام فخر الدين الرازي، وذكر أنه أجازه في مروياته من الحديث.
و بعده بثلاثة أشهر مرض الرازي، وفي تلك الفترة، أملى وصيته. وقد امتد مرضه إلى شهر شوال، وتوفي يوم العيد سنة 606 هـجري.
فمن خلال هذه الترجمة القصيرة، عرفنا فائدة عظيمة، وهي إسناد الإمام فخر الدين وروايته الحديث عن شيخه الإمام الحافظ العلامة المؤرخ محمود الخوارزمي عن أبيه وجده وإسماعيل ابن الإمام البيهقي وجماعة عن الإمام البغوي، وظهر أن الإمام الرازي قد روى الحديث وأملاه وأجاز به ورواه عنه تلاميذه.
رابط تجميع البحوث حول الفخر الرازي
https://www.facebook.com/share/p/1CCo8HfVxh/
من صور تعمق الفخر الرازي في علم الحديث
قال الفخر الرازي في تأسيس التقديس – الذي ألفه ردا على ابن حزيمة- عند مناقشة حديث الضحك المنسوب لله عز وجل : ” وأما حديث ابي هريرة رضي الله عنه وهو “ان العبد يقول لا تجعلني أشقى خلقك فيضحك الله منه”، فيجوز ان يكون قد وقع الغلط في الإعراب، وكان الحق فيضحك الله منه اي يضحك الله الملائكة من ذلك القول والذي يدل على ان ما ذكرناه محتمل ان أبا هريرة وأبا سعيد الخدري رضي الله عنهما اختلفا في قدر عطية ذلك الرجل فقال ابو سعيد يعطيه الله ذلك المطلوب وعشرة أمثاله وقال ابو هريرة يعطيه الله ذلك ومثله معه، وهذا الاختلاف بينهما في الحديث مذكور في كل كتب الأحاديث، فلما لم يضبط هذا الموضع من الخبر فجوز عدم الضبط في ذلك الإعراب وبالله التوفيق “. انتهى
فقول الفخر الرازي: “وهذا الاختلاف بينهما في هذا الحديث مذكور في كل كتب الحديث”، دليل على معرفته و اطلاعه على كتب كثيرة ضمن المدونة الحديثية السنية لتتبع ألفاظ الحديث المختلفة، وهذه لا يقوم به من كان أجنبيا عن علم الحديث .


