عضد الدين عبد الرحمن الإيجي المُتوفى سنة 756 هجري
ما ورد عن العضد الإيجي في عقيدته من ترك تكفير المجسم هو كلام مجمل في سياق متن عقدي قصير، لم يفصل فيه.
و نص عبارته: “وَلاَ نُكَفِّرُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ القِبْلَةِ إِلاَّ بِمَا فِيهِ نَفْيُ الصَّانِعِ القَادِرِ المُخْتَارِ العَلِيمِ، أَوْ شِرْكٌ، أَوْ إِنْكَارُ النُّبُوَّةِ، أَوْ إِنْكَارُ مَا عُلِمَ مَجِيءُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِهِ ضَرُورَةً، وَإِنْكَارُ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ قَطْعًا كَالأَرْكَانِ الخَمْسَةِ وَاسْتِحْلاَلُ المُحَرَّمَاتِ، وَأَمَّا غَيْر ذَلِكَ فَالقَائِلُ بِهِ مُبْتَدِعٌ وَلَيْسَ بِكَافِرٍ، وَمِنْهُ التَّجْسِيمُ”. انتهى من العقائد العضدية
و يُفهم مراد العضد من هذه العبارة التي وردت في متنه العقدي بما قاله في المواقف صـحيفة 273 : “المقصد الثاني : في أنه تعالى ليس بجسم , وذهب بعض الجهال إلى أنه جسم كالكرامية وقالوا : هو جسم، أي : موجود وقوم قالوا : هو جسم، أي : قائم بنفسه فلا نزاع معهم إلا بالتسمية” . انتهى
فقوله ” فلا نزاع معهم إلا بالتسمية ” دليل أن هؤلاء العوام من الكرامية فهموا فقط من كلمة جسم: “موجود” أو “قائم بذاته”، و لم يفهموا من كلمة جسم ما يفيد التحييز و التركيب. فهؤلاء لا يكفرون. إلا أنه كان ينبغي من العضد توضيح المسألة و ليس اختزالها إلى حد الاخلال بقيودها .
فينبغي القول أن مراد العضد الإيجي هو ترك تكفير من يطلق كلمة جسم عن الله و لا يفهم معناها، وليس مراده ترك تكفير من ينسب الحركة و السكون لله و لا ترك تكفير من ينسب الجسمية والجهة في حق الله .
ثم إنه من المهم التنبيه إلى أمرين:
أ- عبارة: “ومنه التجسيم” الوارد في العقائد العضدية لم ينقلها الكثير من العلماء عن العضد الإيجي كما في كتاب نور العين في إصلاح جامع الفصولين للشيخ محمد بن أحمد نشانجي زاده.
ب- كتاب المواقف للعضد الإيجي مذكور فيه نفس النص الذي في متنه العقدي لكن من دون لفظ “وَأَمَّا غَيْر ذَلِكَ فَالقَائِلُ بِهِ مُبْتَدِعٌ وَلَيْسَ بِكَافِرٍ، وَمِنْهُ التَّجْسِيمُ.”
فقد جاء في المواقف ما نصه: وَلاَ نُكَفِّرُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ القِبْلَةِ إِلاَّ بِمَا فِيهِ نَفْيُ الصَّانِعِ القَادِرِ العَلِيمِ، أَوْ شِرْكٌ، أَوْ إِنْكَارُ للنُّبُوَّةِ، أَوْ إِنْكَارُ المُجْمَعٍ عَلَيْهِ كاسْتِحْلاَلُ المُحَرَّمَاتِ التي أجمع على حرمتها. فإن كان ذلك المجمع عليه مما علم ضرورة من الدين فذلك ظاهر داخلا فيما تقدم ذكره. و إلا فإن كان إجماعا ظنيا فلا كفر بمخالفته. و إن كان قطعيا ففيه خلاف. و أما ما عداه فالقائل به مبتدع غير كافر. و للفقهاء في معاملتهم خلاف هو خارج عن فننا هذا. انتهى
و بالتالي فإنه ينبغي التحقق من نسبة تلك العبارة لصاحبها.
وحتى بعض شراح العقائد العضدية ممن ذكروا تلك العبارة عقبوا عليها، كالشارح جلال الدين الدواني حيث قال: “التجسيم مع البلكفة غير مكفر، بخلاف التجسيم مع غير البلكفة”. انتهى
ومعنى البلكفة أن يقول القائل مثلا: جسم بلا كيف، أو يطلق لفظ الجسمية وهو جاهل لمعناها.
وقال الجلال الدواني أيضا في شرح العقيدة الصغرى للإيجي المعروفة باسم عيون الجواهر: ” واما المصرحون بالجسمية المثبتون لوازمها من غير تستر بالبلكفة فهم يكفرون كما صرح به الرافعي وذكره العلامة الشريف في اول شرح المواقف”. انتهى
وعليه فلا شبهة في أنّ هذا الكلام من العضد الأيجي متعلق بعوام المجسمة ممن يجهلون معاني الألفاظ أو المتسترين بالبلكفة.
وهذا أمر متفق عليه بين العلماء، كما ذكر ذلك أبو البقاء الكفوي الحنفي في كلياته: “وقد اتفق الأئمة على اكفار المجسمة المصرحين بكونه جسما وتضليل المستترين بالبلكفة”. انتهى
فالخلاف في تكفير المجسمة منحصر قطعا في هؤلاء المتسترين بالبلكفة، والعضد الإيجي يميل لعدم تكفيرهم، حيث أنه قام في المواقف بإبطال ما يستدلّ به مكفرو هذا الصنف من المجسمة فقال: ” قَدْ كُفِّرَ المُجَسِّمَةُ بِوُجُوهٍ: الأَوَّلُ: أَنَّ تَجْسِيمَهُ جَهْلٌ بِهِ. قُلْنَا: الجَهْلُ بِاللَّهِ مِنْ بَعْضِ الوُجُوهِ لَا يَضُرُّ. الثَّانِي: أَنَّهُ عَابِدٌ لِغَيْرِ اللَّهِ كَعَابِدِ الصَّنَمِ. قُلْنَا: بَلْ مُعْتَقِدٌ فِي اللَّهِ الخَالِقِ الرَّازِقِ العَالِمِ القَادِرِ، مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِمَّا قَدْ جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ عَلَى تَأْوِيلٍ وَلَمْ يُؤَوِّلْهُ، بِخِلَافِ عَابِدِ الصَّنَمِ. الثَّالِثُ: “لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ المَسِيحُ ابنُ مَرْيَمَ” وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا غَيْرَ اللَّهِ إِلَهًا فَلَزِمَ الشِّرْكُ وَهَؤُلَاءِ كَذَلِكَ. قُلْنَا: مَمْنُوعٌ وَالمُسْتَنَدُ مَا تَقَدَّمَ”. انتهى
فقوله: ” الجَهْلُ بِاللَّهِ مِنْ بَعْضِ الوُجُوهِ لَا يَضُرُّ” أي بنسبته أسماء وصفات لله عز وجل، وهو جاهل بحقيقة معانيها مع اعتقاده التنزيه في حق الله، وقوله “مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِمَّا قَدْ جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ عَلَى تَأْوِيلٍ وَلَمْ يُؤَوِّلْهُ” أي أنه فقط ينسب لله ظواهر بعض الالفاظ و لا ينسب الكيف لله.
وهذا النص تلقفه بعض المغرورين و المنتسبين للعلم فأطلقوا القول بعدم تكفير المجسمة ونقضوا اجماع العلماء المحققين على تكفير هذه الفرقة المنتسبة للاسلام.
وما يزعمه بعض المحرفين أيضا من أن العضد الإيجي يميل للقول بأن “لازم المذهب ليس بمذهب” من غير تفصيل، فهو باطل أيضا.
فقد قال عضد الدين الإيجي في المواقف في الجزء الثالث صفحة 16 في المرصد الثاني في تنزيهه تعالى ما نصه: (الرابع) لو كان متحيزا لكان جوهرا لاستحالة كون الواجب تعالى عرَضا وإذا كان جوهرا فإما أن لا ينقسم أصلا أو ينقسم وكلاهما باطل. أما الأول فلأنه يكون حينئذ جزءا لا يتجزأ وهو أحقر الأشياء، تعالى الله عن ذلك (وأما) الثاني فلأنه يكون جسما وكل جسم مركب وقد مرّ أن التركيب الخارجي ينافي الوجوب الذاتي، وأيضا فقد بيَّنا أن كل جسم محدث فيلزم حدوث الواجب انتهى
فأنت تلاحظ أن العضد الإيجي اعتبر القول بأن الله جسم يلزم منه التركيب الذي ينافي الوجوب الذاتي. واعتبر أيضا أن كل جسم مُحدث وهذا مُؤداه القول بأن واجب الوجود مُحدث.
و لا نظن أن هناك مسلم موحد يتوقف في الحكم بالكفر على من قال بحدوث ذات الله.






